Pages

الخميس، 18 سبتمبر 2014

مناقشة هادئة مع مناصرة



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
 فقد كتب بدر الدين مناصرة مقالا عنوانه الألباني ينسف نواقض الإسلام ولما قرأت المقال رأيت بعض النقاط التي تحتاج لتوضيح ، ومزيد بيان دفعا للخطأ عن السنة ، ولست أكتب ما أكتب دفاعا عن الألباني بل في بعض ما أقول تنبيه لعظم غلطه على الدين كله.
قال مناصرة :
لقد بذل الألبانيّ عمره في تصفية الأحاديث ، فأظهر الثابت من غيره ، و نافح عن السّنّة و دافع عنها دفاعا لا نظير  له ، إلا أنّ الشيخ في باب الإيمان أتى بقول عظيم خالف به أهل السّنّة و الجماعة ، حيث قرّر أنّ العمل شرط كمال ضاربا إجماع المسلمين عرض الحائط.
أولا:
هذا منهج الموازنة بين الحسنات والسيئات عند النقد وهو مخالف المنهج السلف إذ لم يعرف عليهم مثل هذا التأصيل ولا تطبيقه عند الرد على الضلال.
ثانيا:
الألباني لم يقم بتصفية الحديث بل زاده غموضا وتخليطا وأتى فيه بتأصيلات مضادة لما كان عليه أئمة الحديث ونقاده، فتوسع في باب الحسن لغيره واحتج به كثيرا ، ورد أحكام الأئمة بالنكارة والضعف الشديد، وجعل المنكر مما يقبل التقوية بجهله، وطعن في تضعيف الأئمة السابقين وأمثلة هذا كثير ولو استقصينا لطال بنا المقام .
مع ما امتاز به من ظاهرية جوفاء في الأحكام الحديثية والفقهية
وخذ مثالا بينا تضعيفه لحديث بني عبد المنتفق وكذا أثر مجاهد وغيرها من الأحاديث التي هجم عليها مع قبول الأئمة لها والعكس في غيرها حيث صحح ما ضعفوه بعلل واضحة لكن  الرجل فيه تعالم في علم الحديث وغيره حيث أنه يرى الأئمة رجالا مثله يمكنه رد كلامهم بأريحية.
والألباني لم ينافح عن السنة إلا اسما أما في حقيقة الأمر فقد نافح عن البدعة وأهلها وأتى ببواقع لا يستقيم معها مثل هذا الكلام البتة.
ثالثا : تقديم اسم الألباني بالشيخ فيه تغرير بالناس ، وفيه شيء من المدح الظاهر له ,هذا لا يليق بالراد عليه وقد تكرر هذا كثيرا في المقال ، وهذا يضعفه فوجب تركه لمخالفته نهج السلف وأهل العلم في الرد.
وقال مناصرة:
أحدهما :  جَدّ في طلب الحقّ و لكنّه لم يصبه ومات على غير التوحيد ، فهذا حكمه حكم أهل الفترة .
أهل الفترة الذين يمتحنون هم من لم تبلغه الدعوة ومات على غير الشرك ، أما من مات مشركا فلا يمتحن لحديث بني المنتفق، وفيه أن كل مشرك في النار فمن زعم أن هناك من يشرك ويمتحن ثم يدخل الجنة فقد خالف الدليل الصريح الصحيح وقوله محتاج لدليل واضح وإلا فهو مردود سواء كان القائل ابن القيم أو غيره.
قال مناصرة:
بهذا يكون الشيخ الألبانيّ قد خرق إجماعا آخر ، ألا و هو حكم أهل الفترة ، حيث قال إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل-  الشيخ : ( بل أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرّسالة والقرآن وماتوا على الجاهليّة لا يسمّون مسلمين بالإجماع ، ولا يستغفر لهم ، وإنّما اختلف أهل العلم في تعذيبهم ). [ حكم تكفير المعين  ] .
في كلام الألباني الشار إليه مجازفة ظاهرة يكفي في بيان باطلها أنه يعلم أن قوله لم يسبق إليه وهذا كاف في رد قوله ، إذ لم يعرف عمن سبقه إطلاق اسم الفترة في وقت انتشار الإسلام بين الناس.
وقال الألوسي (الحنفي) في تفسيره: أجمع المفسرون بأن الفترة هي انقطاع ما بين رسولين.
قال مناصرة:
إلا أنّ بعض طلبة العلم حاول إقناعنا بأنّ الألبانيّ يقول إنّ الإيمان قول و عمل و اعتقاد يزيد و ينقص ، فهو إذن لم يوافق المرجئة ، لكنّه تناسى و تجاهل أنّ الألبانيّ حصر الكفر في الجحود ، و هذا ليس من قول أهل السّنّة.ا.ه
وهذه لا ترد بقول الفوزان فقط ؛ كيف وقد ردها السلف قديما والرد إليهم أولى وأوجب ، قال حرب الكرماني رحمه الله في إجماعه:
ومن زعم أن الإيمان قول بلا عمل فهو مرجئ، ومن زعم: أن الإيمان هو القول، والأعمال شرائع، فهو مرجئ.  
وإن زعم أن الإيمان لايزيد ولا ينقص فهو مرجئ .
وإن قال أن الإيمان يزيد ولا ينقص، فقد قال بقول المرجئة.
ومن لم ير الاستثناء في الإيمان فهو مرجئ. ا.ه
فليس بين هذه الأمور تعلق فمن قال بشيء منها فهو مرجئ .والألباني قائل بالقول الثاني ولو لم يصرح بذلك كعادة أهل الضلال.
ثم أن الألباني في حقيقة أمره لا يقول بأن الإيمان قول وعمل ، فمن يقرر نجاة تارك العمل كلية لا يجعل العمل داخلا في الإيمان وركنا فيه ،فذهاب الركن ذهاب للماهية ومن يبقي ماهية الإيمان بلا عمل فلا يعد العمل ركنا فيه وإن صرح به جهلا منه بحقيقة الألفاظ ومعانيها، وحاله كحال من يقول لا إله إلا الله ثم يشرك به غيره فلا تنفعه ظاهر الكلمة حتى يحقق معناها .
قال مناصرة:
و قال : ( ليست الموالاة في حدّ ذاتها كفراً، كفر ردّة ، ولكنّه معصية كبيرة، فمن استحلها بقلبه ، كالذي استحل الربا بقلبه ، كلاهما ارتدّ عن الإسلام ، ومن لم يستحل بقلبه هذه المعصية أو تلك ، فلا يزال في دائرة الإسلام ) [ موسوعة الألباني في العقيدة 5/654، والهدى والنور467 و 468 ] .
وهذا نص ليس ظاهرا فيما ذهب إليه مناصرة ؛ لأنه قد يقال أنه يقصد الموالاة ولا يقصد التولي والفرق بينهما معروف  وللألباني قول آخر اصرح من هذا حيث قال:
هذا كقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة:51)، فهذا التولي هو كفر عملي، فإذا ما اقترن به كفر قلبي فهو كفر، كفر ملة يخرج به عن الإسلام..ا.ه المراد
وقال مناصرة:
4 - أبو عبيد القاسم بن سلام تـ 224 هـ فقال : ( نظَرْت فِي كَلَامِ الْيَهُودِ وَالْمَجُوسِ فَمَا رَأَيْت قَوْمًا أَضَلُّ فِي كُفْرِهِمْ مِنْهُمْ وَإِنِّي لأستجهل مَنْ لَا يُكَفِّرُهُمْ إلَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ كُفْرَهُمْ ، من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، ومن لم يكفره ، فهو كافر، ومن شك في كفره فهو كافر) [  مجموع الفتاوى 12/509 ]
ليست هذه عبارة الفتاوى فلعله ناقل عن مصدر غير صحيح وكان عليه التثبت قبل النقل لئلا يقع فيمثل هذا الأمر وعبارة مجموع الفتاوى هي كمايلي:
نَظَرْت فِي كَلَامِ الْيَهُودِ وَالْمَجُوسِ فَمَا رَأَيْت قَوْمًا أَضَلُّ فِي كُفْرِهِمْ مِنْهُمْ وَإِنِّي لأستجهل مَنْ لَا يُكَفِّرُهُمْ إلَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ كُفْرَهُمْ . قَالَ : وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ : مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا كَمَا زَعَمُوا فَلِمَ صَارَ فِرْعَوْنُ أَوْلَى بِأَنْ يُخَلَّدَ فِي النَّارِ إذْ قَالَ { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } ؟ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا مَخْلُوقٌ وَاَلَّذِي قَالَ : { إنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي } هَذَا أَيْضًا قَدْ ادَّعَى مَا ادَّعَى فِرْعَوْنُ فَلِمَ صَارَ فِرْعَوْنُ أَوْلَى أَنْ يُخَلَّدَ فِي النَّارِ مِنْ هَذَا ؟ وَكِلَاهُمَا عِنْدَهُ مَخْلُوقٌ.ا.ه
وبالتالي فلا ينسب القول لأبي عبيد ، والعبارة قالها البخاري كما في كتابه خلق أفعال العباد  وقد رواها عنه بعض أهل بلده، ولعل ابن تيمية وهم في نسبتها لأبي عبيد.
وقال مناصرة:
6 - وعن سلمة بن شبيب النيسابوري تـ 247هـ ، محدث أهل مكة ، قال ابن حجر في [ التهذيب 2/303] : ( قال داود بن الحسين البيهقي ؛ بلغني أنّ الحلوانيّ قال : لا أكفّر من وقف في القرآن ، قال داود : فسألت سلمة بن شبيب عن الحلوانيّ، فقال يرمى في الحُش ، من لم يشهد بكفر الكافر فهو كافر ). [ الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد  7/365 ].
هذا جواب من ابن شبيب حول معين عرف بالعلم فلا ينقض به إجماع الرازيين ، فالحلواني قائل ذاك الكلام لم يكن جاهلا فهو ممن يفهم على حسب تعبير الرازيين
وقال مناصرة:
و أوّل من اشترط إقامة الحجّة على الجاهل - على حسب علمي - هو  أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي تـ 264هـ ، حيث قال :( من زعم أنّ القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفراً ينقل عن الملة ، ومن شكّ في كفره ممّن يفهم فهو كافر )     [ اللالكائي في السنة  2/176 ] .
فأبو زعة محجوج بقول السّابقين ، لأنّه لم يُعرف لهم مخالف ، و من هنا نقول الأصل في العاذر هو الكفر ، إلا إذا كانت عنده شبهة.
ثم ساق كلام ابن سحمان.
ومع هذا الكلام وقفات:
أولا: ما جاء في العقيدة المذكورة عقيدة أبي زرعة وأبي حاتم معا وليس أبا زرعة وحده، وهما ناقلان  للاتفاق على قولهما  وليسا هما من اشترطا إقامة الحجة ، وإن لم يؤخذ بنقلهم الإجماع فلا ندري بإجماع من سنعتد؟
ففي أصول الاعتقاد للالكائي:
قال: أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين ، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار ، وما يعتقدان من ذلك ، فقالا : « أدركنا العلماء في جميع الأمصار  حجازا وعراقا وشاما ويمنا..) فكان مما قالا : ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفرا ينقل عن الملة . ومن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر.ا.ه
ولا يظن بهذين الإمامين أنهما يجهلان ما نقل من آثار وهما من حفاظ الأمة ، وبالتالي فلابد من توجيه الآثار المفردة بما يتفق والإجماع المنقول ولا يضرب هذا بذاك ، كيف وقد قال البخاري ما يؤيد هذا القول حيث جعل من لايكفرهم جاهلا ولم يصرح بتكفيره مطلقا كما سبق ذكره معزوا لأبي عبيد ابن سلام .
فتحمل تلك الأقوال على العموم أو على القول ويحمل ما نقله الرازيان على الأعيان.

ثانيا: الاعتذار بالشبهة ليس في كلام السلف الذين نقل آثارهم ولا يستدل بابن سحمان _ إن صح فهم كلامه_ عليهم فليس ذاك من المنهج العلمي.
ثم كيف يرد قول أبي زرعة وهو ينقل الاتفاق على قوله ثم يقبل قول ابن سحمان بغير دليل بين على ما قال.
بل حتى ابن سحمان لم يقيد الحكم بإزالة  الشبهة في كلامه بل قيد الحكم بقيام الحجة وهي تنطبق على كلام أبي زرعة رحمه الله فكان الأولى أن يرد قوله كما رد قول أبي زرعة بدعوى أنه منقوض بما سبق نقله من الآثار.
ثالثا: عبارة محجوج بكلام من سبقه ليست صحيحة فأقوالهم مفردة ليست حجة ، بل الإجماع هو الحجة فيقال أن الإجماع منتقض بما سبق_ على فرض ذلك_ وإلا فحمل أقوالهم مع ما يتفق والإجماع أصوب.
وما نقل من كلام الإمام المجدد ليس صريحا في مخالفة ما قعده الرازيان رحمهما الله ، يمكن حمله على غير الشبهة فينطبق مع إجماع الرازيين.


0 التعليقات:

إرسال تعليق