بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه.أما بعد :
فقد أطلعني أحد الإخوة على مقال نشر في منتديات التصفية والتربية _ زعموا_ سماه صاحبه المسكين بكلام علماء السلف في العذر بالجهل !! ::قاصمة ظهر فراخ الحدادية::
ولما أخبرني الأخ بهذا المقال شككت أن الكاتب لا يعرف معنى السلف ولا يفهم ، لكنه تسلق شاهقا فسقط على أم رأسه، فهل ابن تيمية من السلف يا مسكين ؟ فضلا عمن بعدهم؟
أتجهل من هم السلف ثم تنسب إليهم الأمر في العنوان موهما أن السلف عذروا المشرك بالجهل؟ .
وهذا ما دعاني للتعليق على المقال ، وإلا فالكاتب لا يعرف ،ويظهر عليه التقميش من غير تفتيش، وما كل من نطق أو تكلم أجبناه .
لكن وجود هذا الكلام في منتدى ينتسب للسلفية وتحت إشراف طلبة علم_زعموا_ هو السبب ، والعجيب أن يمر عليهم مثل هذا ،فهل لا يعرفون من هم السلف ؟ أم يعرفون لكن يسكتون عن التخليط لأن فيه نصرة لما هم عليه من عذر عباد القبور وهو لوثة إرجائية .
ومما دعاني للتعليق أيضا_ ولو باختصار_ إطلاقه لفظ الحدادية على من يرد عليهم ، وزعم أنه أتى بما يقصم ظهر أهل الحق ، وما علم المسكين أنه قصم ظهره وظهر من يتبعه لأنه أتى بما يثبت للمرة الألف ضعف حجة القوم العلمية ، وأن تعلقهم _إن وجد_ فمتشابه كلام بعض أهل العلم ،الذي إن كان محكما فهو يحتاج لحجة ولا يكون هو الحجة.
قال المقمش:
الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- إليك نص كلامه :قال في الرد على البكري: ( نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعو أحدا من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا لغير ميت ونحو ذلك بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم مما يخالفه) الرد على البكري ص377
وجوابا عليه يقال:
شيخ الإسلام لم يكتب هذا الكتاب فقط حتى تفرح بهذا النص منه رحمه الله، ومن يريد معرفة منهج شيخ الإسلام في المسألة فعليه الإحاطة بأقواله في مواضع كثيرة من كتبه ,هذا بعيد عنك وعمن يعجبه مقالك.وسيأتيك البيان.
ثانيا : إليك كلام المجدد محمد بن عبد الوهاب في هذا الأمر :
قال رحمه الله في مفيد المستفيد:
وقال أبو العباس رحمه الله تعالى في كتاب ( إقتضاء الصراط المستقيم ) في الكلام على قوله تعالى : ( وما أهل به لغير الله ) ظاهره أن ما ذبح لغير الله سواء لفظ به أو لم يلفظ ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه النصراني للحم وقال فيه باسم المسيح ونحوه ، كما أن ما ذبحناه نحن متقربين به إلى الله سبحانه كان أزكى مما ذبحناه للحم وقلنا عليه باسم الله ، فإن عبادة الله سبحانه بالصلاة والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور ، والعبادة لغير الله أعظم كفراً من الاستعانة بغير الله فلو ذبح لغير الله متقربا به إليه لحرم وإن قال فيه باسم الله ، كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة ، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبائحهم بحال ، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان ، وهذا ما يفعل بمكة وغيرها من الذبح للجن . انتهى كلام الشيخ وهو الذي ينسب إليه بعض أعداء الدين أنه لا يكفر المعين ، فانظر أرشدك الله إلى تكفيره من ذبح لغير الله من هذه الأمة ، وتصريحه أن المنافق يصير مرتداً بذلك ، وهذا في المعين إذ لا يتصور أن تحرم إلا ذبيحة معين .
فهذا فهم العلماء لكلامه لا فهم الأغرار والمتعالمين.
وقال أيضا ص8:
وأنا أذكر لفظه الذي احتجوا به على زيغهم قال رحمه الله تعالى : أنا من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير ، أو تبديع ، أو تفسيق ، أو معصية ، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة ، وفاسقاً أخرى ، وعاصياً أخرى . انتهى كلامه .
وهذا صفة كلامه في المسألة في كل موضع وقفنا عليه من كلامه لا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الإشكال أن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة ، وأما إذا بلغته حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير ، أو تفسيق ، أو معصية .
وصرح رضي الله عنه أن كلامه في غير المسائل الظاهرة ، فقال في الرد على المتكلمين لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منه الردة عن الإسلام كثيرا قال : وهذا إن كان في المقالات الخفية فقد يقال أنه فيها مخطئ ضال تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها ، لكن هذا يصدر عنهم في أمور يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بها ، وكفر من خالفها ، مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ، ونهيه عن عبادة أحد سواه من الملائكة والنبيين وغيرهم ، فإن هذا أظهر شعائر الإسلام ، ومثل إيجاب الصلوات الخمس وتعظيم شأنها ، ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ، ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا فيها فكانوا مرتدين .
وهاك الكلام القاطع من الإمام المجدد لعلك تفيق ومن معك من لوثة الإرجاء:
على أن الذي نعتقده وندين لله به ونرجو أن يثبتناً عليه أنه لو غلط هو أو أجلَّ منه في هذه المسألة وهي مسألة المسلم إذا أشرك بالله بعد بلوغ الحجة ، أو المسلم الذي يفضل هذا على الموحدين ، أو يزعم أنه على حق ، أو غير ذلك من الكفر الصريح الظاهر الذي بينه الله ورسوله وبينه علماء الأمة ، أنا نؤمن بما جاءنا عن الله وعن رسوله من تكفيره ولو غلط من غلط .
فكيف والحمد لله ونحن لا نعلم عن واحد من العلماء خلافا في هذه المسألة ، وإنما يلجأ من شاق فيها إلى حجة فرعون : ( فما بال القرون الأولى ) أو حجة قريش : ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ) .
فهكذا يكون التحقيق وإلا فلا.
إليك قوله هذا وهو واضح جدا لكن من تأثر بالإرجاء صعب عليه الخروج منه حيث يقول في رده على الأخنائي(1/60):
وأهل البدع والجهل يفعلون ما هو من جنس الأذى لله ورسوله، ويدعون ما أمر الله به من حقوقه وهم يظنّون أنهم يعظّمونه؛ كما تفعل النصارى بالمسيح، فيضلهم الشيطان كما أضل النصارى، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. والذين يزورون قبور الأنبياء والصالحين ويحجّون إليها ليدعوهم ويسألوهم، أو ليعبدوهم ويدعوهم من دون الله؛ هم مشركون.
فانظر إليه كيف سماهم أهل بدع وجهل ثم حكم عليهم بالشرك.
ثم قال:
الإمام ابن القيم-رحمه الله تعالى- حيث قال في الطرق الحكمية: فأما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم فهؤلاء أقسام:
أحدها: الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفوراً.ا.هـ من الطرق الحكمية (1/254). فهذا ابن القيم لم يكفر جهال الرافضة، مع وقوعهم في الشرك، لمانع الجهل.
تتمة كلامه ينقض استدلالك فلم بترته ؟ ألهوى في نفسك أم لقنت شيئا فكتبته؟
وهاك تتمة كلامه:
القسم الثاني المتمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورياسته ولذته ومعاشه وغير ذلك فهذا مفرط مستحق للوعيد آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات فإن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنة والهدى ردت شهادته وإن غلب ما فيه من السنة والهدى قبلت شهادته
وهل عباد القبور من الصنف الأول أم الثاني ؟ فهل يمكنهم السؤال ولم يسألوا ؟ أم هم في بلاد نائية لا يتمكنون من السؤال وطلب الحق؟
لتفهم هذا اقرأ كتاب مفيد المستفيد للمجدد واعقل جيدا لم أورد حديث عمرو بن عبسة السلمي في أول الكتاب، فإذا ألهمك الله سلامة الفهم عقلت المسألة جيدا وأحكمت أصولها.
ثم قال:
الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رحمة واسعة قال رحمه الله: ( وإذا كنا : لا نكفر من عبد الصنم، الذي على عبد القادر ؛ والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله ؟! إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل ) سبحانك هذا بهتان عظيم)) المجلد الأول الدرر السنية ص104 وقال أيضاً: "بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعدما نبين له الحجة على بطلان الشرك". مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (3/34).
ما أبطلها من حجة وما أضعفه من تعلق !!!
إليك ما فهمه أحفاده من كلامه وقارن بينهم وبينك لتعرف موضع قدمك في العلم فلا تتعداه:
ففي الدرر السنية(13/434):
وأما قوله - عن الشيخ محمد، رحمه الله -: إنه لا يكفر من كان على قبة الكواز، ونحوه، ولا يكفر الوثني حتى يدعوه، وتبلغه الحجة، فيقال: نعم; فإن الشيخ محمدا رحمه الله، لم يكفر الناس ابتداء، إلا بعد قيام الحجة والدعوة، لأنهم إذ ذاك في زمن فترة، وعدم علم بآثار الرسالة، ولذلك قال: لجهلهم وعدم من ينبههم، فأما إذا قامت الحجة، فلا مانع من تكفيرهم وإن لم يفهموها.
وفي هذه الأزمان، خصوصا في جهتكم، قد قامت الحجة على من هناك، واتضحت لهم المحجة، ولم يزل في تلك البلاد من يدعو إلى توحيد الله، ويقرره، ويناضل عنه، ويقرر مذهب السلف، وما دلت عليه النصوص من الصفات العلية، والأسماء القدسية، ويرد ما يشبه به بعض أتباع الجهمية، ومن على طريقتهم، حتى صار الأمر في هذه المسائل، ؛ في تلك البلاد، أظهر منه في غيرها، ولا تخفى النصوص والأدلة، حتى على العوام؛ فلا إشكال - والحالة هذه - في قيام الحجة وبلوغها، على من في جهتكم من المبتدعة، والزنادقة الضلال.
ولا يجادل في هذه المسألة، ويشبه بها، إلا من غلب جانب الهوى، ومال إلى المطامع الدنيوية، واشترى بآيات الله ثمنا قليلا، والله أعلم.وهذا الكلام هو لعبد الله، والشيخ إبراهيم ابنا الشيخ عبد اللطيف، والشيخ سليمان بن سحمان في جوابهم عن سؤال حول تكفير الجهمية.
وقال قال الشيخ محمد حامد الفقي : ( في هذه العبارة نقص أو تحريف، لا بد . فإن مؤداها خطأ واضح ينافي نصوص القرآن و السنة، و إذا لم يكفر من يعبد الصنم فمن يكفر غيره ؟ . و هذا بلا شك خلاف دعوة الإسلام و دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب المعروفة من كتاب التوحيد و كشف الشبهات و الثلاثة الأصول و غيرها من كتبه الصريحة في أنه : لا يصح إسلام أحد إلا إذا عرف ما هي الطواغيت و كفر بها و عاداها و عادى عابديها كما قرر إبراهيم -عليه السلام- في قوله لقومه : ( أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم و آباؤكم الأولون، فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ) الآيات . و هذا أوضح في القرآن و السنة و كلام أهل العلم و الدين من أن ينبه عليه .
و الداعي إلى الله و إلى إخلاص العبادة له، لا يضيره أبدا أن يرمى من أعداء الله بأنه ( يكفر الناس و يسميهم مشركين )، فإن ذلك من لازم دعوته إلى توحيد الله و الإيمان به، إذ لا يمكن الدعوة إلى الإيمان إلا ببيان الكفر و الكافرين، و الشرك و المشركين، بل إن منطوق كلمة ( لا إله إلا الله ) مستلزم ذلك....
من تعليقه على مصباح الظلام ص : 28
وإليك قوله الواضح رحمه الله :
فقال كما مجموع مؤلفاته ( 7/159-160):
: " ... كيف تشكون في هذا وقد وضحت لكم مرارا أن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام أو الذي نشأفي بادية بعيدة أو يكون في مسائل خفية مثل الصرف أو العطف فلا يكفر حتى يعرف ، وأما الأصول التي وضحها الله في كتابه فإن حجة الله هي القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة ، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وفهم الحجة فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا الحجة مع قيامها عليهم " أ.هـ.
وكلامه هنا مع المنقول عنه سلفا من مفيد المستفيد يناقض ما نقلته عنه ، وهذا يحمل على أحد وجهين:
إما أن الشيخ متناقض في كلامه وغير منضبط وهذا باطل قطعا .
وإما أن ينزل كلامه الأول على حال والثاني على حال وهو الصحيح الذي فهمه أئمة الدعوة رحمهم الله وقد سبق النقل عنهم.
أما الأخذ بالتشهي فليس صنيع أهل السنة.
وقال أيضا:
الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في كتاب "منهاج التأسيس والتقديس ص: 98-99"، حيث قال: "والشيخ محمد [محمد بن عبد الوهاب ]رحمه الله من أعظم الناس توقفاً وإحجاماً عن إطلاق الكفر،حتى أنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر تاركها، قال في بعض رسائله: "وإذا كنا لا نقاتل من يعبد قبّة الكواز، حتى نتقدم بدعوته إلى إخلاص الدين لله، فكيف نكفر من لم يهاجر إلينا وإن كان مؤمناً موحداً".
لا أدري أقرأت الكتاب ونقلت عنه أم وجدت النقل مبتورا فأخذته كما هو؟ وكلا الأمرين لا يليق بمن ينتسب للسنة ، فتتمة كلام الشيخين يوضح المقصود:
حتى أنه لم يجزم بتكفيره الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر تاركها، قال في بعض رسائله: وإذا كنا لا نقاتل من يعبد قبة الكواز حتى نتقدم بدعوته إلى إخلاص الدين لله، فكيف نكفر من لم يهاجر إلينا وإن كان مؤمناً موحداً؟ وقال: وقد سئل عن مثل هؤلاء الجهال. فقرر أن من قامت عليه الحجة وتأهل لمعرفتها يكفر بعبادة القبور. وقد سبق من كلامه ما فيه الكفاية، مع أن العلامة ابن القيم رحمه الله جزم بكفر المقلدين لشيوخهم في المسائل المكفرة إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته، وتأهلوا لذلك. فأعرضوا ولم يلتفتوا. ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل فهو عنده من جنس أهل الفترة ممن لم تبلغه دعوة رسول من الرسل. وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين، حتى عند من لم يكفر بعضهم وسيأتيك كلامه. وأما الشرك فهو يصدق عليهم، واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله؟ وقاعدته الكبرى: شهادة أن لا إله إلا الله، وبقاء الإسلام ومسماه، مع بعض ما ذكر الفقهاء في باب حكم المرتد أظهر من بقائه مع عباده الصالحين ودعائهم.
فما هو فهمك وفهم من معك لهذا الكلام الصريح في الحكم بشركهم ؟
وتعليق الشيخ التكفير بإقامة الحجة فيوضحها هذا الكلام كما في الدرر السنية(13/90):
وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه، فإن حجة الله هو القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة؛ ولكن أصل الإشكال، أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة، وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين، لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}.ا.هــ
فقيام الحجة عند الأئمة تكون ببلوغ القرآن في مسائل التوحيد والشرك.لقوله تعالى (لأنذركم به ومن بلغ)
وبما أنك أحلت على الكتاب فمن عجيب ما فيه أنه يرد عليك ، لكني أكاد أجزم أنك لم تفتحه وإلا ما غاب عنك الذي قاله فيه وهو:
وأما العراقي وإخوانه المبطلون، فشبهوا بأن الشيخ لا يكفر الجاهل، وأنه يقول: هو معذور، وأجملوا القول ولم يفصلوا، وجعلوا هذه الشبهة ترساً يدفعون به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وصاحوا على عباد الله الموحدين، كما جرى لأسلافهم من عباد القبور والمشركين، وإلى الله المصير، وهو الحاكم بعلمه وعدله بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون.
وقال: وقد سئل عن مثل هؤلاء الجهال، فقرر أن من قامت عليه الحجة وتأهل لمعرفتها يكفر بعبادة القبور".
وهذا حجة عليك لا لك ، لكنك لا تفهم مسألة العذر بالجهل فخلطت من غير تفتيش.
فهل عباد القبور الآن غير مؤهلين لمعرفتها حتى تعذرهم؟
وقال أيضاً رحمه الله في "مصباح الظلام ص: 499": "فمن بلغته دعوة الرسل إلى توحيد الله ووجوب الإسلام له، وفقه أن الرسل جاءت بهذا لم يكن له عذر في مخالفتهم وترك عبادة الله، وهذا هو الذي يجزم بتكفيره إذا عبد غير الله، وجعل معه الأنداد والآلهة، والشيخ وغيره من المسلمين لا يتوقفون في هذا، وشيخنا رحمه الله قد قرّر هذا وبينه وفاقاً لعلماء الأمة واقتداء بهم ولم يكفر إلاّ بعد قيام الحجة وظهور الدليل حتى إنه رحمه الله توقف في تكفير الجاهل من عباد القبور إذا لم يتيسر له من ينبهه، وهذا هو المراد بقول الشيخ ابن تيمية رحمه الله: حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا حصل البيان الذي يفهمه المخاطب ويعقله فقد تبين له".
وهذا الكلام هو نفسه المردود عليه سلفا، فمشكلتك أنك لا تفرق بين قيام الحجة في مسائل التوحيد وقيامها في غيرها، وقد سبق النقل عن المجدد ما يوضح ذلك.
وقال:
أحد قولي الإمام ابن باز رحمه الله: س: إن رأيت أحداً يدعو صاحب القبر ويستغيث به , فهو مصاب بالشرك فهل أدعوه على أنه مسلم , أم أدعوه على أنه مشرك , إذا أردت أن أدعوه إلى الله عز وجل , وأن أبين له ؟ ج: ادعه بعبارة أخرى , لا هذه ولا هذه , قل له : يا فلان يا عبدالله عملك هذا الذي فعلته شرك , وليس عادة .هو عمل المشركين الجاهلين , عمل قريش وأشباه قريش ؛لأن هنا مانعاً من تكفيره ؛ ولأن فيه تنفيره , أول ما تدعوه ؛ ولأن تكفير المعين غير العمل الذي هو شرك , فالعمل شرك , ولا يكون العامل مشركاً , فقد يكون المانع من تكفيره جهله أو عدم بصيرته على حد قول العلماء. وأيضاً في دعوته بالشرك تنفير , فتدعوه باسمه , ثم تبين له أن هذا العمل شرك . س : ما الراجح في تكفير المعين ؟ ج: إذا قامت عليه الأدلة والحجة الدالة على كفره , ووضح له السبيل ثم أصر فهو كافر. لكن بعض العلماء يرى أن من وقعت عنده بعض الأشياء الشركية وقد يكون ملبساً عليه وقد يكون جاهلاً , ولا يعرف الحقيقة فلا يكفره ,حتى يبين له ويرشده إلى أن هذا كفر وضلال , وأن هذا عمل المشركين الأولين , وإذا أصر بعد البيان يحكم عليه بكفر معين . اهـ من كتاب الفوائد العلمية من الدروس البازية ( 2/273 -274 )ط الرسالة عام 1430هـ.
ما دمت تقر أن هذا أحد قولي الشيخ فأيهما أرجح ؟ أم هما عندك سواء والشيخ متناقض في حكمه؟ مالكم كيف تحكمون؟
فالشيخ قوله في عدم عذرهم مشهور مزبور في كتبه وفتاويه ونسب القول الثاني له كذب عليه رحمه الله ، وكلامه هنا _ على فهمك _ محتمل وجب رده للمحكمات الواضحات من كلامه.
ففتواه الأولى مقصده الأول منها بيان طريقة الدعوة لا تأصيل المسألة بحد ذاتها ، فالسائل سأل عن أمر أجابه الشيخ عنه بدقة دفعا لتنفير الناس عن التوحيد بمثل ذلك،وأما اعتذاره له بأه قد يكون جاهلا فكلام الشيخ في هذا الأمر ظاهر في باقي فتاويه :
ومنها هذه في مجموع فتاويه(4/22):
..وهكذا لو قال : إن الخمر أو الميسر حلال , كفر ولو صلى وصام , ولو قال : لا إله إلا الله فإنه يصير مشركا كافرا عند جميع المسلمين ؛ لأنه مكذب لله في قوله سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (2) لكن إن كان من قال ذلك مثله يجهل الحكم لكونه نشأ في بلاد بعيدة عن المسلمين , بين له حكم ذلك بالأدلة الشرعية , فإذا أصر على حل الزنى أو الخمر ونحوهما من المحرمات المجمع عليها , كفر إجماعا .
فهذا هو مراد الشيخ بالجاهل وليس بإطلاق كما تصوره بفهمك السقيم لكلامه رحمه الله.
والفتوى الثانية قصر الشيخ العذر ببعض الأمور الشركية ولم يطلق فلا يستقيم لك الاستدلال.
لأن سؤال السائل كان عن تكفير المعين بإطلاق لا في حالة التلبس بالشرك الأكبر ، وفرق بين الأمرين عند أهل السنة.
وقال أيضا:
الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : وأما العذر بالجهل : فهذا مقتضى عموم النصوص ، ولا يستطيع أحد أن يأتي بدليل يدل على أن الإنسان لا يعذر بالجهل ، قال الله تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) الإسراء/ 15 ، وقال تعالى : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) النساء/ 165 ، ولولا العذر بالجهل : لم يكن للرسل فائدة ، ولكان الناس يلزمون بمقتضى الفطرة ولا حاجة لإرسال الرسل ، فالعذر بالجهل هو مقتضى أدلة الكتاب والسنة ، وقد نص على ذلك أئمة أهل العلم : كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، لكن قد يكون الإنسان مفرطاً في طلب العلم فيأثم من هذه الناحية أي : أنه قد يتيسر له أن يتعلم ؛ لكن لا يهتم ، أو يقال له : هذا حرام ؛ ولكن لا يهتم ، فهنا يكون مقصراً من هذه الناحية ، ويأثم بذلك ، أما رجل عاش بين أناس يفعلون المعصية ولا يرون إلا أنها مباحة ثم نقول : هذا يأثم ، وهو لم تبلغه الرسالة : هذا بعيد ، ونحن في الحقيقة - يا إخواني- لسنا نحكم بمقتضى عواطفنا ، إنما نحكم بما تقتضيه الشريعة ، والرب عز وجل يقول : ( إن رحمتي سبقت غضبي ) فكيف نؤاخذ إنساناً بجهله وهو لم يطرأ على باله أن هذا حرام ؟ بل إن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال : " نحن لا نكفر الذين وضعوا صنماً على قبر عبد القادر الجيلاني وعلى قبر البدوي لجهلهم وعدم تنبيههم " ." لقاءات الباب المفتوح " ( 33 / السؤال رقم 12 ) .
وقال أيضا رحمه الله: "فالأصل فيمن ينتسب للإسلام : بقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي .... .فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين : الأمر الأول : دلالة الكتاب والسنة على أن هذا مكفر لئلا يفتري على الله الكذب . الأمر الثاني : انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه ، وتنتفي الموانع . ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ) ، فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له..." " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 2 / جواب السؤال224 )
وحتى لا أطيل الكلام هاك فتوى الشيخ فيها بيان لذلك وبين لنا هل الشيخ متناقض أم ماذا:
ففي اللقاء المفتوح برقم 53 سئل الشيخ:
في كثير من البلاد الإسلامية هناك أضرحة يطاف حولها وتعبد من دون الله، وفي بعض القرى هناك أضرحة رئيسية يطاف حولها يومياً، وفي بعض القرى هناك نحو تسعة وتسعين ضريحاً، وهذه يحج إليها ويطاف بها، وذكر أحد إخواني أنه طاف بها منذ صلاة الفجر إلى صلاة الظهر حتى أكمل الطواف، وفي هذه القرى مساجد تقام فيها الصلوات، ومع ذلك بلغتهم دعوة التوحيد، فما حكم هذه الصلوات؟ وما حكم هذه العبادات؟
الجواب
من طاف بالأضرحة -يعني: القبور- يدعو صاحب القبر، ويستغيث به، ويستنجد به، فهو مشرك شركاً أكبر، وقد قال الله تعالى: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } [المائدة:72] وإذا صلى هؤلاء في المساجد وهم مصرون على هذا الشرك -أعني: دعاء أصحاب الأضرحة والاستغاثة بهم- فإن صلاتهم لا تقبل منهم ولا تنفعهم عند الله، لقول الله تعالى: { وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ } [التوبة:54].
لكن الواجب على أهل العلم في تلك البلاد أن يكثفوا الدعوة، والذهاب إلى هؤلاء لبيان الحق لهم، وألا ييئسوا من روح الله، وإذا كان لا يمكن أن ندعوهم جهاراً على سبيل العموم؛ لأن من الناس من يقول: لو ذهبت إلى هؤلاء العامة وأدعوهم وأقول لهم: إن عملكم هذا شرك ربما يقتلونني، فإنه من الممكن أن يختار من زعمائهم من يختار، ويدعوه إلى بيته أو يزوره هو في بيته، ويتكلم معه بهدوء، ويبين له محاسن الإخلاص، ويبين له -أيضاً- أن هؤلاء الموتى لا يستجيبون له، كما قال الله تعالى: { إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر:14] وقال تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [الأحقاف:5-6] فليكثف الدعوة معهم؛ لأن هؤلاء الذين يترددون إلى الأضرحة ويدعونهم يعتبرون في حكم أهل الجاهلية، فلا بد من دعوتهم وتكثيف الدعوة معهم، ولعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يهديهم على أيدي إخواننا المصلحين.
فها هو يجعلهم في حكم أهل الجاهلية فلم لم يعذرهم بالجهل ويقيد الحكم
وفي فتاوى نور على الدرب :
من السودان السائل فرح يقول في هذا السؤال: ما حكم من يطوف بالقبة أو الضريح وهو جاهل الحكم, هل يكون مشركاً شركاً أكبر يخلد في النار؟ وماذا يجب عليه؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: الطواف بالقبور والأبنية المبنية عليها ينقسم إلى قسمين: القسم الأول أن يطوف لا لعبادة صاحب القبر ولا لدعائه والاستغاثة به، ولكن عادة اعتادها فصار يفعلها، أو كان يظن أن هذا مما يقرب إلى الله عز وجل، فهذا ليس بمشرك ولكنه مبتدع، ويمكن أن نسمي بدعته هذه شركاً أصغر؛ لأنه وسيلة إلى الشرك الأكبر. أما إن كان يطوف بالقبر أو بالبناية عليه تعبداً وتقرباً وتعظيماً لصاحب القبر، أو كان يطوف به ذلك ويدعو صاحب القبر ويستغيث به فإن هذا مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، يستحق عليه قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) .
فهل عذرهم الشيخ هنا أم حكم بكفرهم وأنهم في النار؟
فهل الشيخ حدادي ؟ وهل أئمة الدعوة حدادية؟ خاب وخسر من قال هذا القول وألقم الحجر .
أما ما نقلته عن المشايخ الباقين فليست الحجة في قول العالم ألبتة وانظر ما سبق نقله عن المجدد محمد بن عبد الوهاب تفهم تأصيل العقائد عندهم.
ولو أردت النقل عن السلف بحق جئناك به من متقدمي شيخ الإسلام رحمه الله بقرون .
والله الهادي سواء السبيل.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه.أما بعد :
0 التعليقات:
إرسال تعليق