Pages

الجمعة، 28 فبراير 2014

نقد كتاب العذر بالجهل عند أئمة الدعوة _الجزء الخامس


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد:


فهذا هو الجزء الخامس من الرد على كتاب العذر بالجهل عندأئمة الدعوة لجامعه رشيد بن أحمد العويش.
بعد أن أكمل النقول التي تدعم ما ذهب إليه في رأيه وقد تم دحضها بحمد الله ، ذهب يخبط في موضع آخر ألا وهو فهم الحجة هل هو شرط أم ليس بشرط، وأعاد بعض ما نقله سابقا عن الأئمة وجاء بنقول جديدة وهي المعنية بالرد هنا
1_ نقل ص 32 تعليقا لرشيد رضا حول كلام الشيخ المجدد كما في مجموع الرسائل النجدية (5/638).
وجوابا عليه أقول:
أولا :نقلك عن هذا الرجل مخالف لصلب الكتاب وهو قول أئمة الدعوة وليس منهم بل هو مخالف لهم في كثير من المسائل.
ثانيا: رشيد رضا ليس بمرضي عند أهل السنة لكثرة انحرافاته وضلاله عن منهج السلف فلا يستدل بتعليقه ولا بكلامه .
ومن أهم انحرافات الرجل عدم احتجاجه بخبر الآحاد وينظر لذلك رسالة من قدم الكتاب حول حجية خبر الآحاد.ومن أراد معرفة ضلال الرجل فعليه بكتاب الشيخ مقبل رحمه الله.
ثالثا:للمعلق كلام آخر يخالف فهم الناقل فهو يقرر عدم العذر بالجهل وفاقا لأئمة الدعوة وهذا نص كلامه(4/517) هامش رقم 1:
علماء الأمة متفقون على أن الجهل بأمور الدين القطعية المجمع عليها التي هي معلومة منه بالضرورة كالتوحيد والبعث وأركان الإسلام وحرمة الزنا والخمر ليس بعذر للمقصر في تعلمها مع توفر الدواعي ، وأما غير المقصر كحديث العهد بالإسلام والذي نشأ في شاهق جبل مثلا أي حيث لا يجدون من يتعلم منه فهو معذورا.ه
وقال ص524:
الأقسام التي ذكرا ثلاثة (الأول) ما يكفر به مطلقا ولا يعذر بجهله وهو ما عبر بالأمور الظاهر حكمها وعبر عنه المحققون بالأمور الملعومة من الدين بالضرورة المجمع عليها ، واستثنوا من عموم الإطلاق قريب العهد بالإسلام ومن نشأ بعيدا عن المسلمين الين يمكنه التعلم منهم.ا.ه ثم شرع يوضح بعض صور هذا.
فكيف أخذت ما هو حجة لك في نظرك وأعرضت عما ينقض كتابك من أساسه ؟ إن لم يكن هذا هو الهوى فماذا يسمى؟
وكلام الشيخ هو كما في مجموع الرسائل والمسائل النجدية(5/537) :
فالجواب أن يقال إن الله تعالى أرسل الرسل (مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على حجة بعد الرسل) فكل من بلغه القرآن ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قامت عليه الحجة قال الله تعالى (لأنذركم به ومن بلغ)وقال تعالى (وما كنا معذبين رسولا)
وقد أجمع العلماء على أن من بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أن حجة الله قائمة عليه.ا.ه
وقال في الكلام الذي علق عليه رشيد رضا وفرح به الجاهلون:
فكل من بلغه القرآن فليس بمعذور ، فإن الأصول الكبار التي هي أصل دين الإسلام قد بينها الله في كتابه ووضحها وأقام بها الحجة على عباده وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهما جليا كما يفهمها من هذاه الله وفقه وانقاد لأمره ..ا.ه
فهل هذا الكلام يحتاج تعليق من مثله ؟ أو توضيح ممن يخالف السنة لفهمه؟.
وأعجب منه أن يذهب الكاتب بعيدا في فهم كلام الشيخ الواضح بخلاف ما قصده حيث جعل كلام المجدد في قيام الحجة ببلوغ القرآن، أن يقرأ الناصح القرآن على أهل الضلال ، وهذا جهل من الكاتب بمراد الشيخ فمن بلغه القرآن وتحركت نفسه لطلب الحق يسأل ليفهم مراد الله ، بخلاف أهل الشرك والعناد المعرضون عن ذلك، فلو أراداو فهم النص لسألوا عن ذلك .
ثم استدل لفهمه باستشكال الصحابة لبعض الآيات حتى شرحها له النبي عليه السلام حيث قال:وكان الصحابة قد لا يفهمون مراد الله من بعض الآيات وهم العرب الأقحاح الذين يتمتعون بالفصاحة والذكاء المتوقد، فلا يكتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجرد تلاوة القرآن فيحل ما أشكل عليهم ويبين مراد الله من الآيات التي استشكلوها ، وكم بين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجملات القرآن بقوله وفعله.ا.ه
وهذا فيه عليه ملاحظات :
أولا :هل هذه الآيات التي لم يفهمها الصحابة كانت في توحيد رب العالمين أم كانت في أمور الشرائع والأمور الخفية التي لا تدخل فيما نحن فيه؟
فإن قلت هي في التوحيد طالبناك بالبرهان ,وإلا فأنت كاذب .
وإن قلت في الشرائع قلنا لك ليس ذاك ما نختلف فيه فلا داهي للتهويل  والشطط.
ثانيا: هل الصحابة لما لم يفهموا بعض الأمور سكتوا أم سألوا ليفهموا مراد الله على وجهه؟ فإن قلت  سألوا وهو المعروف من حالهم قلنا لك وحال أهل الشرك أنهم لا يسألون ولا تتحرك نفوسهم لطلب الحق فبطلت حجتك بهذا.
ثم شرع في نسبة باطله لأئمة الإسلام بجهله وحمقه حيث نسب ذلك لعدد منهم وهذا تفصيل نقله عنهم وبيان بطلان تعلقه بذلك .
1_الإمام البخاري:
حيث قال في صحيحه(9/16):
بَابُ قَتْلِ الخَوَارِجِ وَالمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115] وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ، وَقَالَ: «إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ»ا.ه
ونقل كلام العيني تعليقا على هذا الموضع حيث قال:
أشار بهذه الآية الكريمة إلى أن قتال الخوارج والملحدين لا يجب إلا بعد إقامة الحجة عليهم وإظهار بطلان دلائلهم والدليل عليه هذه الآية لأنها تدل على أن الله لا يؤاخذ عباده حتى يبين لهم ما يأتون وما يذرون.ا.ه
والعجيب أن هذا الرجل عديم الفهم حتى في الواضح من الكلام، ففي كلام البخاري رحمه الله اشتراط إقامة الحجة قبل القتل ولا تلازم بين هذا وبين الحكم على فاعل الشرك بأنه مشرك ، فكل من فعل الشرك حكم به عليه لكن لا يقلت حتى يستتاب وهذا هو مراد البخاري بتبويبه  ذاك ، وقد سبق بيان الكلام على هذه المسألة في بداية الرد  فليراجع.
والغريب أن الكاتب نقل من مجموعة الرسائل والمسائل النجدية تعليقا لرشيد رضا وليس برشيد حقا، لكنه تعامي عن الكلام الموجود في نفس الموضع وقبله بوريقات حول هذا الموضوع بذاته، ولولا طوله لنقلته.
2-قول الشافعي كما في فتح الباري:
لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر واما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر.ا.ه
هذا حجة عليك يا مسكين !!
فليس إدراك أسماء الله وصفاته وما يجب له وما يمتنع مثل إدراك أنه المتفرد بالألوهية واستحقاق العبادة، وانظر مناط قول الشافعي تفهم كلامه ، فإدراك  وحدانية الله مدرك بالعقل كما نص عليه غير واحد من أهل العلم ، لكن المؤاخذة عنه تدرك بالسمع لا بالعقل.
وبعض مسائل الصفات هي من المسائل الخفية التي كان أئمة الدعوة يعذرون فيها بالجهل.
ولتتمة البيان هذا كلام نفيس للشافعي حول مسألة الجهل في كتابه الرسالة:
العلم علمان : علم عامة لا يسع بالغا غير مغلوب على عقله جهله مثل الصلوات الخمس وأن لله على الناس صوم شهر رمضان وحج البيت إذا استطاعوه وزكاة في
أموالهم وأنه حرم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر وما كان في معنى هذا مما كلف العباد أن يعقلوه ويعلموه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم وأن يكفوا عنه ما حرم عليهم منه وهذا الصنف كله من العلم موجود نصا في كتاب الله موجودا عاما عند أهل الإسلام ينقله عوامهم عمن مضى من عوامهم يحكونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتنازعون في حكايته ولا وجوبه عليهم وهذا العلم الذي لا يمكن فيه الغلط من الخبر والتأويل ولا يجوز فيه التنازع  
قال فما الوجه الثاني  قلت له ما ينوب العباد من فروع الفرائض وما يخص به من الاحكام وغيرها مما ليس فيه نص كتاب ولا في أكثر نص سنة وإن كانت في شئ سنة فإنما هي من أخبار الخاصة ولا أخبار العامة وما كان منه يحتمل التأويل ويستدرك قياسا  قال فيعدو هذا أن يكون واجبا وجوب العلم قبله أو موضوعا عن الناس علمه حتى يكون علمه منتفلا ومن ترك علمه غير آثم بتركه..ا.ه
3_ابن قدامة نقل عنه من المغني قوله(10/85):
فيخرج فيمن كان مثلهم مثل حكمهم وكذلك كل جاهل بشيء يمكن أن يجهله لا يحكم بكفره حتى يعرف ذلك وتزول عنه الشبهة ويستحله بعد ذلك.ا.ه
وليس في كلامه ما يفيدك لأمرين:
أولا :سياق كلامه ليس في الشرك بالله حتى تجعله عاما ، بل هو في الخوارج وفي من شرب الخمر متأولا كعثمان بن مظعون رضي الله عنه ، وهذه مسائل خفية قد يخطئ فيها البعض للشبهة ، وليس من ذلك الشرك بالله.
ثانيا: ابن قدامة قيد كلامه ولم يطلق كما أراد الجاهل، بل قال يمكن أن يجهله، وهذا يخرج أمور الشرك من هو بين المسلمين ، فلا يمكن فيه قبول دعوى الجهل بحال ،وأول كلام ابن قدامة يوضح ذلك حيث قال(10/83):
فصل : ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير والزنا وأشباه هذا مما لا خلاف فيه كفر لما ذكرنا في تارك الصلاة وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك.ا.ه
فلم يعذر بالجهل في أمثال اعتقاد حل لحم الخنزير، أو حل الزنا ، أفيقبل مثله دعوى الجهل في الشرك برب العالمين وهو أصل الأصول؟
تبا للجهل والهوى.
ثم ذكر الجامع حديث الأسود بن سريع حول امتحان الأربعة .وهو:
«أَرْبَعَةٌ يَحْتَجُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَصَمُّ، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرِمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ، فَأَمَّا الْأَصَمُّ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ، وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ، فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونَنِي بِالْبَعَرِ، وَأَمَّا الْهَرِمُ، فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ، فَيَقُولُ: رَبِّ، مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ رَسُولًا أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا كَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا»
 ولم يبين وجه الحجة فيه إلا أن يقصد أهل الفترة ، فيقال أن مشركي زماننا ليسوا أهل فترة فلا داعي للتلبيس ، أما إن عدهم في الحمقى فذاك أبعد  من الأول لأن فيهم من هو مبرز في علوم كثيرة لكنه واقع في الشرك فحكمك هذا تعميم في غير محله.
وبحث هذا الحديث له ذيول ومن أراد الاستفادة فليراجع كتاب أهل الفترة ومن في حكمهم لموفق أحمد شكري، فهو نفيس في هذا الباب.





 

0 التعليقات:

إرسال تعليق