بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
، أما بعد:فهذا هو الجزء السادس من الرد على كتاب العذر بالجهل عندأئمة الدعوة لجامعه رشيد بن أحمد العويش.
قال
رشيد العويش هداه الله في كتابه بمراجعة شيخه ربيع:
وقال ابن العربي (ت 543ـ): (( فالجاهل والمخطئ من هذه الأمَّة ولو عمل
من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركاً أو كافراً، فإنَّه يُعذر بالجهل والخطأ حتى
تتبيَّن له الحجَّة التي يكفر تاركها بياناً واضحاً، ما يلتبس على مثله، وينكر ما
هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، مِمَّا أجمعوا عليه إجماعاً جليًّا قطعيًّا
يعرفه كلٌّ من المسلمين من غير نظر وتأمُّل.
والجواب عليه أن يقال:
أولا: عنوان الكتاب خاص بأئمة الدعوة فما سبب حشر ابن العربي هنا؟
أهو حب التكثر بالأقوال أم مجرد التقميش فقط؟
ثانيا : إن أردت بيان موافقة المتقدمين من أهل الحديث لأئمة الدعوة
، فيقال لاشك عندنا في موافقة أئمة الدعوة للسلف ، بل الشك منكم معاشر المرجئة؛
لكن اتفاقهم على تكفير عباد القبور وليس العكس كما تزعم ، بل نقل أئمة الدعوة
الإجماع على ذلك .
ثالثا: قلت من أهل الحديث وابن العربي معروف مشربه العقدي فما دخله
في أهل الحديث؟
أهو الجهل بمعنى أهل الحديث عند السلف، أم عدك ابن العربي على
أشعريته منهم جهلا؟
رابعا: يمكن توجيه كلامه بما يوافق كلام أئمة الدعوة وهو أن المراد
بكلامه ما كان من قبيل المسائل الخفية، بدليل قوله في الأخير أو ينكر أمرا معلوما
من الدين بالضرورة ، فهنا لم يشترط إقامة الحجة ، بل جعل ذلك مما يعلمه المسلمون
من غير نظر و تأمل، ومعلوم أن التوحيد من أكثر الأمور المعلومة بالاضطرار وعليه
الإجماع من الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم، بل حتى اليهود والنصارى يعلمون أن النبي
عليه السلام أرسل بها حيث قال رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى(4/54):
وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَقَالَاتِ الْخَفِيَّةِ فَقَدْ يُقَالُ
: إنَّهُ فِيهَا مُخْطِئٌ ضَالٌّ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ
صَاحِبُهَا ؛ لَكِنَّ ذَلِكَ يَقَعُ فِي طَوَائِفَ مِنْهُمْ فِي الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ
الَّتِي تَعْلَمُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهَا مِنْ دِينِ
الْمُسْلِمِينَ ؛ بَلْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَعْلَمُونَ : أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ بِهَا وَكَفَّرَ مُخَالِفَهَا ؛ مِثْلُ أَمْرِهِ
بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَنَهْيُهُ عَنْ عِبَادَةِ أَحَدٍ سِوَى
اللَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ
وَالْأَصْنَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ هَذَا أَظْهَرُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ.ا.هـ
خامسا :يقال كلام ابن
العربي يجب أن يفهم في سياقه من موضعه لا من مصدر آخر لأنا لا ندري في أي بساط حال
قاله. فكل من نقل هذا القول نقله عن القاسمي في تفسيره.
قول شيخ الإسلام رحمه الله: وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَتَكْفِيرُ " الْمُعَيَّنِ
" مِنْ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ وَأَمْثَالِهِمْ - بِحَيْثُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ
مِنْ الْكُفَّارِ - لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَقُومَ عَلَى
أَحَدِهِمْ الْحُجَّةُ الرسالية الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ
لِلرُّسُلِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ لَا رَيْبَ أَنَّهَا كُفْرٌ . وَهَكَذَا
الْكَلَامُ فِي تَكْفِيرِ جَمِيعِ " الْمُعَيَّنِينَ " مَعَ أَنَّ بَعْضَ
هَذِهِ الْبِدْعَةِ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ وَبَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ يَكُونُ فِيهِ مِنْ
الْإِيمَانِ مَا لَيْسَ فِي بَعْضٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُكَفِّرَ أَحَدًا مِنْ
الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَتُبَيَّنَ
لَهُ الْمَحَجَّةُ . وَمَنْ ثَبَتَ إيمَانُهُ بِيَقِينِ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ
بِالشَّكِّ ؛ بَلْ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ
.
وجوابا عليه أقول:
أولا: إن سلمنا بقول شيخ الإسلام بعذر عباد القبور فهو مما لا يقبل
منه رحمه الله كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مفيد المستفيد.
ثانيا: كلام شيخ الإسلام ليس في مسائل الشرك والتوحيد بدليل ما سبق
في كلامه وأنه في مسائل البدع الخفية كما بينه كثير من أئمة الدعوة .
ثالثا: شيخ الإسلام لا يطلق العذر في كل المسائل بدليل قوله في نفس
الفتوى (وَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ مَنْ بَلَغَتْهُ
رِسَالَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُؤْمِنُ بِهِ فَهُوَ
كَافِرٌ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ الِاعْتِذَارُ بِالِاجْتِهَادِ لِظُهُورِ أَدِلَّةِ الرِّسَالَةِ
وَأَعْلَامِ النُّبُوَّةِ) فدل هذا على أن كلامه في مسائل مخصوصة، وأن العذر بالجهل
لا يقبل في الشرك لأن أدلة التوحيد أظهر من أدلى الرسال وأعلام النبوة.
رابعا: قبل المقطع المبتور من سياقه تكلم شيخ الإسلام عن اختلاف
أحكام الدنيا عن الآخرة ، وذكر سبب ذلك ثم قال: . وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ
فَعُقُوبَةُ الدُّنْيَا غَيْرُ مُسْتَلْزَمَةٍ لِعُقُوبَةِ الْآخِرَةِ وَلَا بِالْعَكْسِ
. وَلِهَذَا أَكْثَرُ السَّلَفِ يَأْمُرُونَ بِقَتْلِ الدَّاعِي إلَى الْبِدْعَةِ الَّذِي
يُضِلُّ النَّاسَ لِأَجْلِ إفْسَادِهِ فِي الدِّينِ سَوَاءً قَالُوا : هُوَ كَافِرٌ
أَوْ لَيْسَ بِكَافِرِ.ا.ه
وانتبه لقوله من هؤلاء فهو يقصد قوما مخصوصين وليس تقعيدا لأمر
عام كما يدندن حوله جهمية عصرنا.
وبعد هذا الكلام قال ما نقله الجامع آخذا له عن سياقه ، مفسدا
لمعناه بالكلية، بهذا الفعل .
ومما يدل دلالة واضحة على خطأ الاستدلال بقول شيخ الإسلام ، ما
بعده مباشرة من فتوى في كفر من أنكر أن
الله كلم موسى ولم يشترط لذلك إقامة
الحجة ولا التعريف قبل الحكم حيث قال رحمه
الله(12/502):
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
فِي رَجُلٍ قَالَ : إنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا
وَإِنَّمَا خَلَقَ الْكَلَامَ وَالصَّوْتَ فِي الشَّجَرَةِ وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
سَمِعَ مِنْ الشَّجَرَةِ لَا مِنْ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُكَلِّمْ
جِبْرِيلَ بِالْقُرْآنِ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ . فَهَلْ
هُوَ عَلَى الصَّوَابِ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، لَيْسَ هَذَا عَلَى الصَّوَابِ ؛ بَلْ هَذَا ضَالٌّ
مُفْتَرٍ كَاذِبٌ بِاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا ؛ بَلْ هُوَ كَافِرٌ
يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِذَا قَالَ : لَا أُكَذِّبُ
بِلَفْظِ الْقُرْآنِ - وَهُوَ قَوْلُهُ : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا }
- بَلْ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ حَقٌّ لَكِنْ أَنْفِي مَعْنَاهُ وَحَقِيقَتَهُ
؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ الْجَهْمِيَّة الَّذِينَ اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ
عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ شَرِّ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ كَثِيرٌ
مِنْ الْأَئِمَّةِ عَنْ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ فِرْقَةً . ا.ه
فهل هذا الأمر أوضح أم توحيد رب العالمين؟
ونقل الجامع عن شيخ الإسلام قوله:
وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الْقَوْلَ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا
فَيُطْلَقُ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِ صَاحِبِهِ وَيُقَالُ مَنْ قَالَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ
لَكِنَّ الشَّخْصَ الْمُعَيَّنَ الَّذِي قَالَهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَتَّى تَقُومَ
عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا .
ثم قال رحمه الله:
. وَهَكَذَا الْأَقْوَالُ الَّتِي
يَكْفُرُ قَائِلُهَا قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ لَمْ تَبْلُغْهُ النُّصُوصُ الْمُوجِبَةُ
لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَقَدْ تَكُونُ عِنْدَهُ وَلَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ
يَتَمَكَّنْ مِنْ فَهْمِهَا وَقَدْ يَكُونُ قَدْ عَرَضَتْ لَهُ شُبُهَاتٌ يَعْذُرُهُ
اللَّهُ بِهَا فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مُجْتَهِدًا فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَأَخْطَأَ
فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ خَطَأَهُ كَائِنًا مَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسَائِلِ
النَّظَرِيَّةِ أَوْ الْعَمَلِيَّةِ هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَجَمَاهِيرُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَمَا قَسَّمُوا
الْمَسَائِلَ إلَى مَسَائِلِ أُصُولٍ يَكْفُرُ بِإِنْكَارِهَا وَمَسَائِلِ فُرُوعٍ
لَا يَكْفُرُ بِإِنْكَارِهَا .
ويقال في هذا ما قيل في النص الذي قبله، أنه في تكفير أهل البدع
وأصحاب المقالات المخالفة كما هو بين من أول جوابه رحمه الله. حيث قال في أوله:
لَكِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ
وَالنَّاسُ مُضْطَرِبُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
فلا يدخل فيها تكفير المشركين حتى يعمم الكلام .
وجعل هذا الكلام قاعدة عامة في كل خطأ غلط على شيخ الإسلام ؛ إذ لا
يظن به هذا الظن ، وقد نقلت عنه كلاما صريحا في أن التوحيد معلوم من الدين
بالاضطرار، بل ويعلم اليهود والنصارى أن النبي عليه السلام جاء بإنكاره وتكفير من
أنكره.
وكذا مسألة إنكار نبوة
الرسل عليه السلام إذ لا عذر فيها لمن أنكرها كما سبق النقل عنه ، فكيف بمن أنكر
توحيد رب العالمين؟ هذا أولى بعدم العذر يا من تكذبون على شيخ الإسلام.
وعلق المقمش في هامش تلك الصفحة أن من لم يشترط إقامة الحجة فقد
عرض نفسه لخطر عظيم، وكلامه فيه عموم وغموض كبيرين ، فكلامه ينطبق على شيخه الذي
راجع الكتاب ،حيث لا يشترط إقامة الحجة فيمن سب الله أو الدين للحكم عليه بالكفر،
فهل هو داخل في عموم قوله الظالم؟
بل حتى شيخ الإسلام لا يشترط إقامة الحجة في كل مكفر فهل هو داخل
في عموم قوله؟
وهذا النص علق عليه الشيخ حامد الفقي بقوله:
"هذا التفصيل -والله أعلم- في أهل الأهواء والبدع التي لا نص من
الكتاب والسنة أن صاحبها كافر. أما البدع التي فيها نص كذلك. فما كان شيخ الإسلام ولا
غيره من السلف يتوقفون في الإعلان بتكفيرهم وذلك مثل المعلنين بالشرك والوثنية، بدعاء
الموتى والاستعانة بهم والطواف والعكوف عند الأصنام التي أقيمت بأسمائهم وبذل الأموال
في مرضاتهم واتقاء غضبهم وإقامة الأعياد الشركية باسمهم. مع أنهم يتلون صريح القرآن
أن هذا شرك ولكن يصرفون آياته عنهم. فكل كتب شيخ الإسلام مصرحة بكفر هؤلاء. فلا تنعقد
الصلاة وراءهم صحيحة، مهما زعموا لأنفسهم أو زعم الجاهلون لهم". اهـ.
ثم نقل عن شيخ الإسلام نصا آخر وهو:
لَكِنْ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مُطْلَقًا وَلَمْ
يَبْلُغْهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا يُبَيِّنُ لَهُ الصَّوَابَ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ
حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي مَنْ خَالَفَهَا كَفَرَ . إذْ كَثِيرٌ
مِنْ النَّاسِ يُخْطِئُ فِيمَا يَتَأَوَّلُهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَجْهَلُ كَثِيرًا
مِمَّا يَرِدُ مِنْ مَعَانِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . وَالْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ
مَرْفُوعَانِ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَالْكُفْرُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْبَيَانِ.
عزاه للمسائل الماردينية ولم أجده فيها. بل هو في مجموع الفتاوى
وهو مبتور حذف منه الجاهل أوله كيلا يكون حجة عليه ، وهذا دليل على أنه صاحب هوى
مثله مثل من راجع كتابه، وللجواب المفصل يقال :
أولا : هذه فتوى في تكفير من أنكر أن الله كلم موسى ولم يشترط له
التعريف وقد سبق نقل أول الفتوى وفيه أن من نفى تكليم الله لموسى فإنه كافر يستتاب
وإلا قتل، ولم يشترط إقامة الحجة لتكفيره.
حيث قال رحمه الله: أَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ
مُوسَى تَكْلِيمًا فَهَذَا إنْ كَانَ لَمْ يَسْمَعْ الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يُعَرَّفُ
أَنَّ هَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ فَإِنْ أَنْكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ
تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إنْ كَانَ كَلَامُهُ بَعْدَ أَنْ يَجْحَدَ
نَصَّ الْقُرْآنِ بَلْ لَوْ قَالَ : إنَّ مَعْنَى كَلَامِي أَنَّهُ خَلَقَ صَوْتًا
فِي الْهَوَاءِ فَأَسْمَعُهُ مُوسَى كَانَ كَلَامُهُ أَيْضًا كُفْرًا وَهُوَ قَوْلُ
الْجَهْمِيَّة الَّذِينَ كَفَّرَهُمْ السَّلَفُ وَقَالُوا : يُسْتَتَابُونَ فَإِنْ
تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا .
ثم قال ما نقله المقمش.
فلا أدري أحذف أول الفتوى عمدا لينصر باطله ، أم قلد غيره في النقل
فوقع في هذا الخلط.
ثانيا: كلام شيخ الإسلام فيمن كان مؤمنا بالله ورسوله ، والمشرك
ليس كذلك فلا يدخل في عموم قوله رحمه الله ، فلا يستدل بكلامه هذا على عدم تكفير
المشركين.
ثالثا: تتمة كلام شيخ الإسلام تنقض استدلال المقمش والمراجع حيث
قال رحمه الله تعالى: (وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا
عَلَى أَنَّ الْجَهْمِيَّة مِنْ شَرِّ طَوَائِفِ أَهْلِ الْبِدَعِ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ
كَثِيرٌ عَنْ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ فِرْقَةً . وَمِنْ الْجَهْمِيَّة :
الْمُتَفَلْسِفَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إنَّ كَلَامَ اللَّهِ
مَخْلُوقٌ وَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا كَلَّمَ مُوسَى بِكَلَامِ مَخْلُوقٍ خَلَقَهُ فِي
الْهَوَاءِ وَإِنَّهُ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ - وَإِنَّهُ لَيْسَ مُبَايِنًا لِخَلْقِهِ
وَأَمْثَالَ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ الَّتِي تَسْتَلْزِمُ تَعْطِيلَ الْخَالِقِ وَتَكْذِيبَ
رُسُلِهِ وَإِبْطَالَ دِينِهِ . ا.ه
0 التعليقات:
إرسال تعليق