وأحدهم يحشر قول سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله في أقوال الذين لا يعذرون
بالجهل،
وهو يعلم أنَّ له قولاً آخر كما في [فتاوى اللجنة الدائمة 1/386-387] [العلماء/
سماحة الشيخ ابن باز والشيخ عبدالرزاق عفيفي والشيخ عبدالله غديان رحمهم الله]
جاء السؤال الآتي: مسألة العذر بالجهل في مواضيع عبادة القبور أو
عبادة الطاغوت؛ هل يعذر صاحبها بالجهل؟!
فكان جوابهم:
((عبادة القبور وعبادة الطاغوت شرك بالله، فالمكلَّف الذي يصدر منه ذلك يُبيَّن له
الحكم؛ فإنْ قَبِلَ وإلا فهو مشرك، إذا مات على شركه فهو مخلَّد في النار ولا يكون
معذوراً بعد بيان الحكم له، وهكذا مَنْ يذبح لغير الله
وجوابا على تلبيسه أقول:
ليس لك في فتوى اللجنة أدنى مستمسك لو عقلت ؛ لكنك
إما أن سقيم الفهم فلا تفهم فهما سويا ، أو أنك تفهم وتلبس ومن هذا حاله حقيق عليه
بأن يضع لسانه في سقف فمه وليرح الأمة من جهله.
ففي فتوى اللجنة لم يتعرضوا لشيء مما فهمته كذبا
عليهم ، وأفادوا حكما متفقا عليه يجمع جميع الناس ألا وهو الخلود في النار للمشرك
بعد البيان ، وهذا عام في كل مشرك ولو كان جاهلا على قولكم.
وكلام اللجنة في استحقاق العذاب في الآخرة وليس في
الحكم الدنيوي، إذا قولهم ولا يكون معذورا جاء بعد ذكرهم للحكم الأخروي للمشرك.
أما مسألة البيان للمشرك فلا يختلف فيها اثنان حتى
عند من لا يعذره بالجهل.
وقولهم فإن قبل وإلا فهو مشرك فهذا القدر متفق عليه
بين الجميع ، فمن قبل الحلق بعد البيان وترك فعل الشرك فليس بمشرك ، أما إن أصر
على رده فهو مشرك كما قالت اللجنة ، فأين الحجة لك في فتواهم؟ أم أنك أعمي البصر
والبصيرة؟
ثم واصل تلبيسه قائلا:
وفي فتوى رقم (11043) تحت عنوان: [هل يعذر المسلم بجهله في الأمور
الاعتقادية؟]، كان السؤال الآتي: عندنا تفشي ظاهرة عبادة القبور، وفي نفس الوقت
وجود مَنْ يدافع عن هؤلاء ويقول: إنهم مسلمون معذورون بجهلهم؛ فلا مانع من أن
يتزوجوا من فتياتنا، وأن نصلي خلفهم، وأنَّ لهم كافة حقوق المسلم على المسلم، ولا
يكتفون بل يسمون من يقول بكفر هؤلاء: إنه صاحب بدعة يعامل معاملة المبتدعين، بل
ويدَّعوا أنَّ سماحتكم تعذرون عباد القبور بجهلهم؛ حيث أقررتم مذكرة لشخص يُدعى
الغباشي يعذر فيها عباد القبور، لذلك أرجو من سماحتكم إرسال بحث شاف كاف تبين فيه
الأمور التي فيها العذر بالجهل من الأمور التي لا عذر فيها، كذلك بيان المراجع
التي يمكن الرجوع إليها في ذلك، ولكم منا جزيل الشكر.
فكان جواب اللجنة [العلماء/ سماحة الشيخ ابن باز والشيخ عبدالرزاق
عفيفي رحمهما الله]:
((يختلف الحكم على الإنسان بأنه يعذر بالجهل في المسائل الدينية أو
لا يعذر: باختلاف
البلاغ وعدمه، وباختلاف المسألة نفسها وضوحاً وخفاء، وتفاوت مدارك الناس قوة
وضعفاً.
فمن استغاث بأصحاب القبور دفعاً للضر أو كشفاً للكرب بُيِّنَ له
أنَّ ذلك شرك، وأقيمت عليه الحجة؛ أداء لواجب البلاغ، فإنْ أصرَّ بعد البيان فهو:
مشرك يعامل في الدنيا معاملة الكافرين، واستحق العذاب الأليم في الآخرة إذا مات
على ذلك، قال الله تعالى: "رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا
يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ
عَزِيزًا حَكِيمًا"، وقال تعالى: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى
نَبْعَثَ رَسُولاً"، وقوله تعالى: "وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ
لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ"، وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة
يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"
رواه مسلم، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على وجوب البيان وإقامة الحجة
قبل المؤاخذة.
ومَنْ عاش في بلاد يسمع فيها الدعوة إلى الإسلام وغيره ثم لا
يؤمن ولا يطلب الحق من أهله فهو في حكم مَنْ بلغته الدعوة الإسلامية وأصرَّ على
الكفر، ويشهد لذلك عموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم، كما يشهد له ما قصه
الله تعالى من نبأ قوم موسى إذ أضلهم السامري فعبدوا العجل وقد استخلف فيهم أخاه
هارون عند ذهابه لمناجاة الله، فلما أنكر عليهم عبادة العجل قالوا: "لن نبرح
عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى"، فاستجابوا لداعي الشرك، وأبوا أن يستجيبوا
لداعي التوحيد، فلم يعذرهم الله في استجابتهم لدعوة الشرك والتلبيس عليهم
فيها...... إلى أن قالوا:
وبهذا يعلم أنه لا يجوز لطائفة الموحِّدين الذين يعتقدون كفر
عباد القبور أن يكفروا إخوانهم الموحِّدين الذين توقفوا في كفرهم حتى تقام عليهم
الحجة؛ لأنَّ توقفهم عن تكفيرهم له شبهة وهي اعتقادهم أنه لا بد من إقامة الحجة
على أولئك القبوريين قبل تكفيرهم بخلاف من لا شبهة في كفره كاليهود والنصارى
والشيوعيين وأشباههم، فهؤلاء لا شبهة في كفرهم ولا في كفر من لم يكفرهم...)).
سبحان من ابتلاك بهذا
الفهم السقيم!!
ماذا يفيدك قول اللجنة:
ومَنْ عاش في بلاد يسمع فيها الدعوة إلى الإسلام
وغيره ثم لا يؤمن ولا يطلب الحق من أهله فهو في حكم مَنْ بلغته الدعوة الإسلامية
وأصرَّ على الكفر.
ثم لم بترت فتوى اللجنة يا
مفنري؟ ألتنصر باطلك تلجأ لهذه الخساسة حتى فيدين الله ؟ أمثلك يحق
لهم الحديث والفتوى والكلام في معضلات الأمور؟ لا والله.
فانظر ماذا قالت اللجنة في
الجزء المبتور:
ويشهد لذلك أيضا ما قصه الله من نبأ نقاش الشيطان
لأهل النار وتخليه عنهم وبراءته منهم، قال الله تعالى: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ
لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ
فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ
دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا
أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا
أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (1)
فلم يعذروا بتصديقهم وعد الشيطان مع مزيد تلبيسه وتزيينه الشرك وإتباعهم لما سول
لهم من الشرك لوقوعه إلى جانب وعد الله الحق بالثواب الجزيل لمن صدق وعده فاستجاب
لتشريعه واتبع صراطه السوي.
ومن نظر في البلاد التي انتشر فيها الإسلام وجد من
يعيش فيها يتجاذبه فريقان فريق يدعو إلى البدع على اختلاف أنواعها شركية وغير
شركية، ويلبس على الناس ويزين لهم بدعته بما استطاع من أحاديث لا تصح وقصص عجيبة
غريبة يوردها بأسلوب شيق جذاب، وفريق يدعو إلى الحق والهدى، ويقيم على ذلك الأدلة
من الكتاب والسنة، ويبين بطلان ما دعا إليه الفريق الآخر وما فيه من زيف، فكان في بلاغ هذا الفريق وبيانه الكفاية
في إقامة الحجة وإن قل عددهم، فإن العبرة ببيان الحق بدليله لا بكثرة العدد فمن
كان عاقلا وعاش في مثل هذه البلاد واستطاع أن يعرف الحق من أهله إذا جد في طلبه
وسلم من الهوى والعصبية، ولم يغتر بغنى الأغنياء ولا بسيادة الزعماء ولا بوجاهة
الوجهاء ولا اختل ميزان تفكيره، وألغى عقله، وكان من الذين قال الله فيهم: { إِنَّ
اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا } (1) { خَالِدِينَ
فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا } (2) { يَوْمَ تُقَلَّبُ
وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا
الرَّسُولاَ } (3) { وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا
وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ } (4) { رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ
مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } .
فهل في كلام اللجنة عذر لعباد القبور يا لك من كذاب
فاجر!!!!
وهي التي قالت أنه لا عذر
لمن عاش في بلاد الإسلام وأشرك لتلبيس أهل الضلال كما في كلامها؟ وجعلت الحجة
قائمة بوجود ولو جماعة قليلة تدعوا للحق وتبينه.
نقلك آخر كلام اللجنة في
عدم تكفير من يعذر بالجهل فيه إيماء أنك تسعى لهذا حتى لا يكفرك من لم يعذر عباد
القبور ، ولتعلم أن من كفر عباد القبور لا يتسرع في تكفير عاذرهم مطلقا بل لابد من
البيان لوجود الشبهة عندهم.
ثم قال أيضا:
وأغرب من ذلك حشر العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مع القائلين بعدم العذر
بالجهل؛ مع إنَّ أقواله في العذر بالجهل أظهر وأكثر؛ ففي لقاء الباب المفتوح؛ سُئل
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم المرجئة؟ وما حكم مَنْ يصف الذين يعذرون
بالجهل بأنهم دخلوا مع المرجئة في مذهبهم؟!
فكان جوابه:
أولاً: لا بد أن نعرف مَنْ هم المرجئة؟ المرجئة هم الذين يقولون: الإيمان
عمل القلب، ولكن قولهم هذا باطل لا شك فيه؛ لأنَّ النصوص تدل على أن الإنسان إذا
عصى الله عز وجل نقص إيمانه.
وأما العذر بالجهل فهذا مقتضى عموم النصوص، ولا يستطيع أحد أن يأتي بدليل يدل على
أنَّ الإنسان لا يعذر بالجهل، قال الله تعالى: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ
حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"، وقال تعالى: "رُسُلاً مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ
الرُّسُلِ"، ولولا العذر بالجهل لم يكن للرسل فائدة، ولكان الناس يلزمون
بمقتضى الفطرة ولا حاجة لإرسال الرسل، فالعذر بالجهل هو مقتضى أدلة الكتاب والسنة،
وقد نصَّ على ذلك أئمة أهل العلم: كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وشيخ الإسلام
محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
لكن قد يكون الإنسان مفرطاً في طلب العلم فيأثم من هذه الناحية؛ أي: أنه قد يتيسر
له أن يتعلم لكن لا يهتم، أو يقال له: هذا حرام ولكن لا يهتم، فهنا يكون مقصراً من
هذه الناحية، ويأثم بذلك.
أما رجل عاش بين أناس يفعلون المعصية ولا يرون إلا أنها مباحة، ثم نقول: هذا يأثم،
وهو لم تبلغه الرسالة هذا بعيد.
ونحن في الحقيقة يا إخواني لسنا نحكم بمقتضى عواطفنا إنما نحكم بما تقتضيه
الشريعة، والرب عز وجل يقول: "إنَّ رحمتي سبقت غضبي"، فكيف نؤاخذ
إنساناً بجهله وهو لم يطرأ على باله أن هذا حرام؟!
بل إنَّ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال: نحن لا نكفر الذين وضعوا
صنماً على قبر عبد القادر الجيلاني وعلى قبر البدوي لجهلهم وعدم تنبيههم.
والمرجئة لم أعلم أنَّ أحداً أخرجهم من الإسلام، وهم لا شك أنهم مخطئون، وأنَّ
الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، كما يدل على ذلك نصوص كثيرة، وأنَّ عدم عمل
الصالحات ينقص من الإيمان.
هنا انتهى كلام ابن عثيمين والذي شقته معه هو من
كلام الشيخ ابن باز وهو حجة عليك في ادعاء أن الشيخ يعذر بالجهل، ولا
ادري ما فائدة هذا التخليط والتخبط والأمر فيها واضح؟
فالجهل بهذا لا يكون عذراً؛ بل يجب عليه أن يتعلم هذا الأمر وأن يتبصر فيه، ولا
يعذر بقوله إني جاهل بمثل هذه الأمور وهو بين المسلمين وقد بلغه كتاب الله وسنة
نبيه عليه الصلاة والسلام؛ وهذا يسمى معرضاً، ويسمى غافلاً ومتجاهلاً لهذا الأمر
العظيم فلا يعذر، كما قال الله سبحانه: "أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ
يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ
سَبِيلاً"، وقال سبحانه: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ
الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا
يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ
كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ"، وقال تعالى
في أمثالهم: "إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ"، إلى أمثال هذه الآيات العظيمة
التي لم يعذر فيها سبحانه الظالمين بجهلهم وإعراضهم وغفلتهم.
أما من كان بعيداً عن المسلمين في أطراف البلاد التي ليس فيها مسلمون ولم يبلغه
القرآن والسنة فهذا معذور، وحكمه حكم أهل الفترة إذا مات على هذه الحالة الذين
يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب وأطاع الأمر دخل الجنة ومن عصى دخل النار، أما
المسائل التي قد تخفى في بعض الأحيان على بعض الناس كبعض أحكام الصلاة أو بعض
أحكام الزكاة أو بعض أحكام الحج، هذه قد يعذر فيها بالجهل، ولا حرج في ذلك؛ لأنها
تخفى على كثير من الناس وليس كل واحد يستطيع الفقه)).
وسئل رحمه الله في [مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين]: هل يعذر الإنسان بالجهل فيما
يتعلق بالتوحيد؟
فأجاب بقوله:
((العذر بالجهل ثابت في كل ما يدين به العبد ربه؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى قال:
"إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ
مِنْ بَعْدِهِ" حتى قال عز وجل: "رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ"، ولقوله
تعالى: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا"،
ولقولهتعالى: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ
حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ"، ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي واحد من هذه الأمة يهودي
ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار"، والنصوص في هذا
كثيرة.
فمن كان جاهلاً فإنه لا يؤاخذ بجهله في أي شيء كان من أمور الدين؛ ولكن يجب أن
نعلم أنَّ من الجهلة من يكون عنده نوع من العناد، أي إنه يذكر له الحق ولكنه لا
يبحث عنه ولا يتبعه، بل يكون على ما كان عليه أشياخه ومن يعظمهم ويتبعهم، وهذا في
الحقيقة ليس بمعذور، لأنه قد بلغه من الحجة ما أدنى أحواله أن يكون شبهة يحتاج أن
يبحث ليتبين له الحق، وهذا الذي يعظِّم من يعظِّم من متبوعيه شأنه شأن من قال الله
عنهم: "إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ
مُهْتَدُونَ"، وفي الآية الثانية: "وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ
مُقْتَدُونَ".
فالمهم؛ أنَّ الجهل الذي يعذر به الإنسان بحيث لا يعلم عن الحق ولا يذكر له: هو
رافع للإثم، والحكم على صاحبه بما يقتضيه عمله.
ثم إنْ كان ينتسب إلى المسلمين، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله،
فإنه يعتبر منهم، وإنْ كان لا ينتسب إلى المسلمين فإنَّ حكمه حكم أهل الدين الذي
ينتسب إليه في الدنيا، وأما في الآخرة فإنَّ شأنه شأن أهل الفترة؛ يكون أمره إلى
الله عز وجل يوم القيامة، وأصح الأقوال فيهم: أنهم يمتحنون بما شاء الله، فمن أطاع
منهم دخل الجنة، ومن عصى منهم دخل النار، ولكن ليعلم أننا اليوم في عصر لا يكاد
مكان في الأرض إلا وقد بلغته دعوة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بواسطة
وسائل الإعلام المتنوعة واختلاط الناس بعضهم ببعض، وغالباً ما يكون الكفر عن عناد
تفهم مراد الشيخ على غير وجهه ثم تدعي كذبا أنه
يوافقك على الجهل ؟ فهل أنت قائل بما يقول به الشيخ من أن الحكم هذا خاص بمن لم
يسمع أًلا بوجود دين يخالف ما هو عليه ، أما من سمع ولم يبحث عن الحق فليس بمعذور
على قول الشيخ ؟ فهل مشركي هذا الزمان لم يعلموا عن التوحيد شيئا
أم علموا ولم يرفعوا به رأسا ولم يسعوا في معرفة الحق ؟ فأي أحكام الشيخ تنطبق
عليهم يا ترى؟
وقال أيضا:
وسئل رحمه الله: عن العذر بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة؟
فأجاب بجواب مطوَّل مفصَّل:
((الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية
الاجتهادية، وربما يكون اختلافاً لفظياً في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على
الشخص المعين أي إنَّ الجميع يتفقون على أنَّ هذا القول كفر، أو هذا الفعل كفر، أو
هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضى في حقه
وانتفاء المانع؟ أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات أو وجود بعض الموانع؟
وذلك أنَّ الجهل بالمكفِّر على نوعين:
الأول: أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام أو لا يدين بشيء ولم يكن يخطر
بباله أنَّ ديناً يخالف ما هو عليه فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا، وأما
في الآخرة فأمره إلى الله تعالى، والقول الراجح: أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء
الله عز وجل، والله أعلم بما كانوا عاملين، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب
لقوله تعالى: "وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً"، وإنما قلنا: تجرى عليه
أحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر؛ لأنه لا يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطى
حكمه، وإنما قلنا بأنَّ الراجح أنه يمتحن في الآخرة لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة
ذكرها ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "طريق الهجرتين" عند كلامه
على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة.
النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا
المكفِّر ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك: فهذا تجري
عليه أحكام الإسلام ظاهراً، أما في الآخرة فأمره إلى الله عز وجل.
ترى هل مشركي هذا الزمان لم يخطر ببالهم أمر التوحيد
أًلا أم عرفوا ولو قليلا لكنهم لم يسعوا لمعرفة الحق من الباطل؟
ثم هذا الذي جعل الشيخ حكمه في الآخرة لله هل هو حكم
عليه بالإسلام أم توقف منه رحمه الله؟
فإن قلت حكم بإسلامه قلنا لو كان مسلما لما ترك أمره إلى الله ، لأن المسلم مآله الجنة ولو عذب
على ذنوبه.
وإن قلت لا مسلم ولا كافر قلنا لك هو منزلة بين
المنزلتين والشيخ أبعد من أن يقول بذلك رحمه الله.
فما بقي لك إلا أن تفهم كلام الشيخ على قول من يقول
نحك عليهم بالشرك في الدنيا ثم في لآخرة الله أعلم بمآلهم، لاحتمال وجود من من لم
تبلغه الحجة وهي القرآن والسنة على ما قرره الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب وقد
سبق نقل كلامه .
1 التعليقات:
الظاهر أن هذا جرجيسس جديد على ملة داود بن جرجيس النقشبندي العراقي .... صدق من قال / لكل قوم وارث
إرسال تعليق