Pages

السبت، 6 سبتمبر 2014

رد شبهة الشعور بالتقصيرالتي يطبل بها الطيباوي دفاعا عن عباد الأوثان


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فقد طالعت بعض ما يكتبه أحد العقلانيين ببلادنا وهو الطيباوي في مسألتي العذر بالجهل للمشرك وكذا للواقع في البدعة ، وإن غالب كلامه في الثاني يتجه لربيع وشلته لأنهم قوم متناقضون في أحكامهم ، و لا يتجه لأهل السنة لأن منهجهم منضبط لا يتعدد ولا يختلف باختلاف المحكوم عليه فالكل أمام الحق سواء، وقد كنت فكرت من مدة كتابة رد مطول على مقاله في العذر بالجهل لكني تركت ذلك استغناء بما كتب ردا على غيره لأنه كرر نفس كلام ابن تيمية الذي يتعلق به كل عاذر للمشركين ، ولما رأيته أعاد فتح المسألة طالبا النقاش العلمي المنضبط أعدت قراءة مقاله في عجالة فظهر لي أنه اعتمد على أمر رآه حجة تبطل قول من لا يعذر المشركين فأردت نقل ما يفند ذلك بإيجاز شديد.
قال الطيباوي في مقاله ص 12:
وهنا تقف أمامنا مسألة الشعور بالعلم والشعور بالجهل والتقصير أو العلم المجمل الذي يخفي الشعور بالجهل بالتفاصيل ، وندرك الشبهة التي اعتمد عليها القائلون بالتفريق في العذر بالجهل بين اصول الدين والأحكام ؛ وهو أنه بعد استقرار الشريعة أو استقرار التبليغ لا يعذر بالجهل لأنه يلزم طلب العلم وعدم الإقدام على العمل إلا بعد معرفة الحكم الشرعي ، غفلوا عن قيد وشرط الشعور بالجهل والشعور بالعلم ، فإن من لم يشعر بجهله ، أو لم يشعر بوجود دليل مخالف بسبب شبهة المذهب لا يمكن أن نلزمه بهذا الأصل.ا.ه
وفي كلامه هذا ترى نفس أهل الرأي، وإن زعم اعتماده على ابن تيمية رحمه الله، ولو طردنا كلامه هذا لأعذرنا كل كافر ومشرك لأنه يرى نفسه على الحق ولا يشعر بالتقصير ولا بالجهل ، وهذا عام في كل مخالف ، ومعلوم أن طرد هذا الأصل يعود على الدين كله بالإبطال فلا يحكم إلا على المعاند وهذا كلام خطير لو عقله قائله، لكن من تأثر بمناهج المتكلمين أضاع الطريق وهو نفسه واقع في مسألة الشعور التي يخلط فيها ، لكن لا يعذر بتخليطه في الشرع فليس الأمر متروكا لنظر الناس وأهوائهم.
ولبيان وهاء حجته هذه بعض أقوال المفسرين تنقض تأصيله الباطل وتكسر عمود موضوعه.
قال الطبري رحمه الله(12/388) :
القول في تأويل قوله : { إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة، إنما ضلوا عن سبيل الله وجارُوا عن قصد المحجة، باتخاذهم الشياطين نُصراء من دون الله، وظُهراء،  جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك، بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما أتوه وركبوا.
وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعمَ أن الله لا يعذِّب أحدًا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادًا منه لربه فيها. لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضلّ وهو يحسَبُ أنه هادٍ. وفريق الهدى،  فَرْقٌ. وقد فرَّق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية.
وقال في موضع آخر(21/605):
وقوله:( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ) يقول تعالى ذكره: وإن الشياطين ليصدّون هؤلاء الذين يعشون عن ذكر الله، عن سبيل الحقّ، فيزينون لهم الضلالة، ويكرهون إليهم الإيمان بالله، والعمل بطاعته( وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) يقول: ويظن المشركون بالله بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلالة، أنهم على الحق والصواب، يخبر تعالى ذكره عنهم أنهم من الذي هم عليه من الشرك على شكّ وعلى غير بصيرة.
وقال رحمه الله تعالى(18/128):
عن أبي حرب بن أبي الأسود عن زاذان، عن عليّ بن أبي طالب، أنه سئل عن قوله( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا ) قال: هم كفرة أهل الكتاب ، كان أوائلهم على حقّ، فأشركوا بربهم، وابتدعوا في دينهم، الذي يجتهدون في الباطل، ويحسبون أنهم على حقّ، ويجتهدون في الضلالة، ويحسبون أنهم على هدى، فضلّ سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، ثم رفع صوته، فقال: وما أهل النار منهم ببعيد.
وقال آخرون: بل هم الخوارج.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان بن سَلَمة، عن سلمة بن كُهَيل، عن أبي الطفيل، قال: سأل عبد الله بن الكوّاء عليا عن قوله( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا ) قال: أنتم يا أهل حَروراء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا يحيى بن أيوب، عن أبي صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن أبي الصهباء البكريّ، عن عليّ بن أبي طالب، أن ابن الكوّاء سأله، عن قول الله عزّ وجلّ( هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا ) فقال عليّ: أنت وأصحابك.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل، قال: قام ابن الكوّاء إلى عليّ، فقال: من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، قال: ويْلُك أهل حَروراء منهم.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن خالد ابن عَشْمة  ، قال: ثنا موسى بن يعقوب بن عبد الله، قال: ثنى أبو الحويرث، عن نافع بن جبير بن مطعم، قال: قال ابن الكوّاء لعليّ بن أبي طالب: ما الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا؟ قال: أنت وأصحابك.
والصواب من القول في ذلك عندنا، أن يقال: إن الله عزّ وجلّ عنى بقوله( هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا ) كلّ عامل عملا يحسبه فيه مصيبا، وأنه لله بفعله ذلك مطيع مرض، وهو بفعله ذلك لله مسخط، وعن طريق أهل الإيمان به جائر كالرهابنة والشمامسة وأمثالهم من أهل الإجتهاد في ضلالتهم، وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بالله كفرة، من أهل أيّ دين كانوا.ا.ه
وفي عد السلف للخوارج فيمن ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا رد على من يتعلق بشبهة أن الآيات في الكفار الأصليين ولا تنطبق على من انتسب للإسلام.
وقال ابن كثير في تفسيره(5/202):
قال في هذه الآية الكريمة: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ } أي: نخبركم { بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا } ؟ ثم فسرهم فقال: { الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أي: عملوا أعمالا باطلة على غير شريعة مشروعة مرضية مقبولة، { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } أي" يعتقدون أنهم على شيء، وأنهم مقبولون محبوبون.
وقوله: { أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ } أي: جحدوا آيات الله في الدنيا، وبراهينه التي أقام على وحدانيته، وصدق رسله، وكذبوا بالدار الآخرة، { فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } أي: لا نثقل موازينهم؛ لأنها خالية عن الخير
قال الشنقيطي في الأضواء(2/13):
قوله تعالى: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} ، بين تعالى في هذه الآية الكريمة، أن الكفار اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله، ومن تلك الموالاة طاعتهم لهم فيما يخالف ما شرعه الله تعالى، ومع ذلك يظنون أنفسهم على هدى.
وبين في موضع آخر: أن من كان كذلك فهو أخسر الناس عملاً، والعياذ بالله تعالى، وهو قوله جل وعلا: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [18/103، 104].
تنبيه
هذه النصوص القرآنية تدل على أن الكافر لا ينفعه ظنه أنه على هدى؛ لأن الأدلة التي جاءت بها الرسل لم تترك في الحق لبساً ولا شبهة، ولكن الكافر لشدة تعصبه للكفر لا يكاد يفكر في الأدلة التي هي كالشمس في رابعة النهار لجاجاً في الباطل، وعناداً، فلذلك كان غير معذور. والعلم عند الله تعالى.ا.ه
ففي هذه الآيات وما نقل من تفسيرها بيان أنه لا اعتبار لمسألة الشعور بالأشياء أو لوازم الأشياء التي يظنها العقلاني الطيباوي حجة قاطعة في مسألة العذر بالجهل ، وكل من وقع في بدعة لا يظن نفسه على ضلالة بل يرى نفسه على الحق وأنه مصيب لكن لا يلتفت لظنه هو بل يعامل بمقتضى أحكام الشرع ومدى مخالفته لها
والطيباوي رجل  يشبه أهل الرأي ويطلق من عقله ولا يمت كلامه لطريقة السلف بصلة، وأكبر متعلقاته كلام مشتبه لابن تيمية ، ثم يوهم الناس أنه حقق في المسألة و ضبطها وهو لا يخرج عن كلام ابن تيمية كأن كلامه هو الوحي وما ذاك  إلا لبعده عن  طريقة الآثار وأهلها ، وسوء فهمه بكلام السلف في معاملة المبتدعة، ولو طرد أصله لما حكم على شخص ببدعة ولا كفر أبدا لانعدام الشعور كما يزعم.
وتعلقه بتناقض البعض في الحكم بالبدعة لا يصح ، فالتبديع قاعدة واحدة عند السلف لا يحابى فيها النووي ولا ابن حجر ولا ابن قطب فكلهم ضلال مبتدعون ، وكلامه لازم لمن يعذر ابن حجر ويبدع ابن قطب ولا يتجه على اصول وقواعد السلف الصالح التي لا تعرف الانتقائية في الحكم على الرجال.
وقال في مقاله أيضا يعتذر للعامي المقلد:

ولا يملك وسائل تقييم علمائه وائمته الذين يسوغون له الاستغاثة بالمقبور فكيف لا نعذره بالجهل.ا.ه
وهذا واضح البطلان ولا أدري كيف استطاع هذا المخلوق أن يقرر أمرا كهذا ؟
فمقلدة علماء النصارى سببهم هذا الأمر ومقلدة أحبار اليهود هذا عذرهم في عدم متابعة الرسول عليه السلام فهل ترى الفيلسوف يعذرهم؟ أم سيقول أن كلامه في المنتسبين للإسلام؟
فنقول العبرة بالعلة لا بما تقصد في كلامك ، فالعلة هي الشبهة التي يعرضها علماء الضلالة لمتبوعيهم ليردوهم عن الحق ، فهي سواء في علماء النصارى و اليهود وعلماء المشركين الذين تتحدث عنهم.
قال الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره(3/288):
والصواب من القول عندي في ذلك أنّ الله تعالى ذكره أخبرَ أنّ المتَّبَعين على الشرك بالله يتبرأون من أتباعهم حين يعاينون عذاب الله. ولم يخصص بذلك منهم بعضًا دون بعض، بل عَمّ جميعهم. فداخلٌ في ذلك كل متبوع على الكفر بالله والضلال أنه يتبرأ من أتباعه الذين كانوا يتَّبعونه على الضلال في الدنيا، إذا عاينوا عَذابَ الله في الآخرة.ا.ه
فلم يعذر الله المتبوعين بجهلهم خلافا لقول الطيياوي .
وقال ابن كثير في تفسيره(6/519):
قال الله تعالى متهددا لهم ومتوعدا، ومخبرا عن مواقفهم الذليلة بين يديه في حال تخاصمهم وتحاجهم: { يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا } منهم وهم الأتباع { لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا } وهم قادتهم وسادتهم: { لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } أي: لولا أنتم تصدونا، لكنا اتبعنا الرسل وآمنا بما جاؤونا به. فقال لهم القادة والسادة، وهم الذين استكبروا: { أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ } أي: نحن ما فعلنا بكم  أكثر من أنَّا دعوناكم فاتبعتمونا من غير  دليل ولا برهان، وخالفتم الأدلة والبراهين والحجج التي جاءت بها الأنبياء، لشهوتكم واختياركم لذلك؛ ولهذا قالوا: { بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ. وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَار } أي: بل كنتم تمكرون بنا ليلا ونهارا، وتَغُرّونا وتُمَنّونا، وتخبرونا أنا على هدى وأنا على شيء، فإذا جميع ذلك باطل وكَذبٌ ومَيْن.ا.ه
فلم ينفهم ذلك بل هم في العذاب مشتركون.
ولعل الله أن ييسر كتابة رد مطول لنسف كل شبهات الرجل في مسألتي عذر المشركين وفي مسألة التبديع وضوابطها .


0 التعليقات:

إرسال تعليق