Pages

الخميس، 29 مايو 2014

مناقشة مقال شبهات الغلاة لمحمد حاج عيسى الجزائري الحلقة الخامسة



  بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أما بعد:

فهذه الحلقة الخامسة من مناقشة كتاب حاج عيسى حول العذر بالجهل:

قال المخلط في مقاله:
 الشبهة التاسعة : التفريق بين أصول الدين وفروعه في العذر بالجهل أولا : لا بد لمن يتمسك بهذه الشبهة أن يشرح لنا ضابط التفريق بين الأصول والفروع ، لنشاركهم في النظر في آحاد المسائل هل فيها العذر بالجهل أم لا ، ولنتمكن نحن أيضا من فهم كلام العلماء على وجهه.
الجواب:
أولا : ليتك وضحت من المقصود بكلامك ليعرف الناس مدى خبثك وحقدك على أئمة الدعوة وإن تظاهرت بتعظيمك لهم ، فإن من قال بالتفريق بين أًصول الدين في قيام الحجة هو الإمام المجدد وقد سبق النقل عنه ، فكونك تنسب هذا للغلاة وترد عليهم فمرادك الأول هو .
وكلامه المقصود هو : هَذَا من الْعجب العجاب كَيفَ تشكون فِي هَذَا وَقد وضحته لكم مرَارًا فَإِن الَّذِي لم تقم عَلَيْهِ الْحجَّة هُوَ الَّذِي حَدِيث عهد بِالْإِسْلَامِ وَالَّذِي نَشأ ببادية بعيدَة أَو يكون ذَلِك فِي مَسْأَلَة خفية مثل الصّرْف والعطف فَلَا يكفر حَتَّى يعرف وَأما أصُول الدّين الَّتِي وضحها الله وأحكمها فِي كِتَابه فَإِن حجَّة الله هِيَ الْقُرْآن فَمن بلغه الْقُرْآن فقد بلغته الْحجَّة وَلَكِن أصل الْإِشْكَال أَنكُمْ لم تفَرقُوا بَين قيام الْحجَّة وَفهم الْحجَّة فَإِن الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ لم يفهموا حجَّة الله مَعَ قِيَامهَا عَلَيْهِم.ا.ه
ثانيا : التفريق بين أصول الدين وفروعه لم يذكره أهل البدع فقط ، بل استعمله أئمة السلف بلا نكير منهم  كابن أبي حاتم والدارمي رحمهما الله.
قال ابن أبي حاتم: سألت ابي وابا زرعة عن مذاهب أهل السنة في اصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك فقالا أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم
 الإيمان قول وعمل يزيد وينقص
 والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته
 والقدر خيره وشره من الله عز و جل...الخ.
وشيخ الإسلام هو نفسه أكثر من استعمال هذا التفريق ، لكن ما أنكره رحمه الله هو التكفير بناء على ذلك التفريق حيث قال قبل الكلام الذي نقلته عنه: وَجَمَاهِيرُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَمَا قَسَّمُوا الْمَسَائِلَ إلَى مَسَائِلِ أُصُولٍ يَكْفُرُ بِإِنْكَارِهَا وَمَسَائِلِ فُرُوعٍ لَا يَكْفُرُ بِإِنْكَارِهَا .ا.ه
ثم ساق الكلام الذي سيأتي في إنكار التفريق.
قال رحمه الله في المجموع (3/303): وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ فِي الْقُرْآنِ وَالْحِكْمَةِ النَّبَوِيَّةِ عَامَّةَ أُصُولِ الدِّينِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَالدَّلَائِلِ : الَّتِي تَسْتَحِقُّ أَنْ تَكُونَ أُصُولَ الدِّينِ . وَأَمَّا مَا يُدْخِلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الْمُسَمَّى مِنْ الْبَاطِلِ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ ؛ وَإِنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ مِثْلُ " الْمَسَائِلِ " وَالدَّلَائِلِ " الْفَاسِدَةِ : مِثْلُ نَفْيِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ .
وفي(3/305) : وَأَمَّا الدِّينُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } فَذَاكَ لَهُ أُصُولٌ وَفُرُوعٌ بِحَسَبِهِ . وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ مُسَمَّى أُصُولِ الدِّينِ فِي عُرْفِ النَّاطِقِينَ بِهَذَا الِاسْمِ فِيهِ إجْمَالٌ وَإِبْهَامٌ - لِمَا فِيهِ مِنْ الِاشْتِرَاكِ بِحَسَبِ الْأَوْضَاعِ وَالِاصْطِلَاحَاتِ - تَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي هُوَ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أُصُولُ الدِّينِ فَهُوَ مَوْرُوثٌ عَنْ الرَّسُولِ . وَأَمَّا مَنْ شَرَعَ دِينًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ فَمَعْلُومٌ أَنَّ أُصُولَهُ المستلزمة لَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنْقُولَةً عَنْ النَّبِيِّ إذْ هُوَ بَاطِلٌ وَمَلْزُومُ الْبَاطِلِ بَاطِلٌ كَمَا أَنَّ لَازِمَ الْحَقِّ حَقٌّ.ا.ه
ثم لبس بقوله:
فإذا قالوا نحن نريد المصطلح المشهور بين أهل الكلام كالمعتزلة ومن تابعهم، من أن الأصول هي العقائد والفروع هي الفقه ، قيل ليس هذا التفريق معتمدا عند أهل السنة ولا يجوز أن يحمل كلامهم على معان قد أنكروها وزيفوها .
الجواب أن يقال:
ماذا تقصد بعدم الاعتماد عند أهل السنة ؟
أهو عدم وجوده أصلا؟
 أم ما قصده شيخ الإسلام من نفي ربط التكفير بالعقائد دون الفروع؟
وانتبه لقول الشيخ المجدد جيدا حيث قال: وَأما أصُول الدّين الَّتِي وضحها الله وأحكمها فِي كِتَابه فَإِن حجَّة الله هِيَ الْقُرْآن فَمن بلغه الْقُرْآن.
فليست كل أصول الدين لا يعذر بها بل هي التي وضحها الله وأحكمها في كتابه ، ومنها توحيد رب العالمين، فالشيخ فصل ولم يجمل كلامه حتى تنسب الكلام للمعتزلة تعالما واستعلاء بالباطل.
قال:
وإن قالوا الأصول هي الأمور المعلومة من الدين بالضرورة سواء من العقائد أو الفقه ، والفروع هي ما دون ذلك من المسائل الاجتهادية والخفية ، قيل الظهور والخفاء من الأمور النسبية التي تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، فما كان ظاهرا في زمان قد يخفى في آخر ، وما كان ظاهرا في مكان قد يخفى في مكان آخر ، وهذه النكتة تحل عقدا كثيرة عند المخالفين لو فقهوها .
الجواب:
كلامنا خاص بالتوحيد والتعميم مسلك أهل البدع والانحراف، فهل التوحيد الذي هو زبدة كل الرسالات يخفى على العقلاء؟
وهل التوحيد الذي قامت لأجله السموات ولأجله خلق الخلق يخفى على صاحب عقل سليم وفطرة مستقيمة؟
لو خفي على من انتسب للإسلام _وعاش بين أهله_ أمر الصلاة أكنتم تقبلون عذره بذلك؟
إن قلت نعم كذبت وإن قلت لا نقول لك هل التوحيد أظهر أم الصلاة؟
قال ابن القيم في مختصر الصواعق (1/39):
(والمقصود) أن اللّه تعالى أكمل للرسول ولأمته به دينهم وأتم عليهم به نعمته ومحال مع هذا أن يدع ما خلق له الخلق وأرسلت به الرسل، وأنزلت به الكتب؛ ونصبت عليه القبلة، وأسست عليه الملة، وهو باب الإيمان به ومعرفته ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله، ملتبسا مشتبها حقه بباطله، لم يتكلم فيه بما هو الحق، بل تكلم بما هو الباطل والحق في إخراجه عن ظاهره، فكيف يكون أفضل الرسل وأجل الكتب غير واف بتعريف ذلك على أتم الوجود، مبيّن له بأكمل البيان، موضح له غاية الإيضاح، مع شدة حاجة النفوس إلى معرفته، وهو أفضل ما اكتسبته النفوس وأجل ما حصلته القلوب.ا.ه
قال الملبس:
ثانيا : ومما يرد به أيضا أن هذا التقسيم لا أصل له عند علماء السلف، وهو باطل بدلالة الأدلة الشرعية العامة في إثبات العذر بالجهل، التي توضح أن الجهل حيثما وجد ولا يمكن دفعه يكون سببا لرفع المؤاخذة في الدنيا والآخرة، ولا تفريق فيها بين مسائل الأصول والفروع بأي تفسير من التفسيرات . بل أكثر الأدلة واردة في أصل الدين وفي الأمور الاعتقادية ، فكيف لا تكون شاملة لها .
الجواب أن قولك لا أصل له عند السلف ؛ إن قصدت به أصل التقسيم كذبت وقد نقلت لك عن ابن أبي حاتم وقال به الدارمي والإسماعيلي وابن بطة وغيرهم لكنك مقلد جاهل، وإن قصدت ربط التكفير بالأصول دون الفروع كما هو مقصد شيخ الإسلام فأنت مخطئ في فهم كلامه وليس كلامه بحجة على غيره.
وقولك التقسيم باطل بدلالة الأدلة تعمية في غير موضعها، فهات الأدلة الدالة على ذلك ؛ من إثبات العذر بالجهل في أصل الدين، وإن قصدت حديث الرجل الذي طلب من أهله أن يحرقوه فسيأتي الكلام عنه.
وكلامك حجة عليك لكنك مخلط بلا فهم ، فهل جهل عباد القبور مما يمكن دفعه أولا؟
واعلم أن الكلام العام والجعجعة لا تعجر جاهلا ولا تظهر عالما فدعك منها وهات الحجج إن كنت صاحبها.
وقال أيضا:
ثالثا : كثير من المخالفين لا يعجبهم كلام ابن تيمية رحمه الله في إثبات العذر بالجهل ، ومنهم من يزعم أن أصحاب الرسائل الجامعية شوشوا على الأمة عقائدها بإخراجهم لكلام ابن تيمية في هذه القضية ، فإذا قيل لهم : هل ابن تيمية مخطئ ؟ قالوا :" لا ، لكن هم لم يفهموا كلامه "، فإذا قيل لهم : ما مراده عندكم ؟ قالوا:" هو يعذر في الفروع دون الأصول "، وهذا الزعم يدفعه كلام ابن تيمية الذي يبطل التفريق بين الأصول الفروع، والذي ينص فيه على العذر بالجهل فيما هو عندهم من الأصول .
والجواب: سبق بيان مراد شيخ الإسلام من إنكار التقسيم وليس كما فهمته بجهل فاضح ، ولا تنس أن شيخ الإسلام استعمل التفريق في كلامه كثيرا، وقد سبق بعضه.
ثم قال:
   وأما نصه على إثبات العذر فيما هو من العقائد التي هي أصول عندنا وعندهم (الشرك الأكبر)، فموجود في المثال الذي ضربه في آخر كلامه السابق، وإن كان الغلاة لهم فيه تأويلات سنجيب عنها في حلقة أخرى، ومن نصوصه التي لا يقدرون على تأويلها قوله في الرد على البكري (2/731-732):" فأنا بعد معرفة ما جاء به الرسول نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعو أحدا من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا لغير ميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله، لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم مما يخالفه، ولهذا ما بينت هذه المسألة قط لمن يعرف أصل الإسلام إلا تفطن وقال هذا أصل دين الإسلام .
   وكان بعض الأكابر من الشيوخ العارفين من أصحابنا يقول هذا أعظم ما بينته لنا لعلمه بأن هذا أصل الدين وكان هذا وأمثاله في ناحية أخرى يدعون الأموات ويسألونهم ويستجيرون بهم ويتضرعون إليهم وربما كان ما يفعلونه بالأموات أعظم لأنهم إنما يقصدون الميت في ضرورة نزلت بهم فيدعونه دعاء المضطر راجين قضاء حاجتهم بدعائه والدعاء به أو الدعاء عند قبره بخلاف عبادتهم الله تعالى ودعائهم إياه، فإنهم يفعلونه في كثير من الأوقات على وجه العادة والتكلف".
الجواب هو ما يلي:
أولا: شيخ الإسلام لم يقل هذه الكلمة فقط حتى يؤخذ منها قوله في مسألة العذر بالجهل فله أقوال أخرى أعرضت عنها كما يفعله مرجئة العصر، وسيأتي إيراد بعضها.
وأخذ معتقد أي عالم في مسألة لا يكون بنتف من كلامه بل بجمع بعضه إلى بعض ، وأخذ المتشابه طريقة أهل الزيغ
قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول ص578:" وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر نفسا أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا لا ريب أيضا في كفره فإنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم والثناء عليهم بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق وأن هذه الأمة التي هي: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وخيرها هو القرن الأول كان عامتهم كفارا أو فساقا ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام"
فكيف يكون الشاك في كفر مكفر الصحابة كافرا ويكون المشرك عنده معذورا بالجهل؟
فهل الطعن في الصحابة أظهر أم الشرك بالله رب العالمين؟
وإليك قوله في رده على الأخنائي (1/60):
وأهل البدع والجهل يفعلون ما هو من جنس الأذى لله ورسوله، ويدعون ما أمر الله به من حقوقه وهم يظنّون أنهم يعظّمونه؛ كما تفعل النصارى بالمسيح، فيضلهم الشيطان كما أضل النصارى، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. والذين يزورون قبور الأنبياء والصالحين ويحجّون إليها ليدعوهم ويسألوهم، أو ليعبدوهم ويدعوهم من دون الله؛ هم مشركون .ا.ه
فقد حكم عليهم بأنهم مشركون ولم يعذرهم بالجهل وقد قال في أول كلامه أنه أهل جهل، ولم يشترط البيان للحكم عليهم.
ثانيا: قال الإمام المجدد في مفيد المستفيد :
على أن الذي نعتقده وندين لله به ونرجو أن يثبتناً عليه أنه لو غلط هو أو أجلَّ منه في هذه المسألة وهي مسألة المسلم إذا أشرك بالله بعد بلوغ الحجة ، أو المسلم الذي يفضل هذا على الموحدين ، أو يزعم أنه على حق ، أو غير ذلك من الكفر الصريح الظاهر الذي بينه الله ورسوله وبينه علماء الأمة ، أنا نؤمن بما جاءنا عن الله وعن رسوله من تكفيره ولو غلط من غلط .
فكيف والحمد لله ونحن لا نعلم عن واحد من العلماء خلافا في هذه المسألة ، وإنما يلجأ من شاق فيها إلى حجة فرعون : ( فما بال القرون الأولى ) أو حجة قريش : ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ) .
وإن قلت الشيخ علق التكفير ببلوغ الحجة قلت لك بلوغ الحجة عند هي كما قال رحمه الله:
وَأما أصُول الدّين الَّتِي وضحها الله وأحكمها فِي كِتَابه فَإِن حجَّة الله هِيَ الْقُرْآن فَمن بلغه الْقُرْآن فقد بلغته الْحجَّة وَلَكِن أصل الْإِشْكَال أَنكُمْ لم تفَرقُوا بَين قيام الْحجَّة وَفهم الْحجَّة .
ثم قال ملبسا:
.رابعا : ومما نطرحه إلزاما للمخالفين المتمسكين بهذه الشبهة، ما تقولون في الفرق الإسلامية المعتزلة والمرجئة والشيعة والأشاعرة والقدرية والخوارج، هل خلافهم في الأصول أم الفروع؟ وإذا كان خلافهم في الأصول - وهو الحق - فهل تكفرونهم أم لا ؟
والجواب أن يقال: سبق البيان أن كلام الشيخ المجدد الذي سميته بهتانا بالشبهة لم تفهمه على وجهه، فليست كل مسائل الأصول على مرتبة واحدة فإنكار القدر ليس كالشرك إلا عند العميان، ومن تأمل كلام أئمة الدعوة حول أصل الدين وجد أنهم يطلقونه في الغالب على التوحيد لهذا فحمله على غير ذلك تكلف بالباطل وتحميل للكلام مالا يحتمل.
ومن تتبع كلامهم عرف مقصدهم ، أما من هو بعيد عن كتبهم كحال كثير من مرجئة العصر فأنى لهم الفهم عنهم.
ثم المعتزلة كفرهم السلف ونقل ابن القيم اتفاق السلف على تكفيرهم ، والقدرية جاء عن بعض السلف أنهم كفار، والشيعة فرق لا ندري من تقصد وفيهم كفار  أيضا، والأشاعرة نقل الهروي تكفيرهم عن بعض من أدركهم ، والخلاف في تكفير الخوارج معروف ورد عن بعض الصحابة ونقله شيخ الإسلام ، فلا يسلم لك إلا المرجئة من الفرق التي ذكرت ، وأعرف أنك مقلد وأنك لا تتجاوز شيخ الإسلام في مثل هذه الأمور ، وأما كتب السلف فما أبعدك عنها كما هو ظاهر كتابك.
حتى أنك لم تنقل عمن قبله قولا واحدا في عذر عباد القبور وهو دليل على أنك بعيد عن بحث المسألة من أصلها ، بل تجتر ما سبق من شبهات  لا أكثر.
ثم قال:
أما من يحمل كلام ابن تيمية في التفريق بين التكفير المطلق والتكفير للمعين - الوارد أكثره في الفرق الإسلامية- على المسائل الفرعية ، فيلزمه أن يعد مسائل الصفات والإيمان والقدر مسائل فرعية ولا قائل بهذا فإن هذه المسائل أصلية في الدين مشهورة وأدلتها متواترة .
والجواب:
لا أدري من تقصد بهذا الكلام العام ، وقد بينت أن فهمك هو السقيم ، وإن كنت تخاطب قوما مخصوصين فلو سميتهم كان أولى لنعرف من هم.
وتوسيع البحث لبعض مسائل الصفات طريقة غالب المرجئة ، لأنهم لن يجدوا قولا عن السلف في اعتبار عابد القبر مسلما، فيهرعون لمسائل أقل ويناقشون مسألة إقامة الحجة فيها ، ثم يقيسونها على مسألة التوحيد والشرك وبينهما بون شاسع لمن رزقه الله فهما سليما.
وقد سبق جواب الإمام المجدد حول الاستدلال بكلام شيخ الإسلام رحمه الله.
ثم قال:
وأما من فرَّ من هذا اللازم فصرح بتكفير الفرق الإسلامية فكذلك لازم قوله رد كلام ابن تيمية جملة وتفصيلا، لا حمله على المسائل الخفية ، لأنه أكثره وارد كما ذكرنا في الفرق ، وإذا كان المخالف يصف من يأبى تكفير الفرق إلا من أقيمت عليه الحجة بالإرجاء فيلزمه أن يصرح برمي ابن تيمية بذلك.
والجواب:
لا نعلم من صرح بتكفير جميع الفرق ، وإن قصدت معينا فسمه ، أما التعميم فلا يرد باطلا ولا يظهر حقا ، وقد ذكرت لك من كفر بعض الفرق ، ولم نعلم من رمى المخالف لهم بالإرجاء إلا في الجهمية لاتفاق السلف على تكفيرهم ، وكذا بعض المسائل التي كفر السلف القائل بها وقد قالها بعض منتسبي الفرق، وليس ابن تيمية بحجة على من سبقه بل هو محجوج بالسلف ومنهجهم.
وإن كان ابن تيمية أخطأ في مسألة تكفير الفرق فلا يضيره لأنه مجتهد أما من قلده فيبدع ولا كرامة له كما قرره هو رحمه الله.
وقال أصلحه الله:
خامسا : بعض الغلاة أراد أن يلزم من أنكر أثر التقسيم المذكور في العذر بالجهل بالتسوية بين مسائل الشرك والمعاصي، وبين التوحيد وإماطة الأذى عن الطريق كصاحب المجهر (259).
   وليس ذلك بلازم فإننا لا ننكر أن مسائل الدين ليست في رتبة واحدة، إذ منها ما هو اعتقادي ومنها ما هو عملي، ومنها ما هو قطعي ومنها ما هو ظني ، وأن خصال الإيمان متفاوتة فمنها ما هو من أصله ومنها ما هو من كماله الواجب ومنها ما هو من كماله المستحب ، ولكن الذي ننكره هو تخصيص العذر ببعض المسائل دون بعض ، والذي لم يستطع المخالفون فهمه في هذا الأمر: أن قضية القطعية والظنية بل والجهل قضية نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص.
   وتأمل مثلا قول ابن عبد الوهاب :"فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي كان حديث عهد بالإسلام  والذي نشأ ببادية بعيدة أو يكون في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف " والصرف والعطف من أنواع السحر يقصد به صرف الزوجين عن بعضهما البعض والعطف ضده، فهل هذه المسألة مسألة خفية في زماننا هذا في بلاد نجد والحرمين !!!
يقال جوابا على هذا الكلام:
هذا الكلام في مسألة الأحكام ، فما قولك في مسألة الأسماء وثبوتها قبل ورود النص ، وقبل بلوغ الحجة ، فمن أفطر في رمضان جاهلا سميتموه مفطرا ، ومن نقض وضوءه سميتموه غير متوضئ ، ومن فعل الزنا سمي به ، فهل فاعل الشرك مستثنى من القاعدة  فلا يسمى عندكم مشركا؟
إن قلت نعم طولبت بدليل الاستثناء ، وإن قلت يسمى مشركا قيل لك هل هو مشرك مسلم ، أم مشرك تلحقه أحكام فاعل الشرك في الدنيا؟
والأول لا يصلح إلا عند متأخري الجهمية ، والثاني هو ما نعتقده والحمد لله. وهو ما عليه إجماع المسلمين وسيأتي البيان.
أما الأحكام فإن كانت متعلقة بالشرع فهي مرتبطة بالحجة التي هي الوحيين .
وبلوغ القرآن هو ما علق الله به الإنذار بقوله تعالى( لأنذركم به ومن بلغ) فلم يجعل في الآية أمرا آخر تناط به الحجة .
وأكثر المسائل التي وضحها الله في كتابه هي التوحيد وضده الشرك ، وهي واضحة عند كل مسلم أراد الله به الخير، أما من أراد الله ضلاله فهو معرض في الغالب عن طلب الهدى من كلام الله.
   والتفريق الصحيح المقبول هو المبني على اعتبار استفاضة العلم بالمسألة وسهولة طلبها ، وليس على اعتبار التفريق بين مسائل معينة ومسائل أخرى، حتى إذا قيل لا يعذر في المسألة الفلانية ، فذلك لأنها مسألة قد استفاض العلم بها استفاضةً تغلب على الظن عدم الجهل بها إلا من معرض مفرط.
وجوابا على هذا يقال:
لم تبين لنا من قال بهذا التفريق ولا أدلة صحته ،حتى نناقشها ، بل هو كلام مرسل يمكن قوله في أي مسألة .
ثم ليس إعراض الناس وجهلهم هو المعتبر في الأحكام ، بل بلوغ الشرع إليهم هو الحجة ، فلو أعرض اهل عصر عن شرائع الإسلام حتى الصلاة هل يمكن أن يقال أن الصلاة ليست من المعلوم من الدين بالضرورة عندهم؟
فماذا أبقيتم للإسلام يا معاشر المرجئة؟
ثم كلامك السابق صحيح في المسائل الخفية من الدين فلو استفاض العلم بها في عصر صارت لا تقبل الجهل، وليس التوحيد بخاف حتى يستفاض العلم به أو يقل ، بل هو أصل الدين وعليه مدار الأمر كله ، بل لا يصح الإسلام إلا به فكيف يجهل ويكون جاهله مسلما؟
ثم الشرك تستقبحه العقول فكيف لسليم الفطرة أن يعتقد في حجر النفع والضر؟ أو أن فلانا الميت يتصرف في الكون وهو تحت التراب؟
أمثل هذه الأمور تحتاج استفاضة علم؟
ولو صح كلامك فماذا بين القرآن إذن؟ وماذا وضح الرسول عليه السلام؟
ثم هل إنكار البعث يعامل عندك بهذا المقياس فتعذر الجاهل به؟
أما سهولة الطلب فهي عامة للقرآن كله ، ولا عبرة بالمعرض ، فالقرآن ميسر للناس ، لكن الكثير منهم أعرض عن تعلم الهدى منه لقلة مبالاتهم بالأمر لا لعسر الطلب  ، فتعليق العذر بالجهل بأفعال الخلق جهل واضح ، فليس إعراضهم أو إقبالهم هو المعتبر ، بل المعتبر هو بلوغ القرآن إليهم في الأمور الواضحة البينة كالتوحيد فمن تركه لإعراضه فلا عذر له.
ثم قال
  ونذكِّر في هذا المقام بما صنعه بعض الجهلة الأغبياء الذين وجدوا في كلام ابن عبد الوهاب تكفير بعض البدو في زمانه فجاءوا إلى البدو في زمانهم بعد مرور قرنين من الزمان، يقولون لهم:" أنتم كفار، وعندنا أدلة من كلام ابن عبد الوهاب" (انظر كتاب منهاج أهل الحق والاتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع لابن سحمان ص14).
والجواب
ولنا أن نذكر هنا بصنيع الحمقى مثلك ممن أتوا لكلام شيخ الإسلام في بعض أهل البدع فوضعوه في المشركين بالله وقد سبق شيء من ذلك.

0 التعليقات:

إرسال تعليق