Pages

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

تكفير من لم يكفر الكافر _ من كلام الأخ إبراهيم الشمري وفقه الله



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبيه وعبده وعلى آله وصحبه أما بعد:

فهذا بحث مستل من راسلة أخينا الشمري التبيان في كفر عبدة الأوثان  وفيها توضيح لهذه المسألة 
وهذا كلام الأخ وفقه الله:
المسألةُ الثالثةُ : وأمّا حكمُ مَنْ توقفَ في تكفيرِ المشركِ :
فقدْ قالَ تَعَالى :{ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا }
ومعنى الآيةِ أنّ "مَنْ يجحدُ بـكلِ ما عبدَ مِنْ دونِ اللّهِ تَعَالى فيكفرُ بهِ وبعابديهِ ويؤمنُ باللهِ أنّهُ إلههُ وربهُ ومعبودهُ فقدْ تمسّكَ بأوثقِ ما يتمسكُ بهِ مَنْ طلبَ الخلاصَ لنفسهِ مِنْ عذابِ اللهِ وعقابهِ "
فقدْ " جعلَ تَعَالى ذكرهُ الإيمانَ الذي تمسكَ بهِ الكافرُ بالطاغوتِ المؤمنُ باللهِ، مِنْ أوثقِ عُرى الأشياءِ بقولهِ {الوُثْقَى}  "
وهكذا جاءتِ الآثارُ عَنِ السلفِ الصالحِ رحمهمْ اللهُ تَعَالى
أخرجَ سَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن الْخطاب -رضيَ اللهُ عنهُ- قَالَ :
[ {الطاغوتُ} الشَّيْطَانُ ]
قالَ ابنُ أبي حاتمٍ : وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَالسُّدِّيِّ، نَحْوُ ذَلِكَ . ا.هــ

وتفسيرُ " الطاغوتِ بالشيطانِ قويٌ جدًّا فإنّه يشملُ كلَ شرٍ كانَ عليهِ أهلُ الجاهليةِ، مِنْ عبادةِ الأوثانِ والتحاكمِ إليها والاستنصارِ بها "

وَأخرجَ ابْنُ أبي حَاتِمٍ بسندٍ صحيحٍ عَن مَالك بن أنس قَالَ : [ الطاغوتُ مَا يعبدُ مِن دونِ اللهِ ]

وأخرجَ ابنُ أبي حاتمٍ بسندٍ لا بأسَ بهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، في قَوْلَهُ{وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} قالَ :
[ يَعْنِي : يُصَدِّقُونَ بِتَوحِيدِ اللَّهِ ]

وَأخرجَ ابْنُ جريرٍ وَابْنُ أبي حَاتِمٍ بسندٍ رجالهُ ثقاتٌ عَن ابْن عَبَّاس –رضيَ اللهُ عنهما-
{ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } قَالَ : [ لَا إِلَه إِلَّا الله ]
وقالَ ابنُ أبي حاتمٍ : وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلُهُ. ا.هــ

وَأخرجَ سُفْيَان وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم بسندٍ صحيحٍ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} قَالَ : [ كلمةُ الإِخلاصِ ]

وأخرجَ الطبريّ بسندهِ عَنْ جعفر عن سعيد بن جبير {بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} قالَ: [ لا إلهَ إلا اللهُ ]

وَأخرجَ ابْن أبي حَاتِم عَن معَاذ بن جبل –رضيَ اللهُ عنهُ-أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {لَا انفصام لَهَا} قَالَ :
[ لَا انْقِطَاع لَهَا دون دُخُول الْجنَّة ]

والكفرُ بالطاغوتِ لا يتمُ لامرئٍ حتى " يعتقدَ بطلانَ عبادةِ غيرِ اللهِ، ويتركها، ويبغضها
ويكفّرَ أهلها ويعاديهمْ "[1]  
فـ" الإيمانُ باللهِ : أنْ تعتقدَ أنّ اللهَ هوَ الإلهُ المعبودُ وحدهُ دونَ مَنْ سواهُ ،وتخلصَ جميعَ أنواعِ العبادةِ كلها للهِ ، وتنفيها عَنْ كلِ معبودٍ سواهُ ، وتحبَ أهلَ الإخلاصِ وتواليهمْ ، وتبغضَ أهلَ الشركِ وتعاديهمْ .
وهذهِ ملةُ إبراهيمَ التي سَفِهَ نفسهُ مَنْ رغبَ عنها ، وهذهِ هيَ الأسوةُ التي أخبرَ اللهُ بها في قولهِ :
{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ
إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ } " [2]

و" قالَ تَعَالى : {
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى } 
ففي هذهِ الآياتِ مِنَ الحججِ عَلَى وجوبِ اجتنابهِ - أيْ الطاغوتِ - وجوهٌ كثيرةٌ  .
والمرادُ مِن اجتنابهِ هوَ : بغضهُ وعداوتهُ بالقلبِ وسبّهِ وتقبيحهِ باللسانِ وإزالتهِ عندَ القدرةِ ، ومفارقتهِ " [3] "والتحريضِ عَلَى التوحيدِ والموالاة فيهِ وتكفيرُ مَنْ تركهُ " [4]
" فمنِ ادّعى اجتنابَ الطاغوتِ ولمْ يفعلْ ذلكَ فما صدقَ " [5].
" وقالَ تَعَالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}
فأخبرَ أنّ جميعَ المرسلينَ قدْ بُعثوا باجتنابِ الطاغوتِ، فمنْ لمْ يجتنبهُ فهوَ مخالفٌ لجميعِ المرسلينَ "

وقالَ الشيخُ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في آخر أرجوزة له سماها " الأرجوزة المفيدة في مسائل العقيدة "  قال في بيان معنى "الْطَّاغُوْتِ
وَالْكُفْرُ بِالطَّاغُوتِ فَرْضٌ لَازِمُ
.....
فِي الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى فَأَيْنَ الْعَالِمُ
فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالنَّحْلِ الَّذِي
.....
يَكْفِي وَيَشْفِي فَاشْرَبِ الصَّافِي الْعَذِي
فَكُلُّ مَا قَدْ جَاوَزَ الْمَشْرُوعَا
.....
فَإِنَّهُ الطَّاغُوتُ قُلْ مَمْنُوعَا
عِبَادَةً أَوْ طَاعَةً أَوْ حُبَّاً
.....
سَمَّي الْمُطَاعَ فِي الضَّلَالِ رَبَّاً
هَذَا عَدِيٌّ قَالَ لَسْنَا نَعْبُدُ
.....
قَالَ النَّبِيُّ لَيْسَ هَذَا الْمَقْصِدُ
يَتْلُو عَلَيْهِ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ
.....
أَرْبَابَهُمْ مُبْيِّناً أَخْبَارَهُمْ
هِي طَاعَةُ الْأَحْبَارِ فِي التَّحْلِيلِ
.....
كَذَاكَ فِي التَّحْرِيمِ بِالتَّضْلِيلِ
وَالْحُكْمُ بِالْقَانُونِ أَمْرٌ مُنْكَرُ
.....
لَا حَبَّذَا مَأمُورُهُمْ وَالْآمِرُ
مَا عَلِمَ الْمِسْكِينُ حِينَ يُدْهِنُ
.....
"لَا تَجِدُ" "لَا تَقْعُدُواْ" "لَا تَرْكَنُواْ"
يَقُولُ "دِينِي لِي و"قُلْ يَا أَيُّهَا"
.....
تَكْفِي وَلَكِنْ قَدْ دَهَاهُمْ جَهْلُهَا
قَدْ أُنْزِلَتْ لِلْفَرْقِ وَالْمُصَارَمَةِ
.....
فَاتُّخِذَتْ لِلْجَمْعِ وَالْمُسَالَمَةِ

فــ" مَنْ لمْ يُكفر المشركينَ أو شكّ في كفرهمْ أو صححَ مذهبهمْ كفرَ" وهذا بإجماعِ أهلِ العلمِ
وممّا يدلُ عَلَى ذلكَ " ما وقعَ في زمنِ الصحابةِ وهيَ قصةُ المختارِ بن أبي عبيد الثقفي
وهوَ رجلٌ مَنْ التابعينَ مصاهرٌ لعبدِ الله بن عمر رضيَ اللهُ عنهُ وعَنْ أبيهِ
مظهرٌ للصلاحِ ، فظهرَ في العراقِ يطلبُ بدمِ الحسينِ وأهلِ بيتهِ
فقتلَ ابنَ زيادٍ ومالَ إليهِ مَنْ مالَ لطلبهِ دمَ أهلِ البيتِ ممنْ ظلمهمْ ابنُ زيادٍ فاستولوا عَلَى العراقِ وأظهرَ شرائعَ الإسلامِ ونصبَ القضاةَ والأئمّةَ مِنْ أصحابِ ابنِ مسعودٍ
وكانَ هوَ الذي يُصلي بالنّاسِ الجمعة والجماعة
لكنْ في آخرِ أمرهِ زعمَ أنّه يُوحى إليهِ
فسيّرَ إليهِ عبد الله بن الزبير جيشاً فهزموا جيشهُ وقتلوهُ
وأميرُ الجيشِ مصعب بن الزبير وتحتهُ امرأة أبوها أحدُ الصحابةِ
فدعاها مصعبٌ إلى تكفيرهِ فأبتْ
فكتبَ إلى أخيهِ عبد الله يستفتيهِ فيها فكتبَ إليهِ إنْ لمْ تبرأ فاقتلها .
فامتنعتْ فقتلها مصعبٌ وأجمعَ العلماءُ كلهمْ عَلَى كفرِ المختارِ
معَ إقامتهِ شعائرَ الإسلامِ – لما جنى عَلَى النبوةِ
وإذا كانَ الصحابةُ قتلوا المرأةَ التي هيَ مِنْ بناتِ الصحابةِ لما امتنعتْ عَنْ تكفيرهِ
فكيفَ بمنْ لمْ يُكفروا البدو معَ إقرارهمْ بحالهمْ ؟
فكيفَ بمنْ زعمَ أنهمْ هُمْ أهلُ الإسلامِ ومَنْ دعاهمْ إلى الإسلامْ هوَ الكافرُ ؟!
يا ربنا نسألكُ العفوَ والعافيةَ "

وقدْ نقلَ غيرُ واحدٍ مِنْ أهلِ العلمِ –وغيرهمْ- تكفيرَ مَنْ شكّ في كفرِ الكفارِ كالجهميةِ
كما قالَ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم –رحمهما اللهُ تَعَالى-، :
سألتُ أبي وأبا زرعة عَنْ مذاهبِ أهلِ السنّةِ في أصولِ الدينِ، وما أدركا عليهِ العلماءَ في جميعِ الأمصارِ، وما يعتقدانِ مِنْ ذلكَ، فقالا : [ أدركنا العلماءَ في جميعِ الأمصارِ حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً فكانَ مِنْ مذهبهمْ ... مَنْ زعمَ أنّ القرآنَ مخلوقٌ فهوَ كافرٌ باللهِ العظيمِ كفراً ينقلُ عَنِ الملةِ. ومَنْ شكّ في كفرهِ ممنْ يفهمُ فهوَ كافرٌ .. ] ا. هـ المراد

وقالَ حَرْبٌ الكِرْمَانيّ -رحمهُ اللهُ- في السنّة : هذا مذهبُ أئمّةِ العلمِ .. فمنْ خالفَ شيئًا مِنْ هذهِ المذاهبِ .. فهوَ مبتدعٌ خارجٌ مِنَ الجماعةِ .. فكانَ مِنْ قولهمْ ..
والقرآنُ كلامُ اللهِ تكلمَ بهِ ليسَ بمخلوقٍ، فمنْ زعمَ أنّ القرآنَ مخلوقٌ فهَو جهميٌ كافرٌ ، ومَنْ زعمَ أنّ القرآنَ كلامُ اللهِ ووقفَ ولمْ يقلْ ليسَ بمخلوقٍ فهوَ أكفرُ مِنْ الأولِ وأخبثُ قولًا، ومَنْ زعمَ إنّ ألفاظنا بالقرآنِ وتلاوتنا لهُ مخلوقةٌ والقرآنُ كلامُ اللهِ فهوَ جهميٌ خبيثٌ مبتدعٌ .
ومَنْ لمْ يكفرها ولا القومَ ولا الجهميةَ كلهمْ فهوَ مثلهمْ  . ا. هـ المراد

وقالَ اللالكائيّ –رحمهُ اللهُ- في السنّةِ ناقلاً إجماعَ أهلِ العلمِ :
قالوا كلهمْ : القرآنُ كلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ ، ومَنْ قالَ مخلوقٌ فهوَ كافرٌ .
فهؤلاءِ خمسُ مائةٍ وخمسونَ نفساً أوْ أكثرَ مِنَ التابعينَ وأتباعِ التابعينَ والأئمّةِ المرضيينَ سوى الصحابةِ الخيرينَ عَلَى اختلافِ الأعصارِ ومُضِيّ السنينِ والأعوامِ .
وفيهمْ نحوٌ مِنْ مائةِ إمامٍ ممنْ أخذَ النّاسُ بقولهمْ وتدينوا بمذاهبهمْ ، ولو اشتغلتُ بنقلِ قولِ المحدثينَ لبلغتْ أسماؤهمْ ألوفاً كثيرةً ، لكني اختصرتُ وحذفتُ الأسانيدَ للاختصارِ ، ونقلتُ عَنْ هؤلاءِ عصراً بعدَ عصرٍ لا ينكرُ عليهمْ مُنْكِرٌ ، ومَنْ أنكرَ قولهمْ استتابوهُ أو أمروا بقتلهِ أو نفيهِ أو صلبهِ . ا.هــ

وقالَ ابنُ بطة -رحمهُ اللهُ- في الإبانةِ الصُغرى : ونحنُ الآنَ ذاكرونَ شرحَ السنّةِ ووصفها ...
مما أجمعَ عَلَى شرحنا لهُ أهلُ الإسلامِ وسائرُ الأمّةِ منذُ بعثَ اللهُ نبيهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى وقتنا هذا .. (وذكر أموراً حتى قالَ عَنِ القرآنِ) ..
مَنْ قالَ مخلوقٌ أو قالَ كلامُ اللهِ ووقفَ أو شكّ أو قالَ بلسانهِ وأضمرهُ في نفسهِ فهوَ كافرٌ باللهِ حلالُ الدمِ برئٌ مِنَ اللهِ واللهُ منهُ بريءٌ
ومَنْ شكّ في كفرهِ ووقفَ عَنْ تكفيرهِ فهوَ كافرٌ  .. ا. هـ المراد

وقالَ ابنُ الحنبلي –رحمهُ اللهُ- في رسالتهِ الواضحة : والجهميةُ -لعنهمْ اللهُ- أصنافٌ مختلفةٌ
فمنهمْ مَنْ يقولُ القرانُ ليسَ هوَ كلامُ اللهِ ولا هوَ مخلوقٌ
ومنهمْ مَنْ يقولُ .. وطائفةٌ منهمْ تقولُ إنّهُ حكايةٌ عَنْ ذلكَ القرآنِ
ومنهمْ مَنْ يقولُ ألفاظنا بالقرآنِ مخلوقةٌ
ومنهمْ مَنْ يقولُ القرآنُ بألفاظنا مخلوقٌ
ومنهمْ ... ومنهمْ مَنْ يقولُ لا يكفرُ هؤلاءِ بلْ يسكتُ عنهمْ فهؤلاءِ الأصنافِ كلها همُ الجهميةُ وهمْ كفارٌ زنادقةٌ حلالُ القتلِ
ومَنْ لمْ يكفرْ هؤلاءِ الأصنافِ كلها فهوَ كافرٌ زنديقٌ حلالُ القتلِ . اهـ


وأخرجَ ابنُ بطة في الإبانةِ بسندهِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، قالَ :
[ مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ ]

وقالَ أحمد بن حنبل في رسالتهِ إلى مسدّدٍ : كلامُ اللَّهِ غيرُ مخلوقٍ فمنْ قَالَ: مخلوقٌ فهوَ كافرٌ باللهِ العظيمِ ومَنْ لمْ يكفرهُ فهوَ كافرٌ . ا.هــ
وهذهِ الرسالةُ مشهورةٌ عَنْ أحمد رحمهُ اللهُ تَعَالى
قال ابنُ تيمية : و أمّا رسالةُ أحمد بن حنبل إلى مسدّد بن مسرهد ، فهيَ مشهورةٌ عندَ أهلِ الحديثِ و السنَّة مِْن أصحَابِ أحمد و غيرهمْ ، تلقَّوها بالقبولِ ، و قدْ ذكرها أبو عبد الله ابن بطة في كتابِ " الإبانة " و اعتمدَ عليها غيرُ واحدٍ كالقاضي أبي يعلى و كتبها بخطِّهِ . ا.هــ

وقالَ سفيان بن عيينة –رحمهُ اللهُ تَعَالى- :
[ القرآنُ كلامُ اللهِ عزّ وجلّ مَنْ قالَ مخلوقٌ فهوَ كافرٌ ، ومَنْ شكّ في كفرهِ فهوَ كافرٌ ]

وقالَ أبو بكر بن عياش لمّا سُئِلَ كما في السنّةِ للالكائيّ عمّنْ يقولُ القرآنُ مخلوقٌ ؟
فقالَ : [ كافرٌ ومَنْ لمْ يقلْ إنّهُ كافرٌ فهوَ كافرٌ ]  

وهذا الكلامُ قدْ قالهُ الأئمّةُ فيمنْ توقفَ في تكفيرِ مَنْ يقولُ بخلقِ القرآنِ
وكفرُ المشركِ العابدِ للطاغوتِ أظهرُ وأوضحُ
وَ هوَ في حكمِ مَنْ يقولُ بخلقِ القرآنِ ، كما قال هارون بن معروف :
[ مَنْ قالَ القرآنُ مخلوقٌ فهوَ يعبدُ صنماً ]
وقالَ أبوعبيد القاسم بن سلام –رحمهُ اللهُ تَعَالى- [ مَنْ قالَ القرآنُ مخلوقٌ فهوَ شرٌ ممنْ قالَ : إنّ اللهَ ثالثُ ثلاثةٍ  جلّ وتَعَالى ؛ لأنّ أولئكَ يثبتونَ شيئاً ، وهؤلاءِ لا يثبتونَ المعنى ]

وقالَ المُلطي –رحمهُ اللهُ تَعَالى- كما في التنبيهِ والردِ :
وجميعُ أهلِ القبلةِ لا اختلافَ بينهمْ أنّ مَنْ شكّ في كافرٍ فهوَ كافرٌ .. ا.هــ
وقالَ ابنُ تيمية في الرسالةِ السَنِيّة : مَنْ دعا عليّ بن أبي طالبٍ فقدْ كفرَ
ومَنْ شكّ في كفرهِ فقدْ كفرَ .  ا.هـ

وقالَ سليمانُ بنُ عبد الله: وأمّا قولُ السائلِ : فإنْ كانَ ما يقدرُ مِنْ نفسهِ ، أنْ يتلفظَ بِكفرهمْ وسبهمْ ـ أيْ في أهلِ بلدٍ مُرتدينَ ، وهكذا كانَ نصُ السؤالِ ـ ما حكمهُ ؟ 
فالجوابُ : لا يخلو ذلكَ عَنْ أنْ يكونَ شاكاً في كفرهمْ أو جاهلاً بهِ ، أو يُقرّ بأنهمْ كفرةٌ همْ وأشباههمْ ، ولكنْ لا يقدرُ عَلَى مواجهتهمْ وتكفـيرهمْ ، أو يقولُ :
غيرهمْ كفارٌ ، لا أقولُ إنهمْ كفارٌ ، فإنْ كانَ شاكاً في كفرهمْ أو جاهلاً بكفرهمْ ، بُيّنت لهُ الأدلةُ مِنْ كتابِ اللهِ ، وسنّة رسولهِ عَلَى كُفرهمْ ، فإنْ شكّ بعدَ ذلكَ أو تردّد ، فإنهُ كافرٌ بإجماعِ العلماءِ ، عَلَى أنّ مَنْ شكّ في كفرِ الكافرِ ، فهوَ كافرٌ   
وإنْ كانْ يُقرّ بكفرهمْ ، ولا يقدرُ عَلَى مواجهتهمْ بتكفيرهمْ ، فهوَ مداهنٌ لهمْ
ويدخلُ في قولهِ تَعَالى : {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} ولهُ حكمُ أمثالهِ مِنْ أهلِ الذنوبِ .ا.هـ

وقالَ عبد الرحمن بن حسن : ولوْ عرفَ معنى لا إلهَ إلاَّ اللهُ ، لعرفَ أنّ مَنْ شكّ ، أو تردّد في كفرِ مَنْ أشركَ معَ اللهِ غيرهُ ، أنّهُ لمْ يكفُر بالطاغوتِ .ا.هـ

وقالَ عبد الله و إبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف والشيخ سليمان بن سحمان في الإجابةِ عَلَى سؤالٍ وردَ عليهمْ كما في  الدررِ السنية [10 - 436] قالوا :
 لا تصحُ إمامةُ مَنْ لا يُكفِّر الجهميةِ والقبوريينَ ، أو يشكَ في تكفيرهمْ ، وهذهِ المسألةِ مِنْ أوضحِ الواضحاتِ ، عندَ طلبةِ العلمِ ...
ومعَ ذلكَ فأهلُ العلمِ متفقونَ عَلَى تكفيرهِ ـ يعنونَ بِشر المريسيّ ـ وكذلكَ القبوريونَ لا يشكُ في كفرهمْ ، مَنْ شمَّ رائحةَ الإيمانِ  .ا.هــ

وهكذا " أجمعَ علماءُ الإسلامِ أنّ مَنْ لمْ يكفرْ المشركينَ أو شكّ في كفرهمْ أو صحّحَ مذهبهمْ أو اعتقدَ أنّ نظامهمْ أهدى وأفضلَ مِنْ هدى اللهِ ورسولهِ أو أبغضَ شيئاً ممّا جاءَ بهِ الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ولو عملَ بهِ فهوَ كافرٌ لعدمِ استسلامهِ وانقيادهِ انقياداً كاملاً للهِ عزّ وجلّ  " [6]

هذا مِنْ حيثُ العمومِ ، وأمّا حينَ الكلامِ في المعينِ فلا بدّ مِنْ إقامةِ الحجّةِ و إزالةِ الشبهةِ -إنْ كانَ المعينُ لا يحسنُ الفهمَ- قبلَ تكفيرهِ وعَلَى هذا أجمعَ العلماءُ كما مرّ في عقيدةِ الرازيينِ التي نقلاها عمنْ أدركا مِنَ العلماءِ :[ ومَنْ شكّ في كفرهِ ممّنْ يفهمُ فهوَ كافرٌ ]

وكما سبقَ في كلامِ سليمان : فإنْ كانَ شاكاً في كفرهمْ أو جاهلاً بكفرهمْ
بُيّنت لهُ الأدلةُ مِنْ كتابِ اللهِ وسنّة رسولهِ عَلَى كُفرهمْ  فإنْ شكّ بعدَ ذلكَ أو تردّد
فإنّهُ كافرٌ بإجماعِ العلماءِ . اهـ

وقدْ قالَ البخاريّ –رحمهُ اللهُ- : [ نَظَرْتُ فِي كَلَامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ فَمَا رَأَيْتُ أَضَلَّ فِي كُفْرِهِمْ مِنْهُمْ، وَإِنِّي لَأَسْتَجْهِلُ مَنْ لَا يُكَفِّرُهُمْ إِلَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ كُفْرَهُمْ ]

وقالَ عبد اللطيف بن عبد الرحمن –رحمهُ اللهُ- : اعلمْ أنّ هذهِ الأفعالَ هيَ مِنْ دينِ الجاهليةِ التي بُعِثَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بإنكارها وإزالتها، ومحوِِ آثارها، لأنها مِنَ الشركِ الأكبرِ، الذي دلتْ الآياتُ المحكماتُ عَلَى تحريمهِ؛ وهذهِ الأعيادُ تشبهُ أعيادَ الجاهليةِ
فمنْ اعتقدَ جوازهُ وحلهُ، وأنّهُ عبادةٌ ودينٌ، فهوَ مِنْ أكفرِ خلقِ اللهِ وأضلهمْ، ومَنْ شكّ في كفرهمْ بعدَ قيامِ الحجةِ عليهمْ فهوَ كافرٌ . ا.هــ


ولا يدخلُ في هذا البحثِ المسائلُ التي تنازعَ أهلُ العلمِ في تكفيرِ أصحابها –نزاعاً يعذرُ فيهِ- كتاركِ الحجِ مثلاً ! نعمْ قدْ قالَ عمر –رضيَ اللهُ عنهُ- :
[ مَنْ مَاتَ وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يَحُجَّ، فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ، يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا ]
و قالَ الحكمُ بن عُتَيْبَةَ –رحمهُ اللهُ- :
[ مَنْ تركَ الحجَ مُتعمداً فقدْ كفرَ، ومَنْ تركَ صومَ رمضان مُتعمداً فقدْ كفرَ ] .

وقالَ سعيدُ بن جبير –رحمهُ اللهُ- : [ مَنْ تركَ الحجَ مُتعمداً فقد كفرَ ]

وقالَ بهذا أحمد –رحمهُ اللهُ- في روايةٍ ، لكنّ هذهِ المسألةَ أدلةُ الجمهورِ فيها وجيهةٌ
والنزاعُ فيها اجتهاديٌ ولذلكَ لمْ يقلْ أحدٌ في الإسلامِ البتة أنّ مَنْ لمْ يكفرْ تاركَ الحجِ فهوَ كافرٌ
بخلافِ الجهميةِ ومَنْ عَلَى شاكلتهمْ

وكذلكَ مَنْ كانَ في تكفيرهِ نوعُ تأويلٍ سائغٍ ، كما قالَ طاووسٌ –رحمهُ اللهُ- :
[ عجباً لإخواننا مِنْ أهلِ العراقِ يسمونَ الحجاجَ مؤمناً ]

وتكفيرُ الحجّاجِ هوَ قولُ غيرُ واحدٍ مِنْ السلفِ رحمهمْ اللهُ
كما قالَ الشعبيّ –رحمهُ اللهُ- : [ أشهدُ أنّهُ مؤمنٌ بالطاغوتِ كافرٌ باللهِ ]
قالَ العسقلانيّ في التهذيبِ : وكفرهُ جماعةٌ منهمْ سعيد بن جبير والنخعي ومجاهد وعاصم بن أبي النجود والشعبي وغيرهم.  ا.هــ

ومعَ ذلكَ فها هوَ طاووسٌ يسمي مَنِ امتنعَ عَنْ تكفيرهِ مِنْ أهلِ السنّة بــ [ إخواننا ]
وذلكَ لما تقدمَ الإشارةُ إليهِ
والتأويلُ قدْ يدخلُ عَلَى نفسِ القولِ المكفرِ
فـيكونُ النزاعُ الاجتهاديّ حاصلاً بينَ أهلِ السنّةِ في كونِ الفعلِ مكفراً أو لا
كمسألةِ تاركِ الحجِ
أو قدْ يكونُ التأويلُ الاجتهاديّ حاصلاً مِنْ جهةِ إنزالِ ذاكَ الحكمِ عَلَى المعينِ
لذا صارَ لا بدّ مِنٍْ بيانِ هذا الأمرِ للمتوقفِ
كما قالَ أحمد فيما هوَ دون التكفيرِ -وأعني بهِ التبديعَ- :
قالَ أبو داود السجستاني : قلتُ لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً مِنْ أهلِ السنّةِ معَ رجلٍ مِنْ أهلِ البدعةِ أتركُ كلامهُ قالَ: لا أوْ تعلِّمهُ أنّ الرجلَ الذي رأيتهُ معهُ صاحبُ بدعةٍ
فإنْ تركَ كلامهُ فكلمهُ، وإلا فألحقهُ بهِ، قالَ ابنُ مسعودٍ: [ المرءُ بخدنهِ ] .[7]

وقالَ البَرْبَهَارِيّ –رحمهُ اللهُ- فيما نقلَ عليهِ إجماعَ أهلِ القرونِ الأربعةِ في شرحِ السنّةِ :
إذا رأيتَ الرجلَ يجلسُ معَ أهلِ الأهواءِ فاحذرهُ واعرفهُ، فإنْ جلسَ معهُ بعدَ ما علمَ فاتقهِ فإنّهُ صاحبُ هوىً  ا.هــ

وهنا شبهةٌ يوردها بعضُ المرجئةِ لصدّ النّاسِ عَنِ اعتقادِ أهلِ السنّةِ
وهيَ إلزامهمْ بالقولِ بالتسلسلِ في التكفيرِ فيقولونَ يلزمكمْ إذاً أنْ تكفروا العوامَ
لأنّ مَنْ لمْ يكفرْ الكافرَ فهوَ كافرٌ ومَنْ لمْ يكفر الذي لمْ يكفر الكافرَ فهوَ كافرٌ مثلهُ
إلى ما لا نهايةَ لهُ  !! والعوامُ لمْ يصرحوا بتكفيرِ عبّادِ القبورِ والجهميةِ فيلزمكمْ تكفيرهمْ !

والردُ عَلَى هذا الكلامِ مِنْ ثلاثةِ وجوهٍ :
الوجهُ الأولُ : أنّ الاحتجاجَ بسكوتِ العامةِ علامةُ إفلاسٍ واضحةٍ
فإنّ الحجةَ إنما هيَ في النصوصِ والآثارِ لا غيرَ ،فسكتوا أو تكلموا لنْ يبطلَ إجماعُ أهلِ السنّةِ عَلَى تكفيرِ مَنْ شكّ في كفرِ الكافرِ ، كما قالَ ابنُ سحمانٍ في تميّيزِ الصدقِ مِنَ الميْن : وأمّا ما ذكرهُ مِنْ سكوتِ العوامِ مِنَ المسلمينَ فمنَ العجبِ العُجابِ وكيفَ يقولُ هذا طالبُ علمٍ وهلْ يكونُ كلامُ العامةِ ممّا يصلحُ أنْ يحتجّ بهِ في مسائلِ العلمِ فكيفَ بسكوتهمْ أو تقريرهمْ ! . ا.هـــ

الوجهُ الثاني : قدْ قدمتُ أنّ حكمَ المتوقفينَ في تكفيرِ المشركينَ قبلَ إنزالهِ لا بدّ مِنْ إقامةِ الحجةِ
و إزالةِ الشبةِ فأينْ وجودُ هذا في العوامِ المذكورينَ !
والذينَ لم يخوضوا في هذهِ المسألةِ أصلاً
ورحمَ اللهُ ابنَ سحمانٍ القائلَ في أجوبةٍ في تكفيرِ الكافرِ (مخطوط) :
هذهِ المسألةُ –يعني تكفيرُ مَنْ لمْ يكفر الكافرَ- قدْ أجمعَ عليها العلماءُ وإجماعُ العلماءِ حجّةٌ يجبُ المصيرُ إليهِ .. ومِنَ المعلومِ بالضرورةِ مِنْ دينِ الإسلامِ أنّ مَنْ لمْ يكفر الكفارَ الذينَ يعبدونَ غيرَ اللهِ ويجعلونَ لهُ أنداداً ما عرفَ دينَ الإسلامِ الذي يعصمُ بهِ دمُ مَنْ قامَ بهِ .. فكيفِ يُشكلُ عليكمْ ما اعترضَ بهِ هؤلاءِ المتمعلمونَ الصعافقةَ أنْ يتجروا فينا بلا أثمانٍ وهوَ لمْ يذكر عَلَى شبهتهِ التي اعترضَ بها دليلاً شرعياً .. وإنما اعترضَ برأيهِ الفاسدِ وتحصيلهِ الكاذبِ ذلكَ قولهُ
(هذا أمرٌ يتسلسلُ لوْ طردناهُ لكفرنا المسلمينَ!) وهذا لا يقولهُ إلا مَنْ هوَ أضلُ مِنْ حمارِ أهلهِ ومعَ هذا فلمْ يذكرْ عَلَى هذهِ المخرفةِ شيئاً مِنَ الشبهِ التي قدْ يعترضُ بها أعداءُ اللهِ الذينَ يصدونُ عَنْ سبيلِ اللهِ ويبغونها عوجاً حتى يلبّسَ عليكمْ الحقَ بالباطلِ بما ذكرهُ مِنَ الشبهِ ، ولا ذكرَ أنّ أحداً مِنَ العلماءِ لا يكفرُ الكافرَ فكيفَ يشكلُ عليكمْ معَ هجنتهِ وبُعْدِهِ عمّا يقولهُ جهالُ العوامِ مِنَ الموحدينَ فضلاً عَنِ العلماءِ المحققينَ . ا.هــ

الوجهُ الثالثُ : وهوَ بيانُ علةِ تكفيرِ مَنْ لمْ يكفر الكافرَ
وذلكَ راجعٌ إلى أحدِ ثلاثةِ أمورٍ : إمّا إلى الجهلِ بحقيقةِ الإيمانِ والكفرِ بالطاغوتِ
وبالتالي فكيفَ يحققهُ مَنْ يجهلهُ أصالةً والعلمُ أولُ شروطِ لا إلهَ إلا اللهُ
وإمّا التكذيبُ بالنصوصِ الدالةِ عَلَى كفرِ المشركينَ
وإمّا الشكُ فيها
فهذهِ هيَ علةُ تكفيرِ المتوقفِ كما قالَ المُلطي : وجميعُ أهلِ القبلةِ لا اختلافَ بينهمْ أنّ مَْن شكّ في كافرٍ فهوَ كافرٌ لأنّ الشاكَ في الكفرِ لا إيمانَ لهُ لأنّه لا يعرفُ كفراً مِنْ إيمانٍ فليسَ بينَ الأمّة كلها المعتزلة ومَنْ دونهمْ خلافٌ أنّ الشاكَ في الكافرِ كافرٌ . ا.هــ 

وكما قالَ عبد الرحمن بن حسن -رحمهُ اللهُ- : ولوْ عرفَ معنى لا إلهَ إلاَّ اللهُ ، لعرفَ أنّ مَنْ شكّ ، أو تردّد في كفرِ مَنْ أشركَ معَ اللهِ غيرهُ ، أنّهُ لمْ يكفُر بالطاغوتِ .ا.هـ
وقالَ القاضي أبو بكر –كما في الشفا- : لأنّ التوقيفَ والإجماعَ اتفقا عَلَى كفرهمْ
فمنْ وقفّ في ذلكَ فقدْ كذبّ النصَ والتوقيفَ أو شكّ فيهِ
والتكذيبُ أو الشكُ فيهِ لا يقعُ إلا مِنْ كافرٍ  ا.هـ

فمنْ تلبّسَ بأحدِ هذهِ الأمورِ الثلاثةِ فهوَ كافرٌ بلا مريةٍ
فإنّ اللهَ تَعَالى يقولُ : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}
وقالَ تَعَالى : {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
وقالَ تَعَالى : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}
ويقولُ تَعَالى :{ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
ويقولُ تَعَالى{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}
ويقولُ تَعَالى { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }
ويقولُ تَعَالى { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
ويقولُ تَعَالى { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}
وقالَ إبراهيم عليهِ الصلاةُ والسلامُ لقومهِ { يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}
وقال عليهِ السلام لأبيهِ آزرَ { يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا  
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا   
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا  
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا }
وقالَ اللهُ تَعَالى لنبيهِ محمّدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}
ويقولُ تَعَالى :{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}
ويقولُ تَعَالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
ويقولُ تَعَالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}
ويقولُ تَعَالى { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ
أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ}

وقدْ قالَ القاضي أبو يعلى : ومَنِ اعتقدَ تحليلَ ما حرمَ اللهُ بالنصِ الصريحِ مِنَ اللهِ ، أو مِنْ رسولهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، أو أجمعَ المسلمونَ عَلَى تحريمهِ فهوَ كافرٌ . . . . وكذلكَ مَنِ اعتقدَ تحريمَ شيءٍ حللهُ اللهُ ، وأباحهُ بالنصِ الصريحِ ، أو أباحهُ رسولهُ صلى اللهُ عليهِ. . والوجهُ فيهِ أنّ في ذلكَ تكذيباً للهِ تَعَالى ولرسولهِ في خبرهِ .. ومَنْ فعلَ ذلكَ فهوَ كافرٌ بإجماعِ المسلمينَ . ا.هــ 

وقالَ الشيخُ محمد بن عبد الوهاب : لا خلافَ بينَ العلماءِ كلهمْ أنّ الرجلَ إذا صدّقَ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في شيءٍ ، وكذبهُ في شيءٍ أنّهُ كافرٌ لمْ يدخل في الإسلامِ  .ا.هـ

فإنْ قيلَ أنّ هذا الكلامَ صحيحٌ فيمنْ كانَ مِنَ الكفارِ الأصليينَ كاليهودِ والنصارى
 لا في المنتسبينَ إلى الإسلامِ ؟
فيقالُ النصوصُ السالفةُ الذكر عامةٌ تشملُ هؤلاءِ وغيرهمْ
وقدْ سبقَ نقلُ إجماعِ السلفِ عَلَى كفرِ مَنْ يشكُ في تكفيرِ الجهميةِ وهمْ ينتسبونَ إلى الإسلامِ

فإنْ قيلَ هذا الكلامُ فيمنْ يشكُ في جنسِ هذه الطوائفِ لا أفرادهمْ !
يعني مَنْ شكّ في كفرِ الجهميةِ مِنْ حيثُ العمومِ يكفرُ لا مِنْ حيثُ الأفرادِ =فلانٌ أو علانٌ!
فيقالُ هذا باطلٌ ، فهلْ لوْ توقفَ إنسانٌ في تكفيرِ يهوديٍ معينٍ أكانَ يصيرُ مسلماً عندكمْ ؟!

وقدْ قالَ البخاريّ –رحمهُ اللهُ تَعَالى- :
[ مَا أُبَالِي صَلَّيْتُ خَلْفَ الْجَهْمِيِّ وَالرَّافِضِيِّ، أَمْ صَلَّيْتُ خَلْفَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ]
وهذا سلمةُ بن شبيب النيسابوري محدثُ أهلِ مكّة،لمّا بلغهُ أنّ الحلوانيّ قالَ : لا أكفرُ مَنْ وقفَ في القرآنِ ، وسُئِلَ :عَنِ علمِ الحلوانيّ ،فقالَ:[ يُرمى في الحُشِ مَنْ لمْ يشهدْ بكفرِ الكافرِ فهوَ كافرٌ ]. 
 فـمرجعُ الأمرِ إلى ما تقدمَ ذكرهُ مِنْ إزالةِ الشبةِ وإقامةِ الحجّةِ
هذا وقدْ قالَ مالكٌ : بلغني أنّ أبا هريرة -رضيَ اللهُ عنهُ- تلا قوله تَعَالى :
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً}
فقال: [ والذي نفسي بيدهِ إنّ النّاسَ ليخرجونَ اليومَ مِنْ دينهمْ أفواجاً كما دخلوا فيهِ أفواجاً ].

وقالَ حذيفةُ بن اليمانِ -رضيُ اللهُ عنهما-:
[ يأتي عَلَى النّاسِ زمانٌ لوْ رميتَ بسهمٍ يومَ الجمعةِ لمْ يصب إلا كافراً أو منافقاً ]

وقالَ عبدالله بن عمرو -رضيَ اللهُ عنهما- :
[ يوشكُ أنْ يكونَ الإيمانُ غريباً في النفاقِ ]
فنسألُ اللهَ سبحانهُ الثباتَ عَلَى الإسلامِ والسنّةِ حتى نلقاهُ

وأختمُ الفصلَ بقولِ الشيخِ محمد بن عبدالوهاب –رحمهُ اللهُ تَعَالى-  :
" اللهُ اللهُ يا أخواني تمسكوا بأصلِ دينكمْ وأولهِ وآخرهِ وأُسِهِ ورأسهِ
شهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ واعرفوا معناها وأحبوها وأحبوا أهلها
واجعلوهمْ إخوانكمْ ولوْ كانوا بعيدينَ
واكفروا بالطواغيتِ وعادوهمْ وابغضوا مَنْ أحبهمْ أو جادلَ عنهمْ أو لمْ يكفرهمْ
أو قالَ ما علىّ منهمْ أو قالَ ما كلفني اللهُ بهمْ !
فقدْ كذبَ هذا عَلَى اللهِ وافترى ، فقدْ كلفهُ بهمْ وافترضَ عليهِ الكفرَ بهمْ والبراءةَ منهمْ
ولوْ كانوا إخوانهمْ وأولادهمْ ، فاللهُ اللهُ تمسكوا بذلكَ لعلكمْ تلقونَ ربكمْ لا تشركونَ بهِ شيئاً  "
 



[1] مقتبس من كلام الشيخ محمد في الدرر
[2] [ الدرر السنية 1 / 161 ] 
[3] [ الدرر السنية 10 / 502 ]   
[4] مقتبس من التوضيح من توحيد الخلاق لسليمان بن عبدالله
[5] [ الدرر السنية 10 / 502 ]   

[6] [ الدرر السنية جـ 2 ص 176]
[7] [طبقات الحنابلة (1 - 160) ]

0 التعليقات:

إرسال تعليق