Pages

الثلاثاء، 28 يناير 2014

نقد كتاب العذر بالجهل عند أئمة الدعوة للعويش_الجزء الأول


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أطلعني أحد الإخوة على كتاب بعنوان العذر بالجهل عند أئمة الدعوة لجامعه رشيد بن أحمد العويش ، حاول فيه صاحبه جاهدا نسبة العذر بالجهل لأئمة الدعوة ، ولو بتحميل كلامهم ما لايحتمل ، بل جره ذلك إلى الاستدلال برشيد رضا _على ضلاله _نصرة لمذهبه الباطل ، وأين رشيد رضا من أئمة الدعوة ، حتى يحكم فهمه في أقوالهم ، وأحببت في عجالة مناقشة صاحب الكتاب في دعواه دون توسع في النقل ، ولا تقرير للمسألة فهي عند العقلاء من الواضحات ، لولا تلبيس الجاهلين وانتحال المبطلين.
قال صاحب الكتاب:
نقلا عن المجدد كما في الدرر السنية (1/73):
وأما التكفير : فأنا أكفر من عرف دين الرسول، ثم بعد ما عرفه سبه، ونهى الناس عنه، وعادى من فعله، فهذا : هو الذي أكفر، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك.
وكلام الشيخ هذا يحمل على أحد وجهين:
إما أن ذلك كان في ابتداء دعوته ، إذ الزمن كان زمن فترة وانتشار للجهل بين الناس.
وإما أن يحمل على التكفير حتى في الحكم الأخروي وهذا منفي عند الكثير حتى تقوم الحجة.
كما يقال إن الشيخ ذكر ما يكفر به ولم يقصر التكفير عليه، فلم يقل لا أكفر إلا من عرف ،ولا ذكر فيه لشرط قيام الحجة ، فلا تعلق بكلامه رحمه الله.

وقال المؤلف ص4: في نقل مطول عن الشيخ الإمام وموضع الشاهد منه قوله:
..وهو الذي ندعوا الناس إليه، ونقاتلهم عليه، بعدما نقيم عليهم الحجة، من كتاب الله وسنة رسوله ،وإجماع السلف.كما في الدرر السنية(1/87).
وكلام الشيخ في واد وفهم الكاتب في آخر ، فالشيخ شرط القتال بإقامة الحجة ، ولم يتطرق للحكم عليهم بالشرك وفرق بين الأمرين لكل عاقل فقد  قال ابنُ قدامة رحمه الله في المغني(10/385):( فإنّ من بلغته الدعوة منهم لا يدعون وإن وجد منهم من لم تبلغه الدعوة دعي قبل القتال، وكذلك إن وجد من أهل الكتاب من لم تبلغه الدعوة دعوا قبل القتال. قال أحمد:إنَّ الدعوة قد بلغت وانتشرت ولكن إن جاز أن يكون قوم خلف الروم وخلف الترك على هذه الصفة لم يجز قتالهم قبل الدعوة……قال أحمد:كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الى الإسلام قبل أن يحارب حتى أظهر الله الدين و علا الإسلام، ولا أعرف اليوم أحد يدعى قد بلغت الدعوة كل أحد؛ فالروم قد بلغتهم الدعوة و علموا ما يراد منهم و إنما كانت الدعوة قبل الإسلام فمن دعا فلا بأس.)
ودليل هذا الأمر قوله صلى الله عليه وسلم لعلي(ثم ادعهم إلى الإسلام)، وهذه تختلف من عصر لآخر ، وليس هذا موضع بحثها.
وسياتي بيان تخليطه بين هذه المسألة وبين الحكم بالشرك عند نقله عن الإمام البخاري رحمه الله.
وقال في النقل الثالث:
فهي قول الإمام المجدد كما في الدرر(1/99):
وأما القول : أنا نكفر بالعموم ؟ فذلك من بهتان الأعداء، الذين يصدون به عن هذا الدين ؛ ونقول : ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) [النور:16] .
ولست أدري كيف فهم المؤلف من هذا النقل العذر بالجهل؟
فالشيخ بنفي فرية التكفير بالعموم ، وليس فيها العذر أو عدمه لا من قريب ولا من بعيدن لكن حال الكاتب كالغريق يبحث عما يتشبث به للنجاة ولو كان قشة.
والنقل الرابع فهو :
 وإذا كنا : لا نكفر من عبد الصنم، الذي على عبد القادر ؛ والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله ؟! إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) [النور:16].
فقد كفانا مؤنة الرد عليها إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ و عبدالله بن عبد اللطيف آل الشيخ رحم الله الجميع بقولهم كما في الدرر السنية(10/434):
وأما قوله - عن الشيخ محمد، رحمه الله -: إنه لا يكفر من كان على قبة الكواز، ونحوه، ولا يكفر الوثني حتى يدعوه، وتبلغه الحجة، فيقال: نعم; فإن الشيخ محمدا رحمه الله، لم يكفر الناس ابتداء، إلا بعد قيام الحجة والدعوة، لأنهم إذ ذاك في زمن فترة، وعدم علم  
بآثار الرسالة، ولذلك قال: لجهلهم وعدم من ينبههم، فأما إذا قامت الحجة، فلا مانع من تكفيرهم وإن لم يفهموها.
وفي هذه الأزمان، خصوصا في جهتكم، قد قامت الحجة على من هناك، واتضحت لهم المحجة، ولم يزل في تلك البلاد من يدعو إلى توحيد الله، ويقرره، ويناضل عنه، ويقرر مذهب السلف، وما دلت عليه النصوص من الصفات العلية، والأسماء القدسية، ويرد ما يشبه به بعض أتباع الجهمية، ومن على طريقتهم، حتى صار الأمر في هذه المسائل، ؛ في تلك البلاد، أظهر منه في غيرها، ولا تخفى النصوص والأدلة، حتى على العوام؛ فلا إشكال - والحالة هذه - في قيام الحجة وبلوغها، على من في جهتكم من المبتدعة، والزنادقة الضلال.
ولا يجادل في هذه المسألة، ويشبه بها، إلا من غلب جانب الهوى، ومال إلى المطامع الدنيوية، واشترى بآيات الله ثمنا قليلا، والله أعلم.
ولا أظن أحدا أعلم بمراد الشيخ من أئمة الدعوة من بعده.
والتعلق بهذه الكلمة لو كانت في آخر دعوته من التعلق بالمتشابه وترك المحكم البين وسيأتي بعضه.
وقال في النقل الخامس :
فإن كان المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه: أن يفهم كلام الله ورسوله، مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله، وخلا من شيء يعذر به، فهو كافر، كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن، مع قول الله: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أكنةأن يفقهوه } الأنعام 25وقوله: { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ}.
فأقول كلام الشيخ واضح في معنى قيام الحجة وهي بلوغ القرآن ، ومحاولة المؤلف لي كلام الشيخ فيه تكلف وتعسف ظاهرين ، خاصة إذا علمنا أن الشيخ صرح بذلك مرارا ولم يعقبه بما يزيل اللبس كفعل الكاتب .
وقد قال رحمه الله كما في الدرر(10/93):
وبعد: ما ذكرتم من قول الشيخ: كل من جحد كذا وكذا، وقامت عليه الحجة، وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم، هل قامت عليهم الحجة؟ فهذا من العجب، كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مرارا؟! فإن الذي لم تقم عليه الحجة، هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل الصرف والعطف، فلا يكفر حتى يعرف.
وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه، فإن حجة الله هو القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة؛ ولكن أصل الإشكال، أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة، وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين، لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} .ا.هـ
وقد تكرر هذا في مواضع من كلام الشيخ وأئمة الدعوة من بعده فعلى الكاتب أن يراجعها ليفهم مرادهم ، ولا يحمل كلامهم على فهمه الإرجائي.
ثانيا في تتمة كلام الشيخ السابق ما ينقض فهمك الخلفي ، فهو يقرر ان العذر في المسائل الخفية وليس في الظاهرة.
والنقل السادس عن الشيخ قول عبد الرحمن بن حسن عن الشيخ:
إنا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان بعد التعريف، إذا عرف ثم أنكر.
فنقل عجيب من المؤلف دفعه إليه تعجله في اصطياد الكلام ، فكلام الشيخ في القتال لا في التكفير وبينهما فرقا عند جميع أهل السنة، فكون الشيخ يقاتل على ترك الشهادتين بعد التعريف هو نفسه ما سبق القول فيه من الدعوة قبل القتال ، ولا تعلق لهذا بمسألة الاعتذار للمشركين البتة .فلا أدري لم حشرها المؤلف هنا؟.
والنقل السابع عن الشيخ هو :
أو أكفّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله.كما في الدرر(10/113).
ويجيبك عن هذا كلام أهل العلم رحمهم الله ققال الشيخ سليمان بن سحمان في تمييز الصدق من المين 147:
..ومنشأ الغلط أن هؤلاء لما سمعوا كلام الشيخ رحمه الله في بعض أجوبته يقول بعدم تكفير الجاهل والمجتهد المخطئ والمتأول ظنوا أن هذا يعم كل خطأ وجهل واجتهاد وتأويل وأجملوا ولم يفصلوا وهذا خطا محض فإنه ليس كل اجتهاد وجهل وخطأ وتأويل يغفر لصاحبه وأنه لا يكفر بذلك فإن ما علم بالضرورة من دين الإسلام كالإيمان بالله ورسوله وبما جاء به لا يعذر أحد بالجهل بذلك فقد أخبر الله سبحانه بجهل كثير من الكفار مع تصريحه بكفرهم ووصف النصارى بالجهل مع أنه لا يشك مسلم في كفرهم ونقطع أن أكثر اليهود والنصارى اليوم جهال مقلدون ونعتقد كفرهم وكفر من شك في كفرهم.ا.هـــ
ويقول الشيخ المجدد نفسه كما في الدرر(10/93):
فإن الذي لم تقم عليه الحجة، هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل الصرف والعطف، فلا يكفر حتى يعرف.ا.هـ
ثم ليس كل جاهل غير معذور ولا العكس ففرق بين من يمكنه الفهم والسؤال وبين من يعرض عن تعلم الدين بالكلية كما قرره غير واحد من الأئمة.
النقلان الثامن والتاسع عن المجدد هما:
فلما أظهرت تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، سبوني غاية المسبة، وزعموا أني أكفّر أهل الإسلام، وأستحل أموالهم، وصرحوا: أنه لا يوجد في جزيرتنا رجل واحد كافر، وأن البوادي يفعلون من النواقض، مع علمهم أن دين الرسول عند الحضر، وجحدوا كفرهم; وأنتم تذكرون: أن من رد شيئا مما جاء به الرسول بعد معرفته، أنه كافر.
فإذا كان المويس، وابن إسماعيل، والعديلي، وابن عباد، وجميع أتباعهم، كلهم على هذا، فقد صرحتم غاية التصريح: أنهم كفار مرتدون; وإن ادعى مدع: أنهم يكفرونهم، أو ادعى أن جميع البادية لم تتحقق من أحد منهم من النواقض شيئا، أو ادعى أنهم لا يعرفون أن دين الرسول خلاف ما هم عليه، فهذا كمن ادعى أن ابن سليمان، وسويد، وابن دوّاس، وأمثالهم، عباد زهاد فقراء، ما شاخوا في بلد قط، ومن ادعى هذا، فأسقط الكلام معه.
ونقول ثانيا: إذا كانوا أكثر من عشرين سنة، يقرون ليلا ونهارا، سرا وجهارا: أن التوحيد الذي أظهر هذا الرجل، هو دين الله ورسوله، لكن الناس لا يطيعوننا، وأن الذي أنكره هو الشرك، وهو صادق في إنكاره، ولكن لو يسلم من التكفير والقتال، كان على الحق؛ هذا كلامهم على رؤوس الأشهاد، ثم مع هذا يعادون التوحيد ومن مال إليه، العداوة التي تعرف، ولو لم يكفر ويقاتل.
وينصرون الشرك نصر الذي تعرف، مع إقرارهم بأنه شرك.ا.هـ     والكاتب _ اصلحه الله _ فهم من كلام الشيخ أنه كفرهم لأنهم عرفوا أن التوحيد هو دين الله ورسوله ثم يعادون التوحيد.ا.ه
وهذا لعمري أمر غريب واستدلال عجيب!!
إذ تكفير من عرف الحق وحاربه لا يعني اشتراط العلم للحكم بالشرك على فاعله ، وهو كمن قال إن جاحد الصلاة مع علمه  بذلك كافر، فلا يعني أن جاحدها جهلا غير كافر، ولا يفهم عربي عاقل أن تكفيره مبني على اشتراط العلم والمعرفة ، إلا من تلبس بالهوى وعميت بصيرته عن الصواب .نسأل الله السلامة والعافية .



أما النقل العاشر عن الشيخ الإمام فهو:
وكذلك تمويهه على الطغام: بأن ابن عبد الوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم! بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا، بأن من عمل بالتوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله، فهو المسلم في أي زمان، وأي مكان.
وإنما نكفّر من أشرك بالله في إلهيته، بعدما نبين له الحجة، على بطلان الشرك، وكذلك نكفر من حسنه للناس، أو أقام الشبه الباطلة على إباحته، وكذلك من قام بسيفه، دون هذه المشاهد، التي يشرك بالله عندها، وقاتل من أنكرها، وسعى في إزالتها؛ والله المستعان، والسلام.ا.هـ
وكون الشيخ يكفر بعد قيام الحجة لا ينفي إطلاق اسم الشرك عليه قبلها، وذكر الشيخ أحد طرفي الحكم لايعني نفي أو إثبات الطرف الثاني هذا أولا.
وثانيا لعل الشيخ يقصد التكفير الموجب للنار وهذا بعد قيام الحجةبدليل قوله تعالى : (وما كنا معذبين حتى تبعث رسولا).
وفرق بين إطلاق اسم الشرك على فاعل الشرك والحكم عليه بالكفر ظاهرا وباطنا مما يوجب له الخلود في النار.
وهذا الفهم حتى تتوافق أحكام الشيخ المشهورة مع هذه العبارة المحتملة ، فعبارات الشيخ في عدم العذر بالجهل أصرح وأشهر .


0 التعليقات:

إرسال تعليق