بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أما
بعد:
فهذه الحلقة الرابعة من مناقشة كتاب حاج عيسى حول العذر بالجهل:
فهذه الحلقة الرابعة من مناقشة كتاب حاج عيسى حول العذر بالجهل:
قال في سرده
لأباطيله:
الشبهة الثامنة : بلوغ
الحجة يكفى دون فهمها
وتبعا للشبهة السابقة يقول بعضهم: إنه لا يشترط في إقامة الحجة فهمها، بل يكفي
بلوغها، لأن الله أخبر أن المشركين قامت عليهم الحجة ومع أنهم لم يفهموها ؛ نزل
القرآن وسمعوه وجاءهم النذير صلى الله عليه وسلم وأنذرهم واستمروا على كفرهم فلم
يعذروا، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه
الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار » وقال تعالى في وصف الكفار :
( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا
دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [البقرة171] ومع
ذلك قامت عليهم الحجة فأخبر أن مثلهم مثلُ من يسمع الصوت ولا يفهم المعنى كمثل
الغنم التي ينعق لها الراعي فتسمع الصوت ولا تفهم النداء ، ومنهم من يؤيد مذهبه
ببعض متشابه كلام ابن عبد الوهاب في هذه القضية حيث قال :« وقيام الحجة نوع
وبلوغها نوع ، وقد قامت عليهم ، وفهمهم إياها نوع آخر ، وكفرهم ببلوغها إياهم وإن
لم يفهموها ».
والجواب:
أولا : أن فهم معاني
الآيات والأحاديث ضروري كما سبق ، أما بلوغها دون فهم فلا يعقل أن يكون لها أثر في
قيام الحجة وتغير الأحكام ، لذلك يعبر بعض العلماء بقولهم بلوغ الدعوة بدلا من
بلوغ القرآن، ويقولون أما الذين لم تبلغهم الدعوة على وجه تقوم به الحجة عليهم
فأمرهم إلى الله عز وجل.
يجاب عن هذا:
أولا: ما الذي جعل
فهما الحجة ضروري وما دليله ومن قال به من أهل العلم؟
فالكلام المرسل بلا
دليل لا يستحق أن يناقش فبين بعلم لنعرف كيف نرد على كلامك المطلق.
ثانيا: أما التفريق
بين بلوغ الحجة وبين بلوغ الدعوة فلا ينبني عليه كبير فائدة لأنك لم تذكر ضابط
البلوغ المعتبر تحديدا.
ثالثا: ماهو حد
الفهم المذكور المطلوب عندك ، فإن أردت فهم الخطاب فهذا هو المراد بقوله تعالى {وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}.
وإن أردت فهمها
بمعنى أن تظهر قوتها عندها ، فهذا لم يقل به عالم فيما نحسب ، لأن فيه قصر الكفر
على العناد فقط وهو باطل، وفساد اللازم دليل فساد الملزوم.
وكلام الشيخ المجدد
لذي ذكرته ليس من المتشابه بل هو من محكم كلامه رحمه الله وهذا كلامه بتمامه في
المسألة من رسائله الشخصية ص244:
ما ذكرتم من قول الشيخ
كل من جحد كذا وكذا وقامت عليه الحجة وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت
عليهم الحجة فهذا من العجب كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مراراً، فإن الذي لم تقم
عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة
خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف ؛ وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها
في كتابه فإن حجة الله هو القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال
أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين
لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى : (( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو
يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا)) وقيام الحجة نوع، وبلغوها نوع وقد قامت
عليهم وفهمهم إياها نوع آخر وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها. إن أشكل عليكم ذلك
فانظروا قوله : صلى الله عليه وسلم في الخوارج (( أينما لقيتموهم فاقتلوهم )) وقوله
: (( شر قتلى تحت أديم السماء )) مع كونهم في عصر الصحابة ويحقر الإنسان عمل الصحابة
معهم ومع إجماع الناس أن الذي أخرجهم من الدين هو التشدد والغلو والاجتهاد وهم يظنون
أنهم يطيعون الله وقد بلغتهم الحجة ولكن لم يفهموها، وكذلك قتل علي رضي الله عنه الذين
اعتقدوا فيه وتحريقهم بالنار، مع كونهم تلاميذ الصحابة مع مبادئهم وصلاتهم وصيامهم
وهم يظنون أنهم على حق، وكذلك إجماع السلف على تكفير غلاة القدرية وغيرهم مع علمهم
وشدة عبادتهم وكونهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم لأجل
كونهم لم يفهموا. إذا علمتم ذلك فإن هذا الذي أنتم فيه كفر، الناس يعبدون الطواغيت
ويعادون دين الإسلام فيزعمون أنه ليس ردة لعلهم ما فهموا الحجة، كل هذا بين، وأظهر
مما تقدم الذين حرقهم علي فإنه يشابه هذا، وأما إرسال كلام الشافعية وغيرهم فلا يتصور
يأتيكم أكثر مما أتاكم فإن كان معكم بعض الإشكال فارغبوا إلى الله تعالى أن يزيله عنكم
والسلام.
وقال الشيخ أبا بطين
في الدرر السنية ( 10 / 360 ، 375 ) : إن قول الشيخ تقي الدين : إن التكفير والقتل
موقوف على بلوغ الحجة(1) يدل من كلامه على أن هذين الأمرين وهما التكفير والقتل ليسا
موقوفين على فهم الحجة مطلقا بل على بلوغها ففهمها شيء وبلوغها شيء آخر ، فلو كان هذا
الحكم موقوفا على فهم الحجة لم نكفر ونقتل إلا من علمنا أنه معاند خاصة ، وهذا بين
البطلان بل آخر كلامه رحمه الله يدل على أنه يعتبر فهم الحجة في الأمور التي تخفى على
كثير من الناس وليس فيها مناقضة للتوحيد والرسالة كالجهل ببعض الصفات.ا.ه
ثم قال:
ثانيا : أن الله تعالى
قال: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى
يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ)[التوبة:115] فقال:(حَتَّى يُبَيِّنَ) وهذا هو
قيام الحجة لا مجرد قراءتها، فإن شوش بعضهم بقوله:" إنه قال "حتى يُبين"،
ولم يقل حتى يتبين"، فيقال له: بَيَّن فتبَيَّن، بدليل قوله تعالى:( وَمَنْ
يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ
سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ
مَصِيراً )[النساء:115] .
يجاب عن هذا التخليط
بما يلي:
أولا :استدلالك
بالآية الأولى عليك لا لك ، لأن الله عز وجل بين التوحيد بيانا شافيا كافيا ، وحذر من الشرك كذلك وبين
عواقبه وهذا بين ظاهر لكل من قرأ القرآن ووفقه الله للهدى ، فإن كان التوحيد غير
مبين للناس فهذا يقتضي إبطال الحكمة من إرسال الرسل عليهم السلام.
ثانيا: ليس لك في
الآية الثانية أي متعلق لسببين:
الأول : أن الآية في
العذاب وليس في الحكم، وإدخال هذا في هذا دليل قلة الفهم وبعد عن تأصيل المسألة
فليس كل من حكم عليه باسم الشرك يكون معذبا ، بل منهم من يمتحن كحال أهل الفترة
ومن في حكمهم.
الثاني: ليس في
الآية نفي التعذيب عن غير من تبين له الهدى ، فكون الله يعذب من تبين له الهدى ثم
شاق رسوله ، لا يعني أن غيره ليس بمعذب ، واستفادة القصر من لفظ الآية غلط في
الفهم تأباه العربية.
فكل من شاق الرسول
بعد أن تبين له الهدى فهو متوعد بالعذاب ، وليس كل من عُذب شاق الرسول بعد أن تبين
له الهدى.
فجهال المشركين في
النار مع أن الهدى لم يتبين لهم ولو تبين لهم لاتبعه بعضهم على الأقل، فليس كل من
كفر كان كفره عن عناد. بل هناك كفر الإعراض وقد قال فيه ابن القيم في المدارج
(1/337):
وأما كفر الإعراض : فأن
يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول لا يصدقه ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه ولا يصغي إلى
ما جاء به ألبتة كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي : والله أقول لك كلمة إن كنت صادقا
فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك وإن كنت كاذبا فأنت أحقر من أن أكلمك .
فمن هذا حاله كافر
بلا ريب فهل يقال لم يتبين له الهدى؟ فلا يحكم بكفره.
قال الشيخ عبد
اللطيف في مصباح الظلام ص206:
وقوله: (وهؤلاء الذين كفَّرهم هذا الرجل لم يصدُّوا عن سبيل الله، ولم
يشاقوا الرسول) .
إن أراد أن من عبد الصالحين
بالحب مع الله، والخضوع، والدعاء، والذبح، والنذر ونحو ذلك من العبادات، لم يصدوا عن
سبيل الله، ولم يشاقوا الرسول، مع ما هم فيه من الشرك البواح والكفر البيِّن ودعوة الناس إلى مذهبهم، وتحسينه للجهال والغوغاء وإيراد الشبهات على صحته، فهذا أكبر دليل، وأوضح برهان على أن هذا المعترض لم يأنس
بشيء مما جاءت به الرسل، ولم يفقه مراد الله ورسوله، ولم يدرِ ضروريات الْإِسلام التي
يعرفها كل من تصوُّره وعرف حقيقته، فضلًا عمن
قَبِله ودان به.
وفيه جهله بمعنى الصد
والمشاقة التي يعرفها آحاد الناس، وكون عبَّاد القبور شيَّدوا المنار، وعمَّروا المدارس،
واستقبلوا القبلة، فليس هذا هو الْإِسلام حتى يستدل به على إسلام من دعا الأموات والصالحين،
وجعلهم أندادًا لله ربِّ العالمين.
وقال بعد ذلك:
ثالثا : ولا يصلح هنا
التمسك بالآيات التي تنفي الفقه والفهم عن الكفار، لأن المقصود نفي الفقه والفهم
المورِّث للانتفاع، لا نفي فهم المعنى المراد، مثله مثل نفي السماع عنهم ، كقوله
تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ
أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)[الأنفال:23] فهل يقال إن الحجة
قامت عليهم من غير سماع .
والجواب أن السماع
المنفي هو سماع القلوب كما قال ابن القيم رحمه الله في الآية:
وهذا الإسماع أخص من
إسماع الحجة والتبليغ فإن ذلك حاصل لهم وبه قامت الحجة عليهم لكن ذاك إسماع الآذان
وهذا إسماع القلوب فإن الكلام له لفظ ومعنى وله نسبة إلى الآذان والقلب وتعلق بهما
فسماع لفظه حظ الأذن وسماع حقيقة معناه ومقصوده حظ القلب فإنه سبحانه نفى عن الكفار
سماع المقصود والمراد الذي هو حظ القلب وأثبت لهم سماع الألفاظ الذي هو حظ الأذن.
فلا يصح لك
الاستدلال على اشتراط الفهم للحجة ، مع أنك لم تبين مراد بفهم الحجة بوضوح .
ثم قال:
وهذا هو
مراد ابن عبد الوهاب الذي قال في موضع :" فإذا كان المعين يكفَّر إذا قامت
عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم
أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به
فهو كافر".
الجواب:
سبق نقل كلامه الآخر
في عدم اشتراط الفهم وهو أصرح من هذا وأكثر وضوحا لكن من ابتلي بزيغ القلب تعلق
بالمتشابه
وقال:
وهذا المنهج هو الطريق
الذي ينبغي أن يسلك مع النصوص المتشابهة أو التي ظاهرها التعارض ، وكذلك في شرح
كلام العلماء وفهم مرادهم، وإلا كيف يصنع المخالف بقول ابن عبد الوهاب :« وإذا كنا
لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبة عبد القادر ، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي
وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم ، فكيف نكفر من لم يشرك بالله ...» وفي بعض
النسخ "لأجل جهلهم وعدم من يفهمهم".
الجواب أن هذا النص من الإمام
أكبر ما تتعلق به مرجئة العصر ، وكأن الشيخ لم يقل إلا هذا القول ومن غرائب حالكم
أنكم تعرضون عن نصوصه الأخرى الواضحة والكثيرة في تكفير عباد القبور وعدم عذرهم
بالجهل، ومما يوضح ذلك كتابته مفيد المستفيد فهو محكم وكل نص متشابه يرد إليه وإلى
تأصيله فيه لمسألة تكفير المعين.
ولو ذهبنا ننقل
أقواله في تكفير عباد القبور لما وسعنا
المقام .
على أنه قد أجيب عن
هذا القول بأنه كان في ابتداء دعوته رحمه الله كما ذكره الشيخ عبد اللطيف ويمكن أن
يقال أن الشيخ نفى عنهم التكفير الموجب للعذاب لكنه ما سماهم مسلمين وهذا حق لا
مرية فيه ففاعل الشرك مشرك ، لكن الحكم بتكفير الكفر الموجب للنار لابد فيه من
إقامة الحجة ولعل هذا مقصود الإمام رحمه الله .
ثم قال ملبسا:
رابعا : أما الاحتجاج
بقوله صلى الله عليه وسلم:« والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي
ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار»، على أنه يكفي السماع به دون السماع
بموضوع دعوته وفهم مراده فمن أبعد الأمور. وقال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ: ( وإذا
بلغ النصراني ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم- ولم ينقد لظنه أنه رسول
الأميين فقط، فهو كافر وإن لم يتبين له الصواب في نفس الأمر، كذلك كل من بلغته
دعوة الرسول بلوغا يعرف فيه المراد والمقصود فرد ذلك لشبهة أو نحوها فهو كافر، وإن
التبس عليه الأمر وهذا لا خلاف فيه ) [مصباح الظلام ص 326].
وردا على هذا أقول:
قال صاحب مرقاة
المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح:
وحاصل المعنى لا يعلم
برسالتي (أحد) أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة فكلهم ممن يجب عليه الدخول
في طاعته.
وعلى قولك المائع هل
يلزم لتكفير النصراني أن تبلغه الدعوة كاملة؟ إن قلت نعم أتيت بباطل من القول
ولازمه الشك في كفر أعيان النصارى وهو كفر في ذاته.
وإن قلت لا يلزم
نقضت قولك الأول ورجعت لمعنى الحديث كما هو وهو السماع برسالته ودعوته.
وقال أيضا:
وقال بعض
أهل العلم: (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة) هذا كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -
«من رآني في المنام فقد رآني»، ففي هذا الحديث المعنى من رآه على صورته التي خلقه
الله جل وعلا عليها، وفي حديث (لا يسمع بي) المعنى سمع بي على ما بعثني الله جل
وعلا عليه، فإذا كان هناك سماع محرّف، سماع ليس فيه وصف لما جاء به النبي صلى الله
عليه وسلم على ما جاء به النبي فهو من جنس رؤية النبي صلى الله عليه وسلم على
غير صورته، فلا يكفي ذلك في معرفة الحق، لأنه لابد أن يكون في إيضاح الحجة
وإقامتها أن يكون الدين واضحا، لا يكفي أن يسمع ببعض الحجة ولا يفهم معناها"
والجواب:
هذا كلام الألباني
وهو باطل ولم ينقل عن واحد من أئمة السلف المعتبرين حتى يلتفت إليه ، والحديث لا
يحتاج لتكلف في التأويل ، وفيه التوقف في تكفير أعيان النصارى لأجل السماع المحرف
، وقياس هذا الحديث على حديث الرؤية تحريف للقول عن موضعه وضرب من التخليط لا يعرف
عند أهل السنة، ففي حديث الرؤية نفي لتمثل الشيطان بصورته في المنام ، ومن رآه على
صورته فقد رآه حقا.
وليس في حديث السماع
ببعثته أي قيد آخر يلتفت إليه ، بل هو صريح في تكفير النصارى ممن سمعوا به
وبدعوته.
ثم قال:
وكذلك من وقع في الشرك من هذه الأمة إذا سمعوا شيئا من
أخبار أهل السنة، فإن ذلك لا يكفي ما لم تقم عليهم الحجة؛ بمعنى بيان الدلائل.
وجوابه أن تكفير من
أشرك ليس منوطا بسماع أخبار أهل السنة فهذا قيد مبتدع بل بلوغ القرآن كاف في إقامة
الحجة عليهم ،ففيه ما يكفي من أدلة بطلان الشرك الذي تمجه الفطر السليمة والعقول
المستقيمة.
ولأن بعثة الرسل
كلهم لأجل بيان خطر الشرك والتغليظ فيمن ارتكبه ، ولو سماه من مساه غير ذلك فحتى
بعض كفار قريش كان سبب كفرهم تقليدهم لكبرائهم ومع هذا لم يعذروا، فكذلك حال أهل
الشرك ممن بعدهم. بل نص شيخ الإسلام على أن اليهود والنصارى يعلمون أصل الرسالة حيث قال(4/54):
لَكِنَّ ذَلِكَ يَقَعُ
فِي طَوَائِفَ مِنْهُمْ فِي الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي تَعْلَمُ الْعَامَّةُ
وَالْخَاصَّةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهَا مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ ؛ بَلْ الْيَهُودُ
وَالنَّصَارَى يَعْلَمُونَ : أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ
بِهَا وَكَفَّرَ مُخَالِفَهَا ؛ مِثْلُ أَمْرِهِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ وَنَهْيُهُ عَنْ عِبَادَةِ أَحَدٍ سِوَى اللَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ
وَالنَّبِيِّينَ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
؛ فَإِنَّ هَذَا أَظْهَرُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ.ا.ه
وقال الجاني:
خامسا : عندما تناقش
هؤلاء الغلاة تتيقن أن كل همهم هو الوصول إلى التكفير بأي طريق ، وهذا ما يوقعهم
في التناقضات الصريحة، ومن ذلك أنهم يقولون في ثبوت وصف الإسلام لا بد من الفهم
المفصل للشهادتين ولا يكفي الفهم المجمل، وقد يكفرون من أخطأ في اللفظ ولو حقق
المعنى ، وأما في باب النواقض فيعكسون القضية تماما ، فلا يشترطون لا الفهم المجمل
ولا المفصل.
وجوابه :
لا ندري من تقصد
تحديدا لأن كلامك عام لكل من كفر عباد القبور وفيهم أئمة وعلماء ، لكنك أوتيت من
ضلالك وانحرافك عن جادة الحق بسبب تقليدك الأعمى للألباني .
فعند أهل السنة من
شهد شهادة الإسلام فهو مسلم ولا نحكم عليه بضد ذلك حتى يصدر منه ما ينقض إسلامه
كعبادة غير الله .
وكلامك عن باب
النواقض دليل على أنك لا تستحق الرد أصلا
.
فأين اعدم اشتراط
الفهم المجمل للنواقض وهي من أوضح الواضحات عند المسلمين، إلا من أعمى الله
بصيرته، وعشش الإرجاء في ذهنه، فهل سب الله يحتاج فهم مفصل ليحكم على فاعله بالكفر
، وأنت الذي كنت تنقل عن بعض الفقهاء عدم عذرهم لفاعله؟
أم تقصد الشرك بالله
في ألوهيته ألتي هي أوضح من مسألة سب الله ، لأن الرسل أرسلت للتحذير منه و لبيان
ضده بيانا مفصلا ، والقرآن مملوء بالحجج
على توحيد الله بما فيه الكفاية ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله.
ثم قال:
سادسا : ومما يبين لنا
جليا مراد العلماء الذين فرقوا بين فهم الحجة وقيامها ، وأنهم لا ينفون اشتراط
مطلق الفهم ، حديثهم عمن تقوم به الحجة من أهل العلم ، وقد سبق أن نقلت كلام ابن
سحمان ، وهذا كلام عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ في مصباح الظلام
(207):"تعريف أهل العلم للجهال بمباني الإسلام ، وأصول الإيمان والنصوص
القطعية والمسائل الإجماعية حجة عند أهل العلم ، وتترتب عليه الأحكام ، أحكام
الردة وغيرها ....إذ النقل والتعريف يتوقف على أهل العلم ، كما أن بيان المعاني
المقصودة والتأويلات المرادة يتوقف على أهل العلم وتقوم الحجة بهم ".
والجواب أن الكلام مبتور من
سياقه والذي قبله ينقض أساسك الزائف ويظهر تعالمك وجهلك حيث قال الشيخ عبد اللطيف
قبل هذا الكلام المنقول: وأما قوله: (فعلى تقدير موافقتهم لا يقوم بتعريفه حجة حتى
يتبين للجاهل ويعلم أن ما يقوله حق) .
أقول في جوابه: هذا الرجل
من المحن على الدين، ومن أكابر المحرفين للكلم عن مواضعه، أي عالم وأي فقيه اشترط في
قيام الحجة والبيان معرفة علم المخاطب بالحق؟ .
قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ
أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ
إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان:
44] وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي
آذَانِهِمْ وَقْرًا} [الأنعام: 25]
وقال تعالى: {قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا
- الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103 - 104]
وقال تعالى: {قُلْ هُوَ
لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ
وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: 44] وأمثال هذه الآيات التي تدل على عمايتهم وعدم
معرفتهم للحق كثير، ولم يقل هذا أحد قبل هذا
الغبي، وإنما يشترط فهم المراد، للمتكلم والمقصود من الخطاب، لا أنه حق. فذاك طور ثان،
هذا هو المستفاد من نص الكتاب السنة، وكلام أهل العلم لا ما قاله هذا المخلط الملبس.
وفي كتاب السنة لعبد
الله بن الإمام أحمد حدثني أبو سعيد بن يعقوب
الطالقاني أنبأنا المؤمل بن إسماعيل سمعت عمارة بن زاذان قال: بلغني أن القدرية يحشرون يوم القيامة مع المشركين؟
فيقولون: والله ما كنا مشركين، فيقال لهم إنكم
أشركتم من حيث لا تعلمون، قال: وبلغني أنه يقال لهم يوم القيامة: "أنتم خصماء
الله ". انتهى.
فهؤلاء ما عرفوا الحق
ولا عقلوه.ا.ه
وكلام الشيخ ليس
بيانا لطريقة قيام الحجة للتكفير ، بل هو رد على من نفى قيامها بنقل العلماء رحمهم
الله ، وقصد المعترض الإمام المجدد بأنه لا تقوم حجة بتعريفه الناس دينهم ، وليس
في كلام الشيخ عبد اللطيف أي علاقة مع ما ترمي إليه من اشتراط الفهم للحجة ، فلا
أدري كيف جاءك هذا الفهم السمج لقول الشيخ؟
قال في سرده
لأباطيله:
الشبهة الثامنة : بلوغ
الحجة يكفى دون فهمها
وتبعا للشبهة السابقة يقول بعضهم: إنه لا يشترط في إقامة الحجة فهمها، بل يكفي
بلوغها، لأن الله أخبر أن المشركين قامت عليهم الحجة ومع أنهم لم يفهموها ؛ نزل
القرآن وسمعوه وجاءهم النذير صلى الله عليه وسلم وأنذرهم واستمروا على كفرهم فلم
يعذروا، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه
الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار » وقال تعالى في وصف الكفار :
( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا
دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [البقرة171] ومع
ذلك قامت عليهم الحجة فأخبر أن مثلهم مثلُ من يسمع الصوت ولا يفهم المعنى كمثل
الغنم التي ينعق لها الراعي فتسمع الصوت ولا تفهم النداء ، ومنهم من يؤيد مذهبه
ببعض متشابه كلام ابن عبد الوهاب في هذه القضية حيث قال :« وقيام الحجة نوع
وبلوغها نوع ، وقد قامت عليهم ، وفهمهم إياها نوع آخر ، وكفرهم ببلوغها إياهم وإن
لم يفهموها ».
والجواب:
أولا : أن فهم معاني
الآيات والأحاديث ضروري كما سبق ، أما بلوغها دون فهم فلا يعقل أن يكون لها أثر في
قيام الحجة وتغير الأحكام ، لذلك يعبر بعض العلماء بقولهم بلوغ الدعوة بدلا من
بلوغ القرآن، ويقولون أما الذين لم تبلغهم الدعوة على وجه تقوم به الحجة عليهم
فأمرهم إلى الله عز وجل.
يجاب عن هذا:
أولا: ما الذي جعل
فهما الحجة ضروري وما دليله ومن قال به من أهل العلم؟
فالكلام المرسل بلا
دليل لا يستحق أن يناقش فبين بعلم لنعرف كيف نرد على كلامك المطلق.
ثانيا: أما التفريق
بين بلوغ الحجة وبين بلوغ الدعوة فلا ينبني عليه كبير فائدة لأنك لم تذكر ضابط
البلوغ المعتبر تحديدا.
ثالثا: ماهو حد
الفهم المذكور المطلوب عندك ، فإن أردت فهم الخطاب فهذا هو المراد بقوله تعالى {وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}.
وإن أردت فهمها
بمعنى أن تظهر قوتها عندها ، فهذا لم يقل به عالم فيما نحسب ، لأن فيه قصر الكفر
على العناد فقط وهو باطل، وفساد اللازم دليل فساد الملزوم.
وكلام الشيخ المجدد
لذي ذكرته ليس من المتشابه بل هو من محكم كلامه رحمه الله وهذا كلامه بتمامه في
المسألة من رسائله الشخصية ص244:
ما ذكرتم من قول الشيخ
كل من جحد كذا وكذا وقامت عليه الحجة وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت
عليهم الحجة فهذا من العجب كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مراراً، فإن الذي لم تقم
عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة
خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف ؛ وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها
في كتابه فإن حجة الله هو القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال
أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين
لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى : (( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو
يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا)) وقيام الحجة نوع، وبلغوها نوع وقد قامت
عليهم وفهمهم إياها نوع آخر وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها. إن أشكل عليكم ذلك
فانظروا قوله : صلى الله عليه وسلم في الخوارج (( أينما لقيتموهم فاقتلوهم )) وقوله
: (( شر قتلى تحت أديم السماء )) مع كونهم في عصر الصحابة ويحقر الإنسان عمل الصحابة
معهم ومع إجماع الناس أن الذي أخرجهم من الدين هو التشدد والغلو والاجتهاد وهم يظنون
أنهم يطيعون الله وقد بلغتهم الحجة ولكن لم يفهموها، وكذلك قتل علي رضي الله عنه الذين
اعتقدوا فيه وتحريقهم بالنار، مع كونهم تلاميذ الصحابة مع مبادئهم وصلاتهم وصيامهم
وهم يظنون أنهم على حق، وكذلك إجماع السلف على تكفير غلاة القدرية وغيرهم مع علمهم
وشدة عبادتهم وكونهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم لأجل
كونهم لم يفهموا. إذا علمتم ذلك فإن هذا الذي أنتم فيه كفر، الناس يعبدون الطواغيت
ويعادون دين الإسلام فيزعمون أنه ليس ردة لعلهم ما فهموا الحجة، كل هذا بين، وأظهر
مما تقدم الذين حرقهم علي فإنه يشابه هذا، وأما إرسال كلام الشافعية وغيرهم فلا يتصور
يأتيكم أكثر مما أتاكم فإن كان معكم بعض الإشكال فارغبوا إلى الله تعالى أن يزيله عنكم
والسلام.
وقال الشيخ أبا بطين
في الدرر السنية ( 10 / 360 ، 375 ) : إن قول الشيخ تقي الدين : إن التكفير والقتل
موقوف على بلوغ الحجة(1) يدل من كلامه على أن هذين الأمرين وهما التكفير والقتل ليسا
موقوفين على فهم الحجة مطلقا بل على بلوغها ففهمها شيء وبلوغها شيء آخر ، فلو كان هذا
الحكم موقوفا على فهم الحجة لم نكفر ونقتل إلا من علمنا أنه معاند خاصة ، وهذا بين
البطلان بل آخر كلامه رحمه الله يدل على أنه يعتبر فهم الحجة في الأمور التي تخفى على
كثير من الناس وليس فيها مناقضة للتوحيد والرسالة كالجهل ببعض الصفات.ا.ه
ثم قال:
ثانيا : أن الله تعالى
قال: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى
يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ)[التوبة:115] فقال:(حَتَّى يُبَيِّنَ) وهذا هو
قيام الحجة لا مجرد قراءتها، فإن شوش بعضهم بقوله:" إنه قال "حتى يُبين"،
ولم يقل حتى يتبين"، فيقال له: بَيَّن فتبَيَّن، بدليل قوله تعالى:( وَمَنْ
يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ
سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ
مَصِيراً )[النساء:115] .
يجاب عن هذا التخليط
بما يلي:
أولا :استدلالك
بالآية الأولى عليك لا لك ، لأن الله عز وجل بين التوحيد بيانا شافيا كافيا ، وحذر من الشرك كذلك وبين
عواقبه وهذا بين ظاهر لكل من قرأ القرآن ووفقه الله للهدى ، فإن كان التوحيد غير
مبين للناس فهذا يقتضي إبطال الحكمة من إرسال الرسل عليهم السلام.
ثانيا: ليس لك في
الآية الثانية أي متعلق لسببين:
الأول : أن الآية في
العذاب وليس في الحكم، وإدخال هذا في هذا دليل قلة الفهم وبعد عن تأصيل المسألة
فليس كل من حكم عليه باسم الشرك يكون معذبا ، بل منهم من يمتحن كحال أهل الفترة
ومن في حكمهم.
الثاني: ليس في
الآية نفي التعذيب عن غير من تبين له الهدى ، فكون الله يعذب من تبين له الهدى ثم
شاق رسوله ، لا يعني أن غيره ليس بمعذب ، واستفادة القصر من لفظ الآية غلط في
الفهم تأباه العربية.
فكل من شاق الرسول
بعد أن تبين له الهدى فهو متوعد بالعذاب ، وليس كل من عُذب شاق الرسول بعد أن تبين
له الهدى.
فجهال المشركين في
النار مع أن الهدى لم يتبين لهم ولو تبين لهم لاتبعه بعضهم على الأقل، فليس كل من
كفر كان كفره عن عناد. بل هناك كفر الإعراض وقد قال فيه ابن القيم في المدارج
(1/337):
وأما كفر الإعراض : فأن
يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول لا يصدقه ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه ولا يصغي إلى
ما جاء به ألبتة كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي : والله أقول لك كلمة إن كنت صادقا
فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك وإن كنت كاذبا فأنت أحقر من أن أكلمك .
فمن هذا حاله كافر
بلا ريب فهل يقال لم يتبين له الهدى؟ فلا يحكم بكفره.
قال الشيخ عبد
اللطيف في مصباح الظلام ص206:
وقوله: (وهؤلاء الذين كفَّرهم هذا الرجل لم يصدُّوا عن سبيل الله، ولم
يشاقوا الرسول) .
إن أراد أن من عبد الصالحين
بالحب مع الله، والخضوع، والدعاء، والذبح، والنذر ونحو ذلك من العبادات، لم يصدوا عن
سبيل الله، ولم يشاقوا الرسول، مع ما هم فيه من الشرك البواح والكفر البيِّن ودعوة الناس إلى مذهبهم، وتحسينه للجهال والغوغاء وإيراد الشبهات على صحته، فهذا أكبر دليل، وأوضح برهان على أن هذا المعترض لم يأنس
بشيء مما جاءت به الرسل، ولم يفقه مراد الله ورسوله، ولم يدرِ ضروريات الْإِسلام التي
يعرفها كل من تصوُّره وعرف حقيقته، فضلًا عمن
قَبِله ودان به.
وفيه جهله بمعنى الصد
والمشاقة التي يعرفها آحاد الناس، وكون عبَّاد القبور شيَّدوا المنار، وعمَّروا المدارس،
واستقبلوا القبلة، فليس هذا هو الْإِسلام حتى يستدل به على إسلام من دعا الأموات والصالحين،
وجعلهم أندادًا لله ربِّ العالمين.
وقال بعد ذلك:
ثالثا : ولا يصلح هنا
التمسك بالآيات التي تنفي الفقه والفهم عن الكفار، لأن المقصود نفي الفقه والفهم
المورِّث للانتفاع، لا نفي فهم المعنى المراد، مثله مثل نفي السماع عنهم ، كقوله
تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ
أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)[الأنفال:23] فهل يقال إن الحجة
قامت عليهم من غير سماع .
والجواب أن السماع
المنفي هو سماع القلوب كما قال ابن القيم رحمه الله في الآية:
وهذا الإسماع أخص من
إسماع الحجة والتبليغ فإن ذلك حاصل لهم وبه قامت الحجة عليهم لكن ذاك إسماع الآذان
وهذا إسماع القلوب فإن الكلام له لفظ ومعنى وله نسبة إلى الآذان والقلب وتعلق بهما
فسماع لفظه حظ الأذن وسماع حقيقة معناه ومقصوده حظ القلب فإنه سبحانه نفى عن الكفار
سماع المقصود والمراد الذي هو حظ القلب وأثبت لهم سماع الألفاظ الذي هو حظ الأذن.
فلا يصح لك
الاستدلال على اشتراط الفهم للحجة ، مع أنك لم تبين مراد بفهم الحجة بوضوح .
ثم قال:
وهذا هو
مراد ابن عبد الوهاب الذي قال في موضع :" فإذا كان المعين يكفَّر إذا قامت
عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم
أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به
فهو كافر".
الجواب:
سبق نقل كلامه الآخر
في عدم اشتراط الفهم وهو أصرح من هذا وأكثر وضوحا لكن من ابتلي بزيغ القلب تعلق
بالمتشابه
وقال:
وهذا المنهج هو الطريق
الذي ينبغي أن يسلك مع النصوص المتشابهة أو التي ظاهرها التعارض ، وكذلك في شرح
كلام العلماء وفهم مرادهم، وإلا كيف يصنع المخالف بقول ابن عبد الوهاب :« وإذا كنا
لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبة عبد القادر ، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي
وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم ، فكيف نكفر من لم يشرك بالله ...» وفي بعض
النسخ "لأجل جهلهم وعدم من يفهمهم".
الجواب أن هذا النص من الإمام
أكبر ما تتعلق به مرجئة العصر ، وكأن الشيخ لم يقل إلا هذا القول ومن غرائب حالكم
أنكم تعرضون عن نصوصه الأخرى الواضحة والكثيرة في تكفير عباد القبور وعدم عذرهم
بالجهل، ومما يوضح ذلك كتابته مفيد المستفيد فهو محكم وكل نص متشابه يرد إليه وإلى
تأصيله فيه لمسألة تكفير المعين.
ولو ذهبنا ننقل
أقواله في تكفير عباد القبور لما وسعنا
المقام .
على أنه قد أجيب عن
هذا القول بأنه كان في ابتداء دعوته رحمه الله كما ذكره الشيخ عبد اللطيف ويمكن أن
يقال أن الشيخ نفى عنهم التكفير الموجب للعذاب لكنه ما سماهم مسلمين وهذا حق لا
مرية فيه ففاعل الشرك مشرك ، لكن الحكم بتكفير الكفر الموجب للنار لابد فيه من
إقامة الحجة ولعل هذا مقصود الإمام رحمه الله .
ثم قال ملبسا:
رابعا : أما الاحتجاج
بقوله صلى الله عليه وسلم:« والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي
ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار»، على أنه يكفي السماع به دون السماع
بموضوع دعوته وفهم مراده فمن أبعد الأمور. وقال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ: ( وإذا
بلغ النصراني ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم- ولم ينقد لظنه أنه رسول
الأميين فقط، فهو كافر وإن لم يتبين له الصواب في نفس الأمر، كذلك كل من بلغته
دعوة الرسول بلوغا يعرف فيه المراد والمقصود فرد ذلك لشبهة أو نحوها فهو كافر، وإن
التبس عليه الأمر وهذا لا خلاف فيه ) [مصباح الظلام ص 326].
وردا على هذا أقول:
قال صاحب مرقاة
المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح:
وحاصل المعنى لا يعلم
برسالتي (أحد) أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة فكلهم ممن يجب عليه الدخول
في طاعته.
وعلى قولك المائع هل
يلزم لتكفير النصراني أن تبلغه الدعوة كاملة؟ إن قلت نعم أتيت بباطل من القول
ولازمه الشك في كفر أعيان النصارى وهو كفر في ذاته.
وإن قلت لا يلزم
نقضت قولك الأول ورجعت لمعنى الحديث كما هو وهو السماع برسالته ودعوته.
وقال أيضا:
وقال بعض
أهل العلم: (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة) هذا كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -
«من رآني في المنام فقد رآني»، ففي هذا الحديث المعنى من رآه على صورته التي خلقه
الله جل وعلا عليها، وفي حديث (لا يسمع بي) المعنى سمع بي على ما بعثني الله جل
وعلا عليه، فإذا كان هناك سماع محرّف، سماع ليس فيه وصف لما جاء به النبي صلى الله
عليه وسلم على ما جاء به النبي فهو من جنس رؤية النبي صلى الله عليه وسلم على
غير صورته، فلا يكفي ذلك في معرفة الحق، لأنه لابد أن يكون في إيضاح الحجة
وإقامتها أن يكون الدين واضحا، لا يكفي أن يسمع ببعض الحجة ولا يفهم معناها"
والجواب:
هذا كلام الألباني
وهو باطل ولم ينقل عن واحد من أئمة السلف المعتبرين حتى يلتفت إليه ، والحديث لا
يحتاج لتكلف في التأويل ، وفيه التوقف في تكفير أعيان النصارى لأجل السماع المحرف
، وقياس هذا الحديث على حديث الرؤية تحريف للقول عن موضعه وضرب من التخليط لا يعرف
عند أهل السنة، ففي حديث الرؤية نفي لتمثل الشيطان بصورته في المنام ، ومن رآه على
صورته فقد رآه حقا.
وليس في حديث السماع
ببعثته أي قيد آخر يلتفت إليه ، بل هو صريح في تكفير النصارى ممن سمعوا به
وبدعوته.
ثم قال:
وكذلك من وقع في الشرك من هذه الأمة إذا سمعوا شيئا من
أخبار أهل السنة، فإن ذلك لا يكفي ما لم تقم عليهم الحجة؛ بمعنى بيان الدلائل.
وجوابه أن تكفير من
أشرك ليس منوطا بسماع أخبار أهل السنة فهذا قيد مبتدع بل بلوغ القرآن كاف في إقامة
الحجة عليهم ،ففيه ما يكفي من أدلة بطلان الشرك الذي تمجه الفطر السليمة والعقول
المستقيمة.
ولأن بعثة الرسل
كلهم لأجل بيان خطر الشرك والتغليظ فيمن ارتكبه ، ولو سماه من مساه غير ذلك فحتى
بعض كفار قريش كان سبب كفرهم تقليدهم لكبرائهم ومع هذا لم يعذروا، فكذلك حال أهل
الشرك ممن بعدهم. بل نص شيخ الإسلام على أن اليهود والنصارى يعلمون أصل الرسالة حيث قال(4/54):
لَكِنَّ ذَلِكَ يَقَعُ
فِي طَوَائِفَ مِنْهُمْ فِي الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي تَعْلَمُ الْعَامَّةُ
وَالْخَاصَّةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهَا مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ ؛ بَلْ الْيَهُودُ
وَالنَّصَارَى يَعْلَمُونَ : أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ
بِهَا وَكَفَّرَ مُخَالِفَهَا ؛ مِثْلُ أَمْرِهِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ وَنَهْيُهُ عَنْ عِبَادَةِ أَحَدٍ سِوَى اللَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ
وَالنَّبِيِّينَ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
؛ فَإِنَّ هَذَا أَظْهَرُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ.ا.ه
وقال الجاني:
خامسا : عندما تناقش
هؤلاء الغلاة تتيقن أن كل همهم هو الوصول إلى التكفير بأي طريق ، وهذا ما يوقعهم
في التناقضات الصريحة، ومن ذلك أنهم يقولون في ثبوت وصف الإسلام لا بد من الفهم
المفصل للشهادتين ولا يكفي الفهم المجمل، وقد يكفرون من أخطأ في اللفظ ولو حقق
المعنى ، وأما في باب النواقض فيعكسون القضية تماما ، فلا يشترطون لا الفهم المجمل
ولا المفصل.
وجوابه :
لا ندري من تقصد
تحديدا لأن كلامك عام لكل من كفر عباد القبور وفيهم أئمة وعلماء ، لكنك أوتيت من
ضلالك وانحرافك عن جادة الحق بسبب تقليدك الأعمى للألباني .
فعند أهل السنة من
شهد شهادة الإسلام فهو مسلم ولا نحكم عليه بضد ذلك حتى يصدر منه ما ينقض إسلامه
كعبادة غير الله .
وكلامك عن باب
النواقض دليل على أنك لا تستحق الرد أصلا
.
فأين اعدم اشتراط
الفهم المجمل للنواقض وهي من أوضح الواضحات عند المسلمين، إلا من أعمى الله
بصيرته، وعشش الإرجاء في ذهنه، فهل سب الله يحتاج فهم مفصل ليحكم على فاعله بالكفر
، وأنت الذي كنت تنقل عن بعض الفقهاء عدم عذرهم لفاعله؟
أم تقصد الشرك بالله
في ألوهيته ألتي هي أوضح من مسألة سب الله ، لأن الرسل أرسلت للتحذير منه و لبيان
ضده بيانا مفصلا ، والقرآن مملوء بالحجج
على توحيد الله بما فيه الكفاية ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله.
ثم قال:
سادسا : ومما يبين لنا
جليا مراد العلماء الذين فرقوا بين فهم الحجة وقيامها ، وأنهم لا ينفون اشتراط
مطلق الفهم ، حديثهم عمن تقوم به الحجة من أهل العلم ، وقد سبق أن نقلت كلام ابن
سحمان ، وهذا كلام عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ في مصباح الظلام
(207):"تعريف أهل العلم للجهال بمباني الإسلام ، وأصول الإيمان والنصوص
القطعية والمسائل الإجماعية حجة عند أهل العلم ، وتترتب عليه الأحكام ، أحكام
الردة وغيرها ....إذ النقل والتعريف يتوقف على أهل العلم ، كما أن بيان المعاني
المقصودة والتأويلات المرادة يتوقف على أهل العلم وتقوم الحجة بهم ".
والجواب أن الكلام مبتور من
سياقه والذي قبله ينقض أساسك الزائف ويظهر تعالمك وجهلك حيث قال الشيخ عبد اللطيف
قبل هذا الكلام المنقول: وأما قوله: (فعلى تقدير موافقتهم لا يقوم بتعريفه حجة حتى
يتبين للجاهل ويعلم أن ما يقوله حق) .
أقول في جوابه: هذا الرجل
من المحن على الدين، ومن أكابر المحرفين للكلم عن مواضعه، أي عالم وأي فقيه اشترط في
قيام الحجة والبيان معرفة علم المخاطب بالحق؟ .
قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ
أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ
إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان:
44] وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي
آذَانِهِمْ وَقْرًا} [الأنعام: 25]
وقال تعالى: {قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا
- الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103 - 104]
وقال تعالى: {قُلْ هُوَ
لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ
وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: 44] وأمثال هذه الآيات التي تدل على عمايتهم وعدم
معرفتهم للحق كثير، ولم يقل هذا أحد قبل هذا
الغبي، وإنما يشترط فهم المراد، للمتكلم والمقصود من الخطاب، لا أنه حق. فذاك طور ثان،
هذا هو المستفاد من نص الكتاب السنة، وكلام أهل العلم لا ما قاله هذا المخلط الملبس.
وفي كتاب السنة لعبد
الله بن الإمام أحمد حدثني أبو سعيد بن يعقوب
الطالقاني أنبأنا المؤمل بن إسماعيل سمعت عمارة بن زاذان قال: بلغني أن القدرية يحشرون يوم القيامة مع المشركين؟
فيقولون: والله ما كنا مشركين، فيقال لهم إنكم
أشركتم من حيث لا تعلمون، قال: وبلغني أنه يقال لهم يوم القيامة: "أنتم خصماء
الله ". انتهى.
فهؤلاء ما عرفوا الحق
ولا عقلوه.ا.ه
وكلام الشيخ ليس
بيانا لطريقة قيام الحجة للتكفير ، بل هو رد على من نفى قيامها بنقل العلماء رحمهم
الله ، وقصد المعترض الإمام المجدد بأنه لا تقوم حجة بتعريفه الناس دينهم ، وليس
في كلام الشيخ عبد اللطيف أي علاقة مع ما ترمي إليه من اشتراط الفهم للحجة ، فلا
أدري كيف جاءك هذا الفهم السمج لقول الشيخ؟
قال في سرده
لأباطيله:
الشبهة الثامنة : بلوغ
الحجة يكفى دون فهمها
وتبعا للشبهة السابقة يقول بعضهم: إنه لا يشترط في إقامة الحجة فهمها، بل يكفي
بلوغها، لأن الله أخبر أن المشركين قامت عليهم الحجة ومع أنهم لم يفهموها ؛ نزل
القرآن وسمعوه وجاءهم النذير صلى الله عليه وسلم وأنذرهم واستمروا على كفرهم فلم
يعذروا، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه
الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار » وقال تعالى في وصف الكفار :
( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا
دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [البقرة171] ومع
ذلك قامت عليهم الحجة فأخبر أن مثلهم مثلُ من يسمع الصوت ولا يفهم المعنى كمثل
الغنم التي ينعق لها الراعي فتسمع الصوت ولا تفهم النداء ، ومنهم من يؤيد مذهبه
ببعض متشابه كلام ابن عبد الوهاب في هذه القضية حيث قال :« وقيام الحجة نوع
وبلوغها نوع ، وقد قامت عليهم ، وفهمهم إياها نوع آخر ، وكفرهم ببلوغها إياهم وإن
لم يفهموها ».
والجواب:
أولا : أن فهم معاني
الآيات والأحاديث ضروري كما سبق ، أما بلوغها دون فهم فلا يعقل أن يكون لها أثر في
قيام الحجة وتغير الأحكام ، لذلك يعبر بعض العلماء بقولهم بلوغ الدعوة بدلا من
بلوغ القرآن، ويقولون أما الذين لم تبلغهم الدعوة على وجه تقوم به الحجة عليهم
فأمرهم إلى الله عز وجل.
يجاب عن هذا:
أولا: ما الذي جعل
فهما الحجة ضروري وما دليله ومن قال به من أهل العلم؟
فالكلام المرسل بلا
دليل لا يستحق أن يناقش فبين بعلم لنعرف كيف نرد على كلامك المطلق.
ثانيا: أما التفريق
بين بلوغ الحجة وبين بلوغ الدعوة فلا ينبني عليه كبير فائدة لأنك لم تذكر ضابط
البلوغ المعتبر تحديدا.
ثالثا: ماهو حد
الفهم المذكور المطلوب عندك ، فإن أردت فهم الخطاب فهذا هو المراد بقوله تعالى {وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}.
وإن أردت فهمها
بمعنى أن تظهر قوتها عندها ، فهذا لم يقل به عالم فيما نحسب ، لأن فيه قصر الكفر
على العناد فقط وهو باطل، وفساد اللازم دليل فساد الملزوم.
وكلام الشيخ المجدد
لذي ذكرته ليس من المتشابه بل هو من محكم كلامه رحمه الله وهذا كلامه بتمامه في
المسألة من رسائله الشخصية ص244:
ما ذكرتم من قول الشيخ
كل من جحد كذا وكذا وقامت عليه الحجة وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت
عليهم الحجة فهذا من العجب كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مراراً، فإن الذي لم تقم
عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة
خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف ؛ وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها
في كتابه فإن حجة الله هو القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال
أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين
لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى : (( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو
يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا)) وقيام الحجة نوع، وبلغوها نوع وقد قامت
عليهم وفهمهم إياها نوع آخر وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها. إن أشكل عليكم ذلك
فانظروا قوله : صلى الله عليه وسلم في الخوارج (( أينما لقيتموهم فاقتلوهم )) وقوله
: (( شر قتلى تحت أديم السماء )) مع كونهم في عصر الصحابة ويحقر الإنسان عمل الصحابة
معهم ومع إجماع الناس أن الذي أخرجهم من الدين هو التشدد والغلو والاجتهاد وهم يظنون
أنهم يطيعون الله وقد بلغتهم الحجة ولكن لم يفهموها، وكذلك قتل علي رضي الله عنه الذين
اعتقدوا فيه وتحريقهم بالنار، مع كونهم تلاميذ الصحابة مع مبادئهم وصلاتهم وصيامهم
وهم يظنون أنهم على حق، وكذلك إجماع السلف على تكفير غلاة القدرية وغيرهم مع علمهم
وشدة عبادتهم وكونهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم لأجل
كونهم لم يفهموا. إذا علمتم ذلك فإن هذا الذي أنتم فيه كفر، الناس يعبدون الطواغيت
ويعادون دين الإسلام فيزعمون أنه ليس ردة لعلهم ما فهموا الحجة، كل هذا بين، وأظهر
مما تقدم الذين حرقهم علي فإنه يشابه هذا، وأما إرسال كلام الشافعية وغيرهم فلا يتصور
يأتيكم أكثر مما أتاكم فإن كان معكم بعض الإشكال فارغبوا إلى الله تعالى أن يزيله عنكم
والسلام.
وقال الشيخ أبا بطين
في الدرر السنية ( 10 / 360 ، 375 ) : إن قول الشيخ تقي الدين : إن التكفير والقتل
موقوف على بلوغ الحجة(1) يدل من كلامه على أن هذين الأمرين وهما التكفير والقتل ليسا
موقوفين على فهم الحجة مطلقا بل على بلوغها ففهمها شيء وبلوغها شيء آخر ، فلو كان هذا
الحكم موقوفا على فهم الحجة لم نكفر ونقتل إلا من علمنا أنه معاند خاصة ، وهذا بين
البطلان بل آخر كلامه رحمه الله يدل على أنه يعتبر فهم الحجة في الأمور التي تخفى على
كثير من الناس وليس فيها مناقضة للتوحيد والرسالة كالجهل ببعض الصفات.ا.ه
ثم قال:
ثانيا : أن الله تعالى
قال: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى
يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ)[التوبة:115] فقال:(حَتَّى يُبَيِّنَ) وهذا هو
قيام الحجة لا مجرد قراءتها، فإن شوش بعضهم بقوله:" إنه قال "حتى يُبين"،
ولم يقل حتى يتبين"، فيقال له: بَيَّن فتبَيَّن، بدليل قوله تعالى:( وَمَنْ
يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ
سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ
مَصِيراً )[النساء:115] .
يجاب عن هذا التخليط
بما يلي:
أولا :استدلالك
بالآية الأولى عليك لا لك ، لأن الله عز وجل بين التوحيد بيانا شافيا كافيا ، وحذر من الشرك كذلك وبين
عواقبه وهذا بين ظاهر لكل من قرأ القرآن ووفقه الله للهدى ، فإن كان التوحيد غير
مبين للناس فهذا يقتضي إبطال الحكمة من إرسال الرسل عليهم السلام.
ثانيا: ليس لك في
الآية الثانية أي متعلق لسببين:
الأول : أن الآية في
العذاب وليس في الحكم، وإدخال هذا في هذا دليل قلة الفهم وبعد عن تأصيل المسألة
فليس كل من حكم عليه باسم الشرك يكون معذبا ، بل منهم من يمتحن كحال أهل الفترة
ومن في حكمهم.
الثاني: ليس في
الآية نفي التعذيب عن غير من تبين له الهدى ، فكون الله يعذب من تبين له الهدى ثم
شاق رسوله ، لا يعني أن غيره ليس بمعذب ، واستفادة القصر من لفظ الآية غلط في
الفهم تأباه العربية.
فكل من شاق الرسول
بعد أن تبين له الهدى فهو متوعد بالعذاب ، وليس كل من عُذب شاق الرسول بعد أن تبين
له الهدى.
فجهال المشركين في
النار مع أن الهدى لم يتبين لهم ولو تبين لهم لاتبعه بعضهم على الأقل، فليس كل من
كفر كان كفره عن عناد. بل هناك كفر الإعراض وقد قال فيه ابن القيم في المدارج
(1/337):
وأما كفر الإعراض : فأن
يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول لا يصدقه ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه ولا يصغي إلى
ما جاء به ألبتة كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي : والله أقول لك كلمة إن كنت صادقا
فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك وإن كنت كاذبا فأنت أحقر من أن أكلمك .
فمن هذا حاله كافر
بلا ريب فهل يقال لم يتبين له الهدى؟ فلا يحكم بكفره.
قال الشيخ عبد
اللطيف في مصباح الظلام ص206:
وقوله: (وهؤلاء الذين كفَّرهم هذا الرجل لم يصدُّوا عن سبيل الله، ولم
يشاقوا الرسول) .
إن أراد أن من عبد الصالحين
بالحب مع الله، والخضوع، والدعاء، والذبح، والنذر ونحو ذلك من العبادات، لم يصدوا عن
سبيل الله، ولم يشاقوا الرسول، مع ما هم فيه من الشرك البواح والكفر البيِّن ودعوة الناس إلى مذهبهم، وتحسينه للجهال والغوغاء وإيراد الشبهات على صحته، فهذا أكبر دليل، وأوضح برهان على أن هذا المعترض لم يأنس
بشيء مما جاءت به الرسل، ولم يفقه مراد الله ورسوله، ولم يدرِ ضروريات الْإِسلام التي
يعرفها كل من تصوُّره وعرف حقيقته، فضلًا عمن
قَبِله ودان به.
وفيه جهله بمعنى الصد
والمشاقة التي يعرفها آحاد الناس، وكون عبَّاد القبور شيَّدوا المنار، وعمَّروا المدارس،
واستقبلوا القبلة، فليس هذا هو الْإِسلام حتى يستدل به على إسلام من دعا الأموات والصالحين،
وجعلهم أندادًا لله ربِّ العالمين.
وقال بعد ذلك:
ثالثا : ولا يصلح هنا
التمسك بالآيات التي تنفي الفقه والفهم عن الكفار، لأن المقصود نفي الفقه والفهم
المورِّث للانتفاع، لا نفي فهم المعنى المراد، مثله مثل نفي السماع عنهم ، كقوله
تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ
أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)[الأنفال:23] فهل يقال إن الحجة
قامت عليهم من غير سماع .
والجواب أن السماع
المنفي هو سماع القلوب كما قال ابن القيم رحمه الله في الآية:
وهذا الإسماع أخص من
إسماع الحجة والتبليغ فإن ذلك حاصل لهم وبه قامت الحجة عليهم لكن ذاك إسماع الآذان
وهذا إسماع القلوب فإن الكلام له لفظ ومعنى وله نسبة إلى الآذان والقلب وتعلق بهما
فسماع لفظه حظ الأذن وسماع حقيقة معناه ومقصوده حظ القلب فإنه سبحانه نفى عن الكفار
سماع المقصود والمراد الذي هو حظ القلب وأثبت لهم سماع الألفاظ الذي هو حظ الأذن.
فلا يصح لك
الاستدلال على اشتراط الفهم للحجة ، مع أنك لم تبين مراد بفهم الحجة بوضوح .
ثم قال:
وهذا هو
مراد ابن عبد الوهاب الذي قال في موضع :" فإذا كان المعين يكفَّر إذا قامت
عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم
أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به
فهو كافر".
الجواب:
سبق نقل كلامه الآخر
في عدم اشتراط الفهم وهو أصرح من هذا وأكثر وضوحا لكن من ابتلي بزيغ القلب تعلق
بالمتشابه
وقال:
وهذا المنهج هو الطريق
الذي ينبغي أن يسلك مع النصوص المتشابهة أو التي ظاهرها التعارض ، وكذلك في شرح
كلام العلماء وفهم مرادهم، وإلا كيف يصنع المخالف بقول ابن عبد الوهاب :« وإذا كنا
لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبة عبد القادر ، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي
وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم ، فكيف نكفر من لم يشرك بالله ...» وفي بعض
النسخ "لأجل جهلهم وعدم من يفهمهم".
الجواب أن هذا النص من الإمام
أكبر ما تتعلق به مرجئة العصر ، وكأن الشيخ لم يقل إلا هذا القول ومن غرائب حالكم
أنكم تعرضون عن نصوصه الأخرى الواضحة والكثيرة في تكفير عباد القبور وعدم عذرهم
بالجهل، ومما يوضح ذلك كتابته مفيد المستفيد فهو محكم وكل نص متشابه يرد إليه وإلى
تأصيله فيه لمسألة تكفير المعين.
ولو ذهبنا ننقل
أقواله في تكفير عباد القبور لما وسعنا
المقام .
على أنه قد أجيب عن
هذا القول بأنه كان في ابتداء دعوته رحمه الله كما ذكره الشيخ عبد اللطيف ويمكن أن
يقال أن الشيخ نفى عنهم التكفير الموجب للعذاب لكنه ما سماهم مسلمين وهذا حق لا
مرية فيه ففاعل الشرك مشرك ، لكن الحكم بتكفير الكفر الموجب للنار لابد فيه من
إقامة الحجة ولعل هذا مقصود الإمام رحمه الله .
ثم قال ملبسا:
رابعا : أما الاحتجاج
بقوله صلى الله عليه وسلم:« والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي
ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار»، على أنه يكفي السماع به دون السماع
بموضوع دعوته وفهم مراده فمن أبعد الأمور. وقال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ: ( وإذا
بلغ النصراني ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم- ولم ينقد لظنه أنه رسول
الأميين فقط، فهو كافر وإن لم يتبين له الصواب في نفس الأمر، كذلك كل من بلغته
دعوة الرسول بلوغا يعرف فيه المراد والمقصود فرد ذلك لشبهة أو نحوها فهو كافر، وإن
التبس عليه الأمر وهذا لا خلاف فيه ) [مصباح الظلام ص 326].
وردا على هذا أقول:
قال صاحب مرقاة
المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح:
وحاصل المعنى لا يعلم
برسالتي (أحد) أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة فكلهم ممن يجب عليه الدخول
في طاعته.
وعلى قولك المائع هل
يلزم لتكفير النصراني أن تبلغه الدعوة كاملة؟ إن قلت نعم أتيت بباطل من القول
ولازمه الشك في كفر أعيان النصارى وهو كفر في ذاته.
وإن قلت لا يلزم
نقضت قولك الأول ورجعت لمعنى الحديث كما هو وهو السماع برسالته ودعوته.
وقال أيضا:
وقال بعض
أهل العلم: (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة) هذا كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -
«من رآني في المنام فقد رآني»، ففي هذا الحديث المعنى من رآه على صورته التي خلقه
الله جل وعلا عليها، وفي حديث (لا يسمع بي) المعنى سمع بي على ما بعثني الله جل
وعلا عليه، فإذا كان هناك سماع محرّف، سماع ليس فيه وصف لما جاء به النبي صلى الله
عليه وسلم على ما جاء به النبي فهو من جنس رؤية النبي صلى الله عليه وسلم على
غير صورته، فلا يكفي ذلك في معرفة الحق، لأنه لابد أن يكون في إيضاح الحجة
وإقامتها أن يكون الدين واضحا، لا يكفي أن يسمع ببعض الحجة ولا يفهم معناها"
والجواب:
هذا كلام الألباني
وهو باطل ولم ينقل عن واحد من أئمة السلف المعتبرين حتى يلتفت إليه ، والحديث لا
يحتاج لتكلف في التأويل ، وفيه التوقف في تكفير أعيان النصارى لأجل السماع المحرف
، وقياس هذا الحديث على حديث الرؤية تحريف للقول عن موضعه وضرب من التخليط لا يعرف
عند أهل السنة، ففي حديث الرؤية نفي لتمثل الشيطان بصورته في المنام ، ومن رآه على
صورته فقد رآه حقا.
وليس في حديث السماع
ببعثته أي قيد آخر يلتفت إليه ، بل هو صريح في تكفير النصارى ممن سمعوا به
وبدعوته.
ثم قال:
وكذلك من وقع في الشرك من هذه الأمة إذا سمعوا شيئا من
أخبار أهل السنة، فإن ذلك لا يكفي ما لم تقم عليهم الحجة؛ بمعنى بيان الدلائل.
وجوابه أن تكفير من
أشرك ليس منوطا بسماع أخبار أهل السنة فهذا قيد مبتدع بل بلوغ القرآن كاف في إقامة
الحجة عليهم ،ففيه ما يكفي من أدلة بطلان الشرك الذي تمجه الفطر السليمة والعقول
المستقيمة.
ولأن بعثة الرسل
كلهم لأجل بيان خطر الشرك والتغليظ فيمن ارتكبه ، ولو سماه من مساه غير ذلك فحتى
بعض كفار قريش كان سبب كفرهم تقليدهم لكبرائهم ومع هذا لم يعذروا، فكذلك حال أهل
الشرك ممن بعدهم. بل نص شيخ الإسلام على أن اليهود والنصارى يعلمون أصل الرسالة حيث قال(4/54):
لَكِنَّ ذَلِكَ يَقَعُ
فِي طَوَائِفَ مِنْهُمْ فِي الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي تَعْلَمُ الْعَامَّةُ
وَالْخَاصَّةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهَا مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ ؛ بَلْ الْيَهُودُ
وَالنَّصَارَى يَعْلَمُونَ : أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ
بِهَا وَكَفَّرَ مُخَالِفَهَا ؛ مِثْلُ أَمْرِهِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ وَنَهْيُهُ عَنْ عِبَادَةِ أَحَدٍ سِوَى اللَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ
وَالنَّبِيِّينَ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
؛ فَإِنَّ هَذَا أَظْهَرُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ.ا.ه
وقال الجاني:
خامسا : عندما تناقش
هؤلاء الغلاة تتيقن أن كل همهم هو الوصول إلى التكفير بأي طريق ، وهذا ما يوقعهم
في التناقضات الصريحة، ومن ذلك أنهم يقولون في ثبوت وصف الإسلام لا بد من الفهم
المفصل للشهادتين ولا يكفي الفهم المجمل، وقد يكفرون من أخطأ في اللفظ ولو حقق
المعنى ، وأما في باب النواقض فيعكسون القضية تماما ، فلا يشترطون لا الفهم المجمل
ولا المفصل.
وجوابه :
لا ندري من تقصد
تحديدا لأن كلامك عام لكل من كفر عباد القبور وفيهم أئمة وعلماء ، لكنك أوتيت من
ضلالك وانحرافك عن جادة الحق بسبب تقليدك الأعمى للألباني .
فعند أهل السنة من
شهد شهادة الإسلام فهو مسلم ولا نحكم عليه بضد ذلك حتى يصدر منه ما ينقض إسلامه
كعبادة غير الله .
وكلامك عن باب
النواقض دليل على أنك لا تستحق الرد أصلا
.
فأين اعدم اشتراط
الفهم المجمل للنواقض وهي من أوضح الواضحات عند المسلمين، إلا من أعمى الله
بصيرته، وعشش الإرجاء في ذهنه، فهل سب الله يحتاج فهم مفصل ليحكم على فاعله بالكفر
، وأنت الذي كنت تنقل عن بعض الفقهاء عدم عذرهم لفاعله؟
أم تقصد الشرك بالله
في ألوهيته ألتي هي أوضح من مسألة سب الله ، لأن الرسل أرسلت للتحذير منه و لبيان
ضده بيانا مفصلا ، والقرآن مملوء بالحجج
على توحيد الله بما فيه الكفاية ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله.
ثم قال:
سادسا : ومما يبين لنا
جليا مراد العلماء الذين فرقوا بين فهم الحجة وقيامها ، وأنهم لا ينفون اشتراط
مطلق الفهم ، حديثهم عمن تقوم به الحجة من أهل العلم ، وقد سبق أن نقلت كلام ابن
سحمان ، وهذا كلام عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ في مصباح الظلام
(207):"تعريف أهل العلم للجهال بمباني الإسلام ، وأصول الإيمان والنصوص
القطعية والمسائل الإجماعية حجة عند أهل العلم ، وتترتب عليه الأحكام ، أحكام
الردة وغيرها ....إذ النقل والتعريف يتوقف على أهل العلم ، كما أن بيان المعاني
المقصودة والتأويلات المرادة يتوقف على أهل العلم وتقوم الحجة بهم ".
والجواب أن الكلام مبتور من
سياقه والذي قبله ينقض أساسك الزائف ويظهر تعالمك وجهلك حيث قال الشيخ عبد اللطيف
قبل هذا الكلام المنقول: وأما قوله: (فعلى تقدير موافقتهم لا يقوم بتعريفه حجة حتى
يتبين للجاهل ويعلم أن ما يقوله حق) .
أقول في جوابه: هذا الرجل
من المحن على الدين، ومن أكابر المحرفين للكلم عن مواضعه، أي عالم وأي فقيه اشترط في
قيام الحجة والبيان معرفة علم المخاطب بالحق؟ .
قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ
أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ
إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان:
44] وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي
آذَانِهِمْ وَقْرًا} [الأنعام: 25]
وقال تعالى: {قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا
- الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103 - 104]
وقال تعالى: {قُلْ هُوَ
لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ
وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: 44] وأمثال هذه الآيات التي تدل على عمايتهم وعدم
معرفتهم للحق كثير، ولم يقل هذا أحد قبل هذا
الغبي، وإنما يشترط فهم المراد، للمتكلم والمقصود من الخطاب، لا أنه حق. فذاك طور ثان،
هذا هو المستفاد من نص الكتاب السنة، وكلام أهل العلم لا ما قاله هذا المخلط الملبس.
وفي كتاب السنة لعبد
الله بن الإمام أحمد حدثني أبو سعيد بن يعقوب
الطالقاني أنبأنا المؤمل بن إسماعيل سمعت عمارة بن زاذان قال: بلغني أن القدرية يحشرون يوم القيامة مع المشركين؟
فيقولون: والله ما كنا مشركين، فيقال لهم إنكم
أشركتم من حيث لا تعلمون، قال: وبلغني أنه يقال لهم يوم القيامة: "أنتم خصماء
الله ". انتهى.
فهؤلاء ما عرفوا الحق
ولا عقلوه.ا.ه
وكلام الشيخ ليس
بيانا لطريقة قيام الحجة للتكفير ، بل هو رد على من نفى قيامها بنقل العلماء رحمهم
الله ، وقصد المعترض الإمام المجدد بأنه لا تقوم حجة بتعريفه الناس دينهم ، وليس
في كلام الشيخ عبد اللطيف أي علاقة مع ما ترمي إليه من اشتراط الفهم للحجة ، فلا
أدري كيف جاءك هذا الفهم السمج لقول الشيخ؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق