Pages

الخميس، 30 يناير 2014

نقد كتاب العذر بالجهل عند ائمة الدعوة للعويش _ الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد:
فهذا هو الجزء الثاني من الرد على كتاب العذر بالجهل عندأئمة الدعوة لجامعه رشيد بن أحمد العويش.

النقل الحادي عشر:
ولكن نكفر من أقر بدين الله ورسوله، ثم عاداه وصد الناس عنه ; وكذلك من عبد الأوثان، بعدما عرف أنها دين المشركين، وزينه للناس، فهذا الذي أكفره؛ وكل عالم على وجه الأرض يكفر هؤلاء، إلا رجل معاند، أو جاهل؛ والله أعلم، والسلام.
لو أخذت كلام الشيخ بإطلاقه لما كفر المشرك حتى بعد قيام الحجة، إذ كلام الشيخ في تكفير من أقر بالدين وصد عنه ، فلو خالف ولم يصد ما كفر على كلام الشيخ،ومن عبد الأوثان لا يكفر بهذا ولو بعد قيام الحجة بل حتى يزينه للناس، وهل ترى هذا الفهم السطحي لكلام الشيخ صوابا؟
والصواب أن الشيخ رحمه الله لم يقصر التكفير على هذا الصنف فقط ، فعابد الوثن عند الشيخ كافر ولو لم يزين الشرك للناس فذكر الشيخ لذلك صفة كاشفة لا قيد للحكم بالتكفير.
وحكم الشيخ بكفر هؤلاء لا يعني عدم تكفير من عداهم ممن جهلوا الشرك والتوحيد ، والشيخ في مثل هذه الرسائل لم يكن يهدف لتقرير المسألة وتوضيحها للناس بل كان يدفع عن نفسه التهم الباطلة من مثل تكفيره بالعموم، وأشباهها مما أثاره خصومه رحمه الله.
ثم الشيخ له كلام واضح فيمن لم تبلغه الحجة يقطع كل فهم مغلوط لمراده رحمه الله حيث قال كما في الدرر السنية(10/93)
كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مرارا؟! فإن الذي لم تقم عليه الحجة، هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل الصرف والعطف، فلا يكفر حتى يعرف.ا.هـ
أو يحمل كلامه رحمه الله على الكفر الباطن الذي يترتب عليه الحكم على المعين بالنار ، وهذا لا بد فيه من بيان الحجة.
أو أن الشيخ لم يكفر في ابتداء دعوته لأن الزمن زمن فترة كما قال قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في رسالة بعث بها إلى علي بن حمد بن سليمان:
 والزمان: زمان فترة، يشبه زمن الجاهلية، وإن كانت الكتب موجودة، فهي لا تغني ما لم يساعدهم التوفيق، وتؤخذ المعاني والحدود والأحكام، من عالم رباني»
ومما يبين أن منهج الشيخ يخالف هذا أقواله الواضحة يعدم العذر بالجهل، ومنها:
قوله في الرد على ابن صباح ، كما في تاريخ نجد ص 468
كذلك فقراء الشياطين الذين ينتسبون إلى الشيخ عبد القادر وهو منهم بريء كبراءة علي بن أبي طالب من الرافضة ، فلما رأوني آمر الناس بما أمرهم به نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم- ألاّ يعبدوا إلا اللَّه وأن من دعى عبد القادر فهو كافر، وعبد القادر منه بريء ، وكذلك من نخى الصالحين أو الأولياء أو ندبهم أو سجد لهم.ا.هـ
فهاهو يحكم بكفر من دعا عبد القادر أو الصالحين والأولياء ولم يقيد الحكم بالعلم ولا بلوغ الحجة.
ونصوص الشيخ أكثر من أن تحصر في تكفير عابد الوثن من غير اشتراط العلم ، وأهمها كتابه الفذ مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد.
النقل الثاني عشر:
قوله رحمه الله:
ونحن نقول فيمن مات : تلك أمة قد خلت ؛ ولا نكفر إلا من بلغته دعوتنا للحق، ووضحت له المحجة، وقامت عليه الحجة، وأصر مستكبراً معانداً، كغالب من نقاتلهم اليوم، يصرون على ذلك الإشراك، ويمتنعون من فعل الواجبات، ويتظاهرون بأفعال الكبائر، المحرمات ؛ وغير الغالب : إنما نقاتله لمناصرته من هذه حاله، ورضاه به، ولتكثير سواد من ذكر، والتأليب معه، فله حينئذ حكمه في قتاله، ونعتذر عمن مضى : بأنهم مخطئون معذورون، لعدم عصمتهم من الخطأ، والإجماع في ذلك ممنوع قطعاً ؛ ومن شن الغارة فقط غلط ؛ ولا بد أن يغلط، فقد غلط من هو خير منه، كمثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما نبهته المرأة رجع في مسألة المهر، وفي غير ذلك يعرف ذلك في سيرته، بل غلط الصحابة وهم جمع، ونبينا صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، سار فيهم نوره، فقالوا اجعل لنا ذات أنواط كمالهم ذات أنواط.
فإن قلت : هذا فيمن ذهل، فلما نبه انبته، فما القول فيمن حرر الأدلة ؟ واطلع على كلام الأئمة القدوة ؟ واستمر مصراً على ذلك حتى مات ؟ قلت : ولا مانع أن نعتذر لمن ذكر، ولا نقول : إنه كافر، ولا لما تقدم أنه مخطىء، وإن استمر على خطئه، لعدم من يناضل عن هذه المسألة في وقته، بلسانه وسيفه وسنانه، فلم تقم عليه الحجة، ولا وضحت له المحجة، بل الغالب على زمن المؤلفين المذكورين : التواطؤ على هجر كلام أئمة السنة في ذلك رأساً ؛ ومن اطلع عليه أعرض عنه، قبل أن يتمكن في قلبه ؛ ولم يزل أكابرهم تنهى أصاغرهم عن مطلق النظر في ذلك، وصولة الملوك قاهرة لمن وقر في قلبه شيء من ذلك إلا من شاء الله منهم .
كلام الشيخ أساسا فيمن لم تبلغه الدعوة ومات قبلها ، وقد سبق النقل أن ذلك كان زمن فترة، فحكم من مات في ذلك الزمن حكم أهل الفترة يحكم بشركهم لعملهم به ولا يكفرون كفرا باطنا ، وحكمهم في الآخرة لله رب العالمين، ومن لم يفرق بين حكم الدنيا وحكم الآخرة خلط في المسألة وضرب الكلام بعضه ببعض ، حتى يتهم أئمة الدعوة بالتناقض ، والصواب أن التناقض في فهمه وذهنه.
ويفهم من كلام الشيخ في أوله أنه يريد الكفر الباطن بدليل قوله : وأصر مستكبرا معاندا.
وآخر كلام الشيخ في رسالته يفيد أنه ما كان مقررا للمسألة  حيث قال:
هذا ما حضرني حال المراجعة مع المذكور، مدة تردده، وهو يطالبني كل حين بنقل ذلك وتحريره، فلما ألح علي : نقلت له هذا من دون مراجعة كتاب، وأنا في غاية الاشتغال بما هو أهم من أمر الغزو ؛ فمن أراد تحقيق ما نحن عليه، فليقدم علينا الدرعية، فسيرى ما يسر خاطره، ويقر ناظره، من الدروس في فنون العلم، خصوصاً التفسير، والحديث ؛ ويري ما يبهره بحمد الله وعونه، من إقامة شعائر الدين، والرفق بالضعفاء والوفود والمساكين .
وباقي الكلام خاص بأصحاب المذاهب والاعتذار لهم عما وقعوا فيه من غلط عدا الشرك
وبالتالي فمثل هذا الكلام على فهمكم لا يرد الواضح من كلامه وتأصيله كما في كتاب مفيد المستفيد.
النقل الثالث عشر:
عن الشيخ ابن سحمان قال:
بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم في أي زمان وأي مكان وإنما نكفر من أشرك بالله في الاهيته بعد ما تبين له الحجة على بطلان الشرك وكذلك نكفر من حسنه للناس أو أقام الشبة الباطلة على إباحته وكذلك من قام بسيفه دون هذه المشاهد التي يشرك بالله عندها وقاتل من انكرها وسعى في إزالتها.
سبق بيان مراد الأئمة ببلوغ الحجة التي هي القرآن ، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة ، ومن فهم من كلام الأئمة غير هذا فهو جاهل بكلامهم، هذا أولا
وثانيا : الشيخ ابن سحمان قال بعد الكلام السابق كلاما واضحا في تكفير المشرك ولم يقيده بالحجة حيث قال في نفس الكتاب ص 33:
بل قوله مما أجمعت عليه الرسل واتفقت عليه الكتب كما يعلم ذلك بالضرورة من عرف ما جاؤا به وقصدوه . ولا يكفر إلا على هذا الاصل بعد قيام الحجة المعتبرة فهو في ذلك على صراط مستقيم متبع لا مبتدع وهذا كتاب الله وسنة رسوله وكلام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من أهل العلم والفتوى معروف مشهور مقرر في كتبهم في حكم من عدل بالله وأشرك به وتقسيمهم للشرك إلى أكبر وأصغر فالحكم على المشرك الشرك الاكبر بالكفر مشهور عند الامة لا يكابر فيه إلا جاهل لا يعرف ما الناس فيه من أمر دينهم وما جاءت به الرسل وقد أفرد هذه المسألة بالتصنيف غير واحد من أهل العلم وحكى الاجماع عليها وإنها من ضروريات الاسلام كما ذكره تقي الدين ابن تيمية وابن القيم الجوزية وابن عقيل وصاحب الفتاوى البزازية وصنع الله الحلبي والمقريزي الشافعي ومحمد بن حسين النعمي الزبيدي ومحمد ابن إسماعيل الصنعاني ومحمد بن علي الشوكاني وغيرهم من أهل العلم .ا.ه
وقوله هنا الحجة المعتبرة هي كما سبق بيانه بلوغ القرآن للمشرك كما قال المجدد كما في الدرر السنية (10/93):
وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه، فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال، أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة، وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين، لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44]، وقيام الحجة نوع، وبلوغها نوع - وقد قامت عليهم-، وفهمهم إياها نوع آخر، وكفرهم ببلوغها إياهم، وإن لم يفهموها.ا.ه
فلا تعارض بين كلام الأئمة بحمد الله ، والخلط جاءكم من قيام الحجة فظننتم أن مرادهم بها بيان الشرك لكل مشرك من عالم يقدر على قيام الحجة وإزالة الشبهة ، ولو تعامل الناس بهذا ما كفرنا إلا القليل ولتعطلت كثير من النصوص ، وخالفنا سلف الأمة  وعلماءها.
وعلى هذا المراد تحمل جميع نصوص الأئمة التي فيها تقييد التكفير بقيام الحجة أو بلوغها ،وهي كثيرة في كتاب الجامع، وينبغي حمل كلامهم على مرادهم لا على مراد الناقل  كما قال شيخ الإسلام  في مجموع الفتاوى(7/36):
و"ليس لأحد أن يحمل كلام أحد من الناس إلا على ما عرف أنه أراده"اهـ
وقال في الجواب الصحيح (4/176): "فإنه يجب أن يفسر كلام المتكلم بعضه ببعض، ويؤخذ كلامه هاهنا وهاهنا، وتعرف ما عادته يعنيه ويريده بذلك اللفظ إذا تكلم به، وتعرف المعاني التي عرف أنه أرادها في موضع آخر؛ فإذا عرف عرفه وعادته في معانيه وألفاظه؛ كان هذا مما يستعان به على معرفة مراده، وأما إذا استعمل لفظه في معنى لم تجر عادته باستعماله فيه، وترك استعماله في المعنى الذي جرت عادته باستعماله فيه، وحمل كلامه على خلاف المعنى الذي قد عرف أنه يريده بذلك اللفظ، بجعل كلامه متناقضاً، وترك حمله على ما يناسب سير كلامه؛ كان ذلك تحريفاً لكلامه عن موضعه، وتبديلاً لمقاصده، وكذباً عليه"اهـ
لئلا يقع فيما قاله شيخ الإسلام رحمه الله في المجموع (2/374):
: "وهؤلاء قد يجدون من كلام بعض المشايخ كلمات مشتبهة مجملة؛ فيحملونها على المعاني الفاسدة؛ كما فعلت النصارى فيما نقل لهم عن الأنبياء، فيدعون المحكم، ويتبعون المتشابه"اهـ
وفيما قال أيضا في الصارم (1/287):
 "وأخذ مذاهب الفقهاء من الإطلاقات من غير مراجعة لما فسروا به كلامهم، وما تقتضيه أصولهم، يجر إلى مذاهب قبيحة"اهـ
وهذا ما وقع للكاتب ومن سار في مساره حيث حمل كلام الأئمة على فهمه هو فتناقض كلامهم، ولو حمله على مرادهم وجمع كلامهم بعضه إلى بعض لانزاحت عنه الشبهة، واندفع التناقض.
واعلم أن دعوة المجدد مرت بمراحل وإليك ما كتبه محمد بن عبد الله بن سليمان السلمان في كتاب دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي:
ولم تسلك الدعوة مع هؤلاء كلهم سبيل الشدة من أول الأمر ؛ بل سلكت معهم سبل الإقناع المختلفة من تدريس ووعظ , ومناظرة , ومراسلة , وتأليف - كما تقدم - ولذلك يقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : " ولا نكفّر إلا من بلغته دعوتنا للحق ووضحت له المحجة , وقامت عليه الحجة , وأصر مستكبرا معاندا كغالب من نقاتلهم اليوم يصرون على ذلك الإشراك , وغير الغالب نقاتله لمناصرته لمن هذه حاله ورضاه عنه " (1) .
ولعل أقرب دليل على أن الدعوة لم تسلك سبيل الشدة مع هؤلاء من أول أمرها الأدوار أو المراحل التي مرت بها الدعوة - كما سبق بيانها - وهي ثلاثة :
1 - الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن في كل من ( حريملاء والعيينة والدرعية ) .
2 - مرحلة تطبيق مبادئ الدعوة في العيينة من هدم القباب , وقطع الأشجار , وإقامة الحدود .
3 - دور الجهاد بالسيف لحمل الناس بالقوة على الرجوع إلى دينهم الإسلامي الصحيح وذلك بعد سنتين من قدوم الشيخ إلى الدرعية , وقد قضى الشيخ السنتين في مراسلة ومناظرة مع مخالفيه في محاولة لإقناعهم بالرجوع إلى الدين الصحيح .ا.ه





0 التعليقات:

إرسال تعليق