Pages

الأربعاء، 19 فبراير 2014

مناقشة مقال شبهات الغلاة لمحمد حاج عيسى الجزائري حول العذر بالجهل_ الحلقة الأولى_

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد اطلعت على مقال لمسمى محمد حاج عيسى عنونه بكشف شبهات الغلاة، تكلم فيه عن مسألة العذر بالجهل ، وشرق فيها وغرب كحال كثير من مرجئة العصر الذين لا يهمهم دليل صحيح ولا إجماع صريح إلا ما نصر مقالهم ولو بلي كلام أهل العلم وتحميله ما لا يحتمل ، ولي مع هذا المقال وقفات مختصرة يسر الله إتمامها.
قال صاحب هذا المقال الظالم:
وسأقتصر في هذه المقالات على مناقشة جزئية مندرجة في الحالة الثالثة ، وهي زعمهم أنه لا يشترط إقامة الحجة على المعين لتكفيره ، وأنه لا أثر لعارض الجهل في ذلك،
أولا هذا كذب منك أو جهل بالمقالة ، وفي على أحد الاحتمالين لا ينبغي لمن جهل الأمر ن يتصدى لرده، فهل هناك من نفى العذر بالجهل في التكفير مطلقا وهو منتسب لأهل السنة ؟ أم أنك قماش بغير معرفة؟
وهل التفريق بين مسائل الدين الظاهرة وبين خفي المسائل هو مرادك بهذا التعميم الباطل؟


الشبهة الأولى: تحكيم العقل
من شبهات من يجنح إلى تكفير المسلمين الواقعين في الشرك من غير اشتراط إقامة الحجة وإزالة عارض الجهل والشبهة عنهم، أن حقيقة التوحيد مدركة بالعقل متوصل إليها بالنظر غير متوقفة على إرسال الرسول، وهذا مذهب المعتزلة والماتريدية، قال أبو منصور الماتريدي في تفسيره لقوله تعالى لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء:165):« نفيه الحجة إنما هي في العبادات والشرائع التي سبل معرفتها الرسل أما معرفة الله فإن سبيل لزومها العقل فلا يكون لهم ذلك على الله حجة » (انظر الماتريدية دراسة وتقويما(147)). وقد اعتمد هذا الرأي كثير من الغلاة مع زعمهم الانتساب إلى السنة، ولما قال ابن تيمية في الدرء (8/492) :« وهذا مذهب المعتزلة ومن وافقهم من أصحاب أبي حنيفة» ويعني بأصحاب أبي حنفية الماتريدية منهم، نقله بعض المعاصرين عن المعتزلة وجمهور الحنفية ([1])، ليكون قولا لبعض أهل السنة، ثم بعدها شكك في وجود من لم تبلغه دعوة التوحيد ليصير خلاف من نازع في تحكيم العقل -وهم جمهور أهل السنة عنده -خلافا لفظيا ، لأن اشتراط بلوغ الحجة عن طريق الرسل يصبح أمرا لا معنى له لأنه شرط متحقق في كل عصر وفي كل مكان. وهذه طريقة من يحكم على من وقع في الشرك بالكفر في أحكام الدنيا والآخرة، ويحمل قول الله تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء:15) على العذاب الدنيوي العام .
من قال أن حقيقة التوحيد مدركة بالعقل حتى تتهمه بموافقة الماتريدية؟
ثم ماذا تقصد بالتوحيد أهو نفي الشريك  عن الله في ألوهيته فقط أم كل أنواع التوحيد كما هو ظاهر كلامك؟
وهل يشك عاقل سليم العقل أن الإشراك بالله في ألوهيته ترفضه العقول السليمة ، حتى تتجشم مشقة النظر في معتقد الماتريدية ونسبة أهل السنة إليهم زورا وبهتانا؟
ولو فهمت ما تنقل وما تقرأ ما وقعت في هذا الخلط ، فالماتريدي يقول بأن الحجة قائمة في التوحيد بمجرد العقل كما هو نص كلامه ،والعقوبة واقعة عل من جهل أو خالف بخلاف من ترميهم بذلك وهم منه برآء.
 أما من تتهمهم زورا فبخلاف ذلك فالحجة عندهم الرسالة ، لكن يستأنسون بنفور العقل من الشرك ولا يجعلون الحجة قائمة به  فتنبه يا فهيم!!
ولتعرف موضعك انقل ما قاله صاحب الكتاب في فهم عقيدة الماتريدية حول هذا المسألة، وانظر ص149 حول مسألة قبح الشرك عقلا.

ومن الغلاة من رام ربط عدم العذر بالجهل مع قضية تحكيم العقل من جهة التحسين والتقبيح العقلي على مذهب أهل السنة لا على مذهب المعتزلة، ذلك أن الفرق الإسلامية في هذه القضية طرفان ووسط ، فالأشعري ومن تبعه نفوا الحسن والقبح العقليين مطلقا عن أفعال العباد قبل الشرع، وبالتالي لا يترتب على ذلك حسن ولا قبح ولا تكليف إلا بورود الشرع، والمعتزلة ومن تبعهم أثبتوا الحسن والقبح لأفعال العباد بمجرد العقل وقبل ورود الشرع ورتبوا على ذلك الثواب والعقاب، وأهل السنة المحضة قالوا: إن أفعال العباد متصفة بصفات حسنة وسيئة تقتضي الحمد والذم، ولكن لا يعاقب أحد إلا بعد بلوغ الرسالة كما دل عليه القرآن في قوله تعالى:( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: 15)، وفي قوله:(كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) (الملك:))، وقد استنتجوا من مذهب أهل السنة المذكور :« أن القوم قبل البعثة وإقامة الحجة معذورون في أحكام وغير معذورين في أحكام أخرى . معذورون في أنهم لا يعذبون في الدنيا والآخرة حتى تقام عليهم الحجة الرسالية وهذا من رحمة الله وفضله . وغير معذورين في اقترافهم الشرك وما ينبني عليه من أحكام مثل عدم دفنهم في مقابر المسلمين ولا الصلاة عليهم وعدم القيام على قبورهم والاستغفار لهم ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم ولا يدخلون الجنة وهو أعظمها .
وهذه طريقة من ينفي العذاب الدنيوي والأخروي عمن وقع في الشرك مع الحكم عليه بالشرك تعيينا من غير إقامة حجة. والذي يجمعهم جميعا هو الاعتماد على حجة العقل .
ليس ذلك فحسب يا فهيم، بل حجة من قال بعدم العذر بالجهل هو القرآن فمن بلغه فلا عذر له في اصل الرسالة وبالتالي فاعتمادك على هذا الكلام تمويه فارغ على الطغام والعوام.
ثم هل قائل هذا الكلام على فهمك يرى أن من لم تبلغه الرسالة فهو في النار كما هو مذهب المعتزلة ، أم يرى أن الحكم الدنيوي لا يلازم الحكم الأخروي، وإن حكم عليهم بالشرك قبل الرسالة فلنصوص وردت في ذلك سيأتي بيانها.
خذ هذا كمثال فذراري المشركين في الدنيا لهم حكم آبائهم بينما في الاخرة هم في الجنة على القول الراجح، أليس هذا دليلا على اختلاف أحكام الدنيا عن أحكام الآخرة.

الجواب عن هذه الطريقة في الاستدلال أنها معلومة الفساد عند أهل السنة والجماعة، فمما هو متقرر عندهم أن العقل لا حكم له لا قبل الشرع ولا بعده، وأن مناط التكليف هو الشرع، وقد تواترت بذلك النصوص الشرعية وأجمع عليه السلف، وهو أمر لا يخفى على من كان له إلمام بقضايا التوحيد، قال تعالى إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) (يوسف:40) وقال سبحانه أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الشورى:21).
والمخالفون دفعهم هذا الاعتقاد الفاسد إلى تأويل النصوص التي تدل على معتقد أهل السنة بتأويلات متكلفة وتخرصات وظنون كاذبة ، كتخصيص الحجة التي يقيمها الرسل بتفاصيل الشرائع دون أصل الدين وتوحيد رب العالمين ، وحمل العذاب المنفي في قوله تعالى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: 15) على عذاب الاستئصال في الدنيا فقط، وأعجب من كل ذلك أن يتأول الرسول المبعوث بالعقل المبثوث .
يا لك من مخلط جاهل، أتدري ان قائل ذلك هم علماء منهم من سلف ومنهم الحي؟
ولو عزوت القول لصاحبه كان أبرأ لذمتك من تهمة الكذب والتخرص الباطل، فحمل لعذاب المنفي على عذاب الاستئصال قال به غير واحد من أهل التفسير ولو ذهبت أنقل لك عنهم لضاق المقام فرجعها قبل أن ترم غيرك بما أنت واقع فيه.
وإليك ما قاله العلامة الشنقيطي نقلا عن غيره حول الآية:
وأجاب أهل هذا القول عن قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [17/15]، من أربعة أوجه:
الأول: أن التعذيب المنفى في قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ…} الآية، وأمثالها من الآيات: إنما هو التعذيب الدنيوي؛ كما وقع في الدنيا من العذاب بقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب، وقوم موسى وأمثالهم. وإذاً فلا ينافي ذلك التعذيب في الآخرة.
ونسب هذا القول القرطبي، وأبو حيان، والشوكاني وغيرهم في تفاسيرهم إلى الجمهور.ا.ه
فمن المغالط يا ترى؟
ثم قال:
وأما ثبوت الحسن والقبح للأفعال قبل الشرع عند أهل السنة فلا يستلزم التكفير ولا علاقة له بإثبات الأحكام الشرعية مطلقا، فما زين به ذلك المستدل قولَه آيل إلى قول المعتزلة وإن خالفهم في العذاب الأخروي، لأنه رتب على التحسين والتقبيح أحكاما شرعية وهذا قول المعتزلة لا قول أهل السنة، وإذا كانت الأحكام المذكورة صحيحة في حق من لم يعرف دين الإسلام ولم يلتزم به في الجاهلية أو بعدها، فليس مستندها هو التحسين والتقبيح، ولا يلزم أن تكون صحيحة في حق من عرف الإسلام والتزمه التزاما مجملا ثم وقع في شيء من نواقضه جهلا.
أراك لم تفهم مراد الكاتب فطوحت بعيدا عن مراده ورحت ترميه بمذهب المعتزلة تسرعا ومقالك لرد الغلو!!
فمراد الكاتب أن قبح الشرك مدرك بالعقل ومن وقع فيه فقد خالف مقتضى العقل السليم ولم يرتب على ذلك أحكاما أخروية حتى يوافق المعتزلة، بل أنت من وافقت الأشاعرة بنفيك قبح الشرك من حيث لم تشعر، وترتيب الأحكام الدنيوية على أمر كهذا في مسألة الشرك أمر سليم وقد بينت لك الفرق بين حكم الدنيا وحكم الآخرة وسيأتي مزيد بسط.
وقال:
الشبهة الثانية : الاستدلال بالفطرة
لكن لا تلازم بين ثبوت خلق الإنسان على الفطرة وبين قيام الحجة عليه بحال، قال ابن تيمية :« وإذا قيل إنه ولد على فطرة الإسلام أو خلق حنيفا ونحو ذلك، فليس المراد به أنه حين خرج من بطن أمه يعلم هذا الدين ويريده ، فإن الله تعالى يقول:( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) (النحل:78)، ولكن فطرته مقتضية موجبة لدين الإسلام لمعرفته ومحبته، فنفس الفطرة تستلزم الإقرار بخالقه ومحبته وإخلاص الدين له وموجبات الفطرة ومقتضاها تحصل شيئا بعد شيء بحسب كمال الفطرة إذا سلمت عن المعارض، وليس المراد مجرد قبول الفطرة لذلك أكثر من غيره، كما أن كل مولود يولد فإنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من الأغذية والأشربة فيشتهي اللبن الذي يناسبه»(. ثم قال :« إذا ثبت أن نفس الفطرة مقتضية لمعرفته ومحبته حصل المقصود بذلك وإن لم تكن فطرة كل أحد مستقلة بتحصيل ذلك، بل يحتاج كثير منهم في حصول ذلك إلى سبب معين للفطرة كالتعليم والتخصيص فإن الله قد بعث الرسل وأنزل الكتب ودعوا الناس إلى موجب الفطرة من معرفة الله وتوحيده فإذا لم يحصل مانع يمنع الفطرة وإلا استجابت لله ورسله لما فيها من المقتضي لذلك، ومعلوم أن قوله: (كل مولود يولد على الفطرة) ليس المراد به أنه حين ولدته أمه يكون عارفا بالله موحدا له بحيث يعقل ذلك فإن الله يقول: ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) (النحل78)، ونحن نعلم بالاضطرار أن الطفل ليس عنده معرفة بهذا الأمر، ولكن ولادته على الفطرة تقتضي أن الفطرة تقتضي ذلك وتستوجبه بحسبها، فكلما حصل فيه قوة العلم والإرادة حصل من معرفتها بربها ومحبتها له ما يناسب ذلك.
أراك تخبط خبط عشواء فلا أعلم في حدود علمي أن هناك من قال بأن الحجة قائمة بالفطرة ، ولو كان لنقلتَه عن قائله أو عزوتَه إلى معين ،أما أن تصنع وهما ثم تسعى في رده فهو من الانتفاخ بلا فائدة.
فانقل عن قائل هذا القول أو دعك من التلبيس والهذيان.
وكلام شيخ الإسلام رحمه الله سليم وليس فيه حجة لك ، فمراد من قال بأن التوحيد مدرك بالفطرة ، لم يجعل الحجة هي الفطرة فلا تغالط الدهماء.
ثم قال:
الشبهة الثالثة : الاستدلال بآية الميثاق
وأشهر ما يلبس به الغلاة في نفي العذر بالجهل الاستدلال بقوله تعالى :(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (الأعراف:172) ومع أن وجه الاحتجاج بها هو عين وجه الاحتجاج بالفطرة إلا أن الغلاة يعتمدون عليها ويطيلون في شرحها ونقل كلام العلماء فيها، لما في ألفاظها من عبارات متشابهة، ولما في كلام المفسرين فيها من إطلاقات موهمة....
...
قال الشنقيطي:« فمن ذلك قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) فإنه قال فيها حتى نبعث رسولا ولم يقل حتى نخلق عقولا وننصب أدلة ونركز فطرة ، ومن ذلك قوله تعالى :] رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )(النساء: 165) فصرح بأن الذي تقوم به الحجة على الناس وينقطع به عذرهم هو إنذار الرسل لا نصب الأدلة والخلق على الفطرة ».

لا أظن أحدا من أهل السنة قال بأن الحجة قائمة بالفطرة  وهذا موجود فقط في ذهنك وفهمك بل الفطرة تدل على قبح الشرك قال ابن القيم في المدارج:
والحق أن وجوبه ثابت بالعقل والسمع والقرآن على هذا يدل فإنه يذكر الأدلة والبراهين العقلية على التوحيد ويبين حسنه وقبح الشرك عقلا وفطرة ويأمر بالتوحيد وينهى عن الشرك ولهذا ضرب الله سبحانه الأمثال وهي الأدلة العقلية وخاطب العباد بذلك خطاب من استقر في عقولهم وفطرهم حسن التوحيد ووجوبه وقبح الشرك وذمه والقرآن مملوء بالبراهين العقلية الدالة على ذلك كقوله (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) وقوله  (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم) وقوله (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز) إلى أضعاف ذلك من براهين التوحيد العقلية التي أرشد إليها القرآن ونبه عليها .
 ولكن ههنا أمر آخر وهو أن العقاب على ترك هذا الواجب يتأخر إلى حين ورود الشرع كما دل عليه قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. ولم تنقل عن معين أن العذاب على الشرك ثابت بالفطرة ، بل هذا فهمك ويلزمك أنت فقط ، وسببه سوء قصد أو سوء فهم ، وكلاهما لا يليق بمن يخوض لجة هذه المسألة .ا.ه
ولا أظني سآتي بمزيد على كلام ابن القيم فهو كاف لمن كان له عقل.
وقال:
تحريفات صاحب الجواب المفيد
بعد أن بينا أن آية الميثاق تدل على ثبوت الفطرة، وأنها على قول أهل السنة لا تكون حجة موجبة للعذاب في الدنيا أو الآخرة نأتي إلى كشف بعض تحريفات الغلاة لنصوص العلماء وتعمد البتر المغير للمعنى.
 نقل صاحب الجواب المفيد (330) مجموعة من النصوص المنتقاة من كلام ابن القيم ونحن نوردها في سياقها لنبين البتر وأثره .
قال ابن القيم في كتاب الروح 02060]164-165) :« وزاد الجرجاني بيانا لهذا القول فقال حاكيا عن أصحابه أن الله لما خلق الخلق ونفذ علمه فيهم بما هو كائن وما لم يكن بعد مما هو كائن كالكائن إذ علمه بكونه مانع ب: واقع] من غير كونه, شائع في مجاز العربية أن يوضع ما هو منتظر بعد مما لم يقع بعد موقع الواقع لسبق علمه بوقوعه كما قال عز وجل في مواضع من القرآن كقوله تعالى: ونادى أصحاب النار ونادى أصحاب الجنة ونادى أصحاب الأعراف، [قال فيكون تأويل قوله وإذ أخذ ربك وإذ يأخذ ربك وكذلك قوله: (وأشهدهم على أنفسهم ) أي ويشهدهم مما ركبه فيهم من العقل الذي يكون به الفهم ويجب به الثواب والعقاب وكل من ولد وبلغ الحنث وعقل الضر والنفع وفهم الوعد والوعيد والثواب والعقاب صار كأن الله تعالى أخذ عليه الميثاق في التوحيد بما ركب فيه من العقل وأراه من الآيات والدلائل] على حدوثه وأنه لا يجوز أن يكون قد خلق نفسه وإذا لم يجز ذلك فلا بد له من خالق هو غيره ليس كمثله».
بينت تلبيس صاحب الجواب المفيد في نقله عن ابن القيم رحمه الله ، وقد أصبت في اعتراضك عليه من حيث النقل لا من حيث أصل المسألة ففيها نقول كثيرة في الكتاب أعرضت عن التعليق عنها.

تلبيس صاحب العذر بالجهل تحت المجهر
وأما صاحب العذر بالجهل تحت المجهر (42-43) فبعد أن قرر أن من وقع في الشرك فهو مشرك باتفاق لأن الخلاف واقع في العذاب لا في الاسم قال :« وهذا الموضع ضل فيه كثير من العقول والأفهام لظنها أن قوله تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء.15) حجة في إعذار من يقع في الشرك بالله، وأنه ما زال مسلما موحدا مع انغماسه في الشرك وقطعوا بنجاته في الدارين إلا أن تقام عليه الحجة الرسالية ، ويرد على هذا الزعم الباطل هذا البحث الذي بين أيدينا الذي اتفق عليه العلماء : على أن من وقع في الشرك من أهل الفترات الذين هم في غياب عن الشرائع وفي طموس من السبل فهو مشرك لنقضه حجية الميثاق والفطرة وأن العقل حجة على هذا ».
الجواب :
ثانيا : وإذا أثبت بالحجج واتفاق العلماء أن المشركين مشركون، فلا يلزم من ذلك أن يحكم بالشرك على المسلمين المقرين بالشهادة والملتزمين بالإسلام وشعائره إذا جهلوا بعض صور العبادة فأشركوا فيها مع الله غيره .
إذا كنت تسميهم مسلمين وكتاب الله بين أظهرهم فلأن تعذر أهل الفترة أولى ، والشرع لا يأتي بالمتناقضات .قال عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب:
 ولا ريب أن الله تعالى لم يعذر أهل الجاهلية، الذين لا كتاب لهم، بهذا الشرك الأكبر، كما في حديث عياض بن حمار: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم، إلاَّ بقايا من أهل الكتاب»، فكيف يعذر أمة كتاب الله بين أيديهم، يقرؤونه، ويسمعونه، وهو حجة الله على عباده، كما قال تعالى: {هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [إبراهيم: 52].
ثانيا: من أشرك مع الله غيره ولو قال الشهادتين أو انتسب للإسلام  فلا تنفعه مجرد الشهادة بل لابد من الحفاظ عليها وعدم نقضها ، ولو حكمت لكل منتسب للإسلام بالتوحيد دخلت بابا عظيما من أبواب الإرجاء.
وقال:
(وقال صاحب المجهر (43):« فلو لم تكن آية الميثاق حجة مستقلة في الإشراك فبأي حجة حكم العلماء بها عليهم بالشرك؟ ».
والجواب واضح يحكمون عليهم بالظاهر منهم، والذي يفهم من هذا التساؤل أنه لولا آية الميثاق لكان هؤلاء المشركون في عداد المسلمين !! لكن من يقول هذا ، بل هم مشركون ونحن مستغنون عن الاستدلال على ذلك.)
يلزمك فيمن وقع في الشرك نفس ما حكمت به على أهل الفترة  لاجتماعهما في العذر بالجهل وعدم بلوغ الحجة ، بل أهل الفترة أولى بالعذر لعدم آثار الرسالة وفتورها.)
وقال صاحب المقال:
وقال أيضا :« وما الحال فيمن وقع في الشرك بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وكل تراثه محفوظ وآيات الله وأحاديث نبيه تتلى عليهم ليل نهار والموحدون في كل بيت من بيوتهم ». ومعنى كلامه أنا إذا حكمنا بالشرك على أصحاب الفترات فالحكم على هؤلاء (المسلمين) أولى .
الجواب عن هذا ، أن يقال : نعم من كان في بيته موحدون يدعونه ويبينون له التوحيد فقد قامت عليه الحجة أما مجرد تلاوة القرآن والحديث فلا تقوم بها حجة، لأنه يحتاج إلى تفسير وبيان وليس كل الناس يفهم القرآن.
قال ابن حزم في الإحكام (1/71):« وكل ما قلنا فيه إنه يفسق فاعله أو يكفر بعد قيام الحجة عليه، فهو ما لم تقم عليه الحجة معذور مأجور وإن كان مخطئا وصفة قيام الحجة عليه هو أن تبلغه فلا يكون عنده شيء يقاومها وبالله تعالى التوفيق».
جوابه
أولا الاستدلال بابن حزم في تحقيق أصول الاعتقاد يدل على جهل سحيق وبعد كبير عن العقيدة السلفية ، كيف والرجل جهمي ضال وكلامه في القرآن مشهور وهو أغرب قول ، أفمثله يستشهد به عند تحقيق عقيدة السلف التي هو بعيد عنها؟


الشبهة الرابعة: عدم التفريق بين المسلمين والمشركين الأصليين
   ومن الشبه التي يتمسك بها المخالفون عدم التفريق بين المسلمين الواقعين في الشرك والمشركين الأصليين، وقياسهم عليهم في عدم العذر بالجهل.
   وخلاصة هذه الحجة عندهم أن الله تعالى وصف المشركين بالشرك قبل قيام الحجة الرسالية في نصوص كثيرة كقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ)[التوبة:6] فوصفه بالشرك قبل أن يسمع كلام الله تعالى الذي تقوم به الحجة ، وقال : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ)[البينة:1] فوصفهم بالشرك قبل أن تأتيهم البينة.
ويعللون عدم قيام الحجة عليهم بهذه الظواهر إضافة إلى ما هو متقرر معروف من أن النبي صلى الله عليه و سلم أرسله الله تعالى بعد فتور الرسالات قال تعالى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[المائدة:19]. 
   ثم انقسم هؤلاء الغلاة إلى فريقين منهم من قال بالتلازم بين الشرك والقتال إلا عذاب الآخرة فيحتاج إلى قيام الحجة، ومنهم من قال لا قتال في الدنيا ولا عذاب في الآخرة حتى تقام الحجة، إلا أنهم كفار لا يصلى عليهم ولا يصلى خلفهم ولا تناكح ولا توارث .
مسألة القتال لها بحث آخر وفيها كلام كثير للفقهاء في أبواب الجهاد فلا تجمع بينها وبين مجرد الحكم الدنيوي.
وسبق ذكر مستند التفريق بين حكم الدنيا وحكم الآخرة .
ثم قال:
والجواب عن هذا من وجوه :
أولا : أن وصف الشرك الوارد في حق الكفار والمشركين الأصليين الذين لم يشهدوا لله تعالى بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه و سلم بالرسالة، لا يجوز إيقاعه على المسلمين عينا، والتسوية بين المشركين والمسلمين في الاسم (الكفر) فضلا عن الحكم (القتال والعذاب الأخروي) بين الفريقين ظلم وجور وخلاف الأدلة الشرعية ، والصواب الذي تؤيدة النصوص الشرعية أن المشركين يستحقون هذا الاسم لعدم توحيدهم قبل قيام الحجة ولا يحكم عليهم بالنار إلا بعدم قيامها لصحة الحديث في امتحان أهل الفترة، وأن المسلمين الملتزمين بشريعة الإسلام إجمالا إذا وقعوا في الشرك جهلا ، فهم معذورون وخطأهم مغفور لهم، ولا يصح أن يقال إنهم يمتحنون بدليل النصوص الكثيرة الواردة في العذر في حقهم، كحديث صاحب الوصية الجائرة الذي غفر الله له ، ومن كان مغفورا له في الآخرة فهو مسلم في الدنيا، ولا يمكن وصفه بالشرك في الدنيا ودخول الجنة في الآخرة.
وهل من شهد بالتوحيد ثم نقضه بالشرك يبقى موحدا مثله مثل من لم يشرك أصلا؟
فإن قلت هو مسلم ولا شيء عليه وقعت في الإرجاء الغالي بالتسوية بين الموحد وبين الواقع في الشرك.
وإن قلت لا يستويان لزمك أحد أمرين :
إما أنه مؤمن ناقص الإيمان ، وهذا لا يصلح في حال المعذور على قولك فبطل هذا الوجه.
أو أنه مؤمن مثله مثل من لم يدنس توحيده بشرك أصلا فقد سويت بين المختلفات وهذا مردود بالعقل والنقل، ولا أظنك تستطيع أن تقيم عليه دليلا صحيحا.
والسؤال: هل فاعل الشرك جهلا عندك موحد أولا؟
ثم هل الشهادة بمجرد اللفظ دون إيتان بشروطها تنفع صاحبها؟
أظنك ستقول نعم فيقال:
أليس هذا من الإرجاء ؟
   والحديث خرجه البخاري ومسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِى ثُمَّ اسْحَقُونِى ثُمَّ اذْرُونِى فِى الرِّيحِ فِى الْبَحْرِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَىَّ رَبِّى لَيُعَذِّبُنِى عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا. قَالَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ فَقَالَ لِلأَرْضِ أَدِّى مَا أَخَذْتِ. فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ لَهُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقَالَ خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ - أَوْ قَالَ - مَخَافَتُكَ. فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ» واللفظ لمسلم.
في هذا الحديث كلام طويل مؤداه أن الرجل لم يشك في قدرة الله كلها بل في تعلقها بفرد من أفرادها ، وهذا أمر خفي وقياس التوحيد على مثل هذا جهل منك بالشريعة ، وتخليط لا يحسن بأستاذ جامعي مثلك.


ثم قال:
واختلاف الحكم الأخروي من أبين الحجج على اختلاف الأحكام الدنيوية، إذ لا يدخل الجنة في الآخرة إلا مسلم في الدنيا ، ولا يمتحن أحد يوم القيامة إلا لأنه لم يكن مسلما في الدنيا.
وحوابه:
هذا تناقض ناشئ عن جهل كبير ؛ إن كان من يمتحن هو من لم يكن مسلما في الدنيا ، فماذا يكون ؟
إن قلت كافرا. ونقضت بحثك من قواعده. فنحن نحكم على من فعل الشرك بظاهر فعله وفي الآخرة أمره إلى الله
 فما بقي لك إلا مذهب المعتزلة وهو ليس مسلما ولا كافرا ، وهذا بين البطلان .
وكلامك هذا حجة عليك فمن هو الذي يمتحن إذن؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق