بسم الله الرحمن الرحيم
فقد كتب أحد رواد سحاب المرجئة مقالا
عنونه بالصفعة الحنبلية على وجوه الحدادية أتى فيه بنقل عن حافظ الحكمي فهم منه ان
الإمام أحمد يشترط إقامة الحجة للتكفير مطلقا ، فلما قرأت مقاله ، تعجبت من جهل
المسكين ، بكلام السلف ومواضع تطبيقهم لها فأحببت مناقشته في عجالة.
قال الكاتب المسكين:
فهذا مقتطف من كلام الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي -رحمه
الله- في كتابه الماتع " أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية
المنصورة "
تحت السؤال 85 : من هم الواقفة وما حكمهم :
" الجواب : الواقفة هم الذين يقولون في القرآن: لا نقول
هو كلام الله ولا نقول مخلوق. قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (من كان منهم يحسن
الكلام فهو جهمي، ومن كان لا يحسنه بل كان جاهلا جهلا بسيطا فهو تقام عليه الحجة
بالبيان والبرهان، فإن تاب وآمن بأنه كلام الله تعالى غير مخلوق، وإلا فهو شر من
الجهمية) "
فانظر رحمك الله: إلى هذا النقل الأثري عن إمام أهل
السنة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- كيف يشترط إقامة الحجة في مثل هذه المسألة
العقدية الهامة .
أولا: ليس هذا نص أحمد رحمه الله وما نقله
حافظ كان بالمعنى وفيه إخلال بكلام الإمام أحمد ، فليس من التحقيق نسبة فهم حافظ
لأحمد رحمه الله .
ثانيا: في كلام أحمد الذي نقله صاحب الصفعة المزعومة بيان أنهم قوم
جهال لا يفقهون ؛ فأحمد رحمه الله لم يتوقف في تكفير من قال القرآن مخلوق ولم يقيد
ذلك بقيام الحجة ، بخلاف الواقف ، وهذا يبين أن المسائل ليس على قدم واحدة في
الحكم ، فالظاهرة لا يشترط فيها قيام الحجة ، أما الخفية فنعم.
كما قال عبدالله بن أحمد في السُّنَّة (165/1):
"سُئل أبي وأنا أسمع عن اللَّفظيَّة والواقفة فقال: "مَن كان مِنهم
جاهلا؛ فليسأل؛ وليتعلَّم".
هنا أحمد أمره بالسؤال ولم يجعل جهله عذرا
في عدم الحكم ، فإن كان هذا في مسألة كهذه فما ذا يقال فيمن أشرك بالله ولم يسأل
ولم يسع في رفع الجهل عن نفسه؟
أتراه يعذر عند أحمد؟
كلا وألف كلا
فالقول ببلوغ الحجة شرط في وقوع الوصف لازال باقيا فإن
قول الشيخ حافظ -رحمه الله- : ومن كان لا
يحسنه بل كان جاهلا جهلا بسيطا فهو تقام
عليه الحجة بالبيان والبرهان، فإن تاب وآمن بأنه كلام
الله تعالى غير مخلوق، وإلا فهو شر من الجهمية) "
فهو فهم سليم، لأنه مفهوم المخالفة المستفاد من "
من " الشرطية .
ليس فهما سليما وأنى له السلامة وهو مخالف
لتقريرات أحمد رحمه الله في غير هذا الموضع .
وبيانه ا جاء في السنة للخلال:
وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ
, قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَنْ وَقَفَ , لاَ يَقُولُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ
؟ قَالَ : أَنَا أَقُولُ : كَلاَمُ اللَّهِ . قَالَ : يُقَالَ لَهُ : إِنَّ الْعُلَمَاءَ
يَقُولُونَ : غَيْرُ مَخْلُوقٍ , فَإِنْ أَبَى فَهُوَ جَهْمِيٌّ.
فجعل إقامة الحجة هي تبلغيه أن أهل العلم
يقولون غير مخلوق ولم يزد على ذلك ، فإن أصر فهو جهمي، وليست إقامة الحجة على فهم
المتأخرين التي جعلوها ضربا من المحال.
ثم علق آخر لا يعلم ما يحدث حوله ولا أدري
ما دفعه للتعليق إن لم يدر ما يجري؟
ثم علق آخر قائلا وهو من طلبة العلم _زعموا
_ وهو لا يدري ما يجري في الساحة لكن خاض بلا معرفة فقا:
النقول في مثل هذا كثيرة، لا سيما من كلام ابن تيمية
-رحمه الله- ، ولا أدري ما الذي يدور في الساحة الآن في هذه القضية لكن أعينك
بنقلين سريعين عن الإمام أحمد وآخر عن الرازيين -رحم الله الجميع0:
ليتك أتيتنا بالنقول الكثيرة التي تزعمها
,ترى أنها توافق ما ذهب إليه صاحب الصفعة، وأعلم أن النقول الكثيرة هي في تكفير
الواقفة ، وما نقل عنه في حال من وقف جاهلا فهذا خاص بهم ولا يتعداهم ، وليست
الجهالة مانعة لهم من لحوق الحكم دوما ، ب لابد لهم من التعلم والسؤال.
أما كلام ابن تيمية فحفظناه من كثرة
تكريركم إياه فلا تتعب نفسك به.
الأول: نقل عبد الله بن الإمام أحمد -رحمهما الله- كما
في كتاب السنة التالي:
223 - سَمِعْتُ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَسُئِلَ عَنِ
الْوَاقِفَةِ فَقَالَ أَبِي: «مَنْ كَانَ يُخَاصِمُ وَيُعْرَفُ بِالْكَلَامِ
فَهُوَ جَهْمِيٌّ وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْكَلَامِ يُجَانَبْ حَتَّى يَرْجِعَ،
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ يَسْأَلْ»
لم يعذر الجاهل بجهله بل أمر بهجرانه
ومجانبته ولو عذره ما عاقبه رحمه الله، وأمر الجاهل أن يسأل ويتعلم ولا دليل فيه
على اشتراط إقامة الحجة كما أوهمه صاحب الصفعة التي طنت آذان المرجئة وهي في فراغ.
224 - سُئِلَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَنَا أَسْمَعُ
- عَنِ اللَّفْظِيَّةِ، وَالْوَاقِفَةِ، فَقَالَ: «مَنْ كَانَ مِنْهُمْ جَاهِلًا
لَيْسَ بِعَالِمٍ فَلْيَسْأَلْ وَلْيَتَعَلَّمْ»
أمره بالسؤال وهذا كسابقه فلا حجة فيه.
وهكذا قال في شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي ساق
بسنده إلى:
أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي قال : سألت أبا عبد
الله أحمد بن محمد بن حنبل عمن يقول : القرآن مخلوق ، فقال : القرآن من علم الله ،
وعلم الله غير مخلوق ، فمن قال : مخلوق ، فهو كافر ، فالواقف الذي يبصر الكلام
ويعرف هو جهمي ، والذي لا يبصر ولا يعرف يبصر .
وهكذا في السنة للخلال:
1790 - وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
جَامِعٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ، أَنَّ أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ قِيلَ لَهُ: فَالْوَاقِفَةُ؟ قَالَ: " أَمَّا مَنْ كَانَ لَا
يَعْقِلُ، فَإِنَّهُ يُبَصَّرُ، وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ وَيُبْصِرُ الْكَلَامَ،
فَهُوَ مِثْلُهُمْ. قَالَ: وَالْقُرْآنُ حَيْثُ مَا تَصْرِفُ كَلَامُ اللَّهِ
غَيْرُ مَخْلُوقٍ ا.هـ
وهذه كسابقاتها والتبصير مر تفسير عند أحمد
أما النقل الثاني فعن الإمامين الرازيين فقال في
عقيدتهما:
ومن شك في كلام الله عز وجل فوقف شاكا فيه يقول : لا
أدري مخلوق أو غير مخلوق فهو جهمي . ومن وقف في القرآن جاهلا علم وبدع ولم
يكفر .
وهذا لا يخالف ما روي عن أحمد ، فالواقف
الجاهل يعلم كما قال أحمد فلا خلاف والحالة هذه، ثم إن هذين الإمامين كفرا من قال القرآن مخلوق ولم يشترطا لذلك إقامة حجة
ولا تبصير قائله ليحكم عليه بالكفر ، بل كفروا من شك فيكفره ممن يفهم ، ففرقا بين
الأمرين في الحكم فاشترطا الفهم في الثاني ولم يشترطاه في الأول؛ فدل هذا على
المسائل ليست على قدم واحدة بل فيها الظاهر والخفي فالأول لا عذر فيه بجهالة ومن
ذلك التوحيد ، وهناك مسائل لابد فيها من قيام الحجة وهو ما قصده أحمد والرازيان
رحمهم الله.
فبان بما ذكر أن الصفعة الموهومة وقعت في
وجوه المرجئة الضالة لكن الجاهل ظنها في وجوه أهل السنة لسوء فهمه وبلادة فكره
والله المستعان
0 التعليقات:
إرسال تعليق