بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أما
بعد:
فهذه الحلقة الثالثة من مناقشة كتاب حاج عيسى حول العذر بالجهل:
فهذه الحلقة الثالثة من مناقشة كتاب حاج عيسى حول العذر بالجهل:
قال في مقاله الجائر:
بعد أن قرر صاحب المجهر (67-69) أن الكفر بالطاغوت
شرط في الإيمان، وهذا لا خلاف فيه قال :« ويبقى سؤال أريد من أخي القارئ الإجابة
عليه، وهو من لم يخلع الأنداد أو الأوثان أو عبادة الطواغيت أو ارتضى طاغوتا يسوس
العباد ويحكم فيهم بما شاء من تشريعات وأحكام دون الله ورسوله صلى الله عليه و سلم
فهل هذا كفر بالطاغوت أم آمن به؟».
وينبغي التنبه إلى أنه قال هذا في بحث كيفية انتقال العبد من
الشرك إلى الإسلام، لا في بحث النواقض أو أسباب الردة، وأهل الغلو عموما يخلطون في
هذا الباب خلطا عظيما بين الأمرين، وعلى قول صاحب المجهر فإننا إذا دعونا نصرانيا
أو وثنيا إلى الإسلام فإنه لا يكون مسلما حتى يكفر بالأنظمة الحاكمة في البلاد
الإسلامية جميعا، فإن أبى لم تنفعه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله،
لست ألزمه هذا فقد صرح بنحوه في الصفحة. والذي يدفعهم إلى مثل هذا الخلط والتزام
هذه اللوازم، هو ذاك السؤال الذي لم يجدوا له جوابا مقنعا، كيف تجعلون من أتى
بالشهادة ومن لم يأت بها من اليهود والنصارى والمشركين سواء؟
وجوابه مختصرا:
لا يعقل أن يطالب شخص مسلم بالكفر بشيء معين لم يعرفه ، بل يكفيه اعتقاده
بطلان كل الطواغيت عموما ، ومن عرفه كفر به بعينه ، وصفة الكفر بالطاغوت قررها
الشيخ المجدد في رسالة الكفر بالطاغوت بقوله:
اعلم رحمك الله تعالى
أن أول ما فرض الله على ابن آدم الكفر بالطاغوت والإيمان بالله والدليل قوله تعالى
{بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:
36].
فأما صفة الكفر بالطاغوت،
أن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وتتركها وتكفر أهلها وتعاديهم .ا.ه
وجاء في الدرر السنية:
(2/121):
ومعنى الكفر بالطاغوت:
أن تبرأ من كل ما يعتقد فيه غير الله، من جني، أو إنسي، أو شجر، أو حجر، أو غير ذلك،
وتشهد عليه الكفر والضلال، وتبغضه، ولو كان أنه أبوك أو أخوك، فأما من قال: أنا لا
أعبد إلاَّ الله، وأنا لا أتعرض السادة والقباب على القبور وأمثال ذلك، فهذا كاذب في
قول لا إله إلاَّ الله، ولم يؤمن بالله، ولم يكفر بالطاغوت»
ولست هنا مدافعا عن صاحب الكتاب فلم أطلع عليه ، بل دفاعي عن معتقد أهل
السنة ، ولا علينا ممن غلط في المسألة.
فتشغيبك على صاحب الكتاب دليل على سوء قصدك.
وشرط الكفر بالطاغوت لتحقيق
الإيمان لا يجادل فيه إلا مشرك لم يحقق معنى التوحيد الحق ، فالله سبحانه جعل
الكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله ، فمن لم يحققه فلم يعتصم بالعروة الوثقى ، وهو
كافر وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم.
أما جواب سؤالك الذي تراه أعجز أهل الحق جوابه ، فهو من جهلك لا أكثر ، فمن
منع تطبيق ما نزل في الكفار في حق من ارتد عن الإسلام بفعل ناقض من النواقض؟
والصحابة استدلوا بما نزل في الشرك الأكبر على الشرك الأصغر كما ذكره
الإمام المجدد في مسائل كتاب التوحيد.
واستدلال السلف وأهل التفسير بما ورد في الكفار على من عداهم معروف مشهور
لا يجهله إلا أعمى البصر والبصيرة.
ثم قال :
وصاحب المجهر بحث في أحكام الردة وفاته من نصوص الفقهاء قولهم
:« وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ أَوْ أَذَّنَ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ أَصْلِيًّا كَانَ
أَوْ مُرْتَدًّا وَسَوَاءٌ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى بِدَارِ الْإِسْلَامِ
أَوْ الْحَرْبِ ».
نعم هذا ما يقبل به إسلامه ابتداء ، لكن ينظر لعمله فيما بعد ، هل يبقى على
توحيده أم ينقضه.
وهذا النص ليس ما يبحث في أحكام الردة بل في دخول المرء الإسلام فتنبه ولا
تخلط بجهل فاضح.
وقال :
الشبهة السادسة : عدم تأثير الجهل في أحكام الردة
ثالثا : من الفقهاء من يصرح بنفي العذر وهو يقصد نفي الاعتذار بالجهل في
الأحكام القضائية، فمعنى كلامه نفي قبوله لنفي العقوبة وحكم الردة عند القاضي خاصة
فيما يستوجب إقامة الحد دون استتابة، وليس المقصود نفي العذر مطلقا.
ولهذا نعد من الخطأ نقل بعض الفقهاء:« ولا يجوز أن يعذر أحد بدعوى الجهل »
في هذا الموضع، فالعذر بالجهل شيء والاعتذار عند القاضي بالجهل شيء آخر
ما دليل حملك قولهم على هذا المحمل ؟ إلا أن يكون الهوى فقط ، وإلا فقرائن
الكلام من بين ترجيح أحد الوجهين ولم تذكر شيئا من ذلك إلا مجرد الدعوى لا غير.
وفي سب الله تعالى أو دينه أو
رسوله نص كثير من العلماء . على عدم قبول أي عذر
ولو زعم أنه زل لسانه ففي المعيار المعرب (2/543) :« سئل ابن أبي زيد القيرواني عن رجل لعن الله
فقال إنما أردت أن ألعن الشيطان فزل لساني، فأجاب ابن أبي زيد :"يقتل بظاهر
كفره ولا يقبل عذره وأما بينه وبين الله فمعذور ».
قلت كثير من العلماء
ولم تنقل إلا قولا واحدا فهل هو التشبع أم غير ذلك.
وقال :
رابعا : ومع ذلك نقول إن اشتراط قيام الحجة موجود في كلام الفقهاء، فقد
تكلم بعضهم عن حالات استثنوها كمن نشأ في بادية بعيدة أو حديث عهد بإسلام ، ونصهم
على هاتين الحالتين دليل على اعتبار عارض الجهل، لأنه المعنى المشترك الموجود
فيهما، ومن الكلام الذي أوردهم بعضهم في دلالة على هذا المعنى قول السيوطي في
الأشباه والنظائر (176):« كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس اليوم لم
يقبل منه إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة » وهو حجة عليه.
وجوابا عليه أقول:
لو كان هناك حالات أخرى لاعتبار عارض الجهل في الشرك لنصوا عليه ، وإيرادك
لهذا الكلام حجة عليك لا لك.
ثم قال:
ومن أسباب الردة المعلومة تعطيل صفات رب العالمين ، ومع ذلك فالثابت عن
العلماء عدم تكفير الجهمية بأعيانهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في
مجموع الفتاوى (12/488-489):" ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه
وحبسه. واستغفر لهم، وحللهم مما فعلوا به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر،
ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم، فإن الاستغفار للكفار لا يجوز
بالكتاب والسنة والإجماع ".
ذهابك لهذا القول غلط محض وتخليط ليس في محله ، وسأنقل لك ما يثبت أنهم قصدوا
تكفير أعيانهم لا نوعهم ، غذ لو كان ذلك كذلك لما نصوا على الجهمية فقط ، وهناك
أمور أخرى كفرية يكفر بها النوع لا العين .
والإمام أحمد كفر المأمون ولم يحلله ، ومن أدعى ذلك افتقر قوله لدليل صحيح
صريح فيه
قال الخلال: أخبرني أحمد بن محمد بن مطر، قال: ثنا أبو طالب، قال:
قلت لأبي عبد الله: إنهم مَرُّوا بطَرَسوس بقبر رجل، فقال أهل طرسوس : الكافر،
لا رحمه الله.
فقال أبو عبد الله: [نعم، فلا رحمه الله، هذا الذي أسَّس
هذا، وجاء بهذا]
ومعروفٌ أن المأمون قد دُفِن
في طرسوس كما ذكر ذلك الذهبي في سيره
وقال القاضي أبو يعلَى: فيما رأيته على ظهر جزء من كتب أخي رحمه الله
" حدثنا أبو الفتح بن منيع قال: " سمعت جدي يقول: كان أحمد إذا ذكر المأمون
قال: كان لا مأمون".
وقال في رواية الأثرم في امرأة لا ولي لها " السلطان" فقيل له: تقول
السلطان، ونحن على ما ترى اليوم؟ وذلك في وقت يَمتحن فيه القضاة.
فقال: [أنا لم أقل على ما نرى اليوم، إنما قلتُ السلطان].
وهذا الكلام يقتضي الذم لهم والطعن عليهم، ولا يكون هذا إلا وقد قدح ذلك في
ولايتهم. اهـ
ا. هـ .نقلا عن الأخ إبراهيم
الشمري.
في السنة لعبد الله بن أحمد:
حدثني هارون بن عبد الله الحمال حدثنا ابراهيم بن زياد سبلان قال سمعت عبد الرحمن
بن مهدي يقول لو كان لي من الأمر شيء لقمت على الجسر فلا يمر بي أحد من الجهمية الا
سألته عن القرآن فان قال انه مخلوق ضربت رأسه ورميت به في الماء
فهل هذا تكفير للنوع أو للعين؟
حدثني أحمد بن الدورقي سمعت زهير بن البابي يقول إذا تيقنت أنه جهمي أعدت الصلاة
خلفه الجمعة وغيرها.
- حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول لو
أن خمسين يؤمون الناس يوم الجمعة لا يقولون القرآن مخلوق يأمر بعضهم بعضا بالإمامة
إلا ان الرأس الذي يأمرهم يقول هذا رأيت الاعادة لأن الجمعة انما تثبت بالرأس فاخبرت
أبي رحمه الله بقول أبي عبيد فقال هذا يضيق على الناس اذا كان الذي يصلي بنا لا يقول
بشيء من هذا صليت خلفه فإذا كان الذي يصلي بنا يقول بشيء من هذا القول أعدت الصلاة
خلفه //
سمعت أبا معمر الهذلي يقول من زعم ان الله عز و جل لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر
ولا يغضب ولا يرضى وذكر اشياء من هذه الصفات فهو كافر بالله عز و جل إن رأيتموه على
بئر واقفا فالقوه فيها بهذا ادين الله عز و جل لأنهم كفار بالله تعالى
وهذا في الأعيان لا في النوع.
وغيرها من حكمهم على من قال ذلك بالاستتابة
وإلا القتل ، فهل هذا يكون للنوع أم المعين؟
ومن أحب أخذ قول السلف فليأخذه عنهم مباشرة وكتبهم منشورة مشهورة.
ثم قال أيضا:
الشبهة السابعة : من سمع القرآن قامت عليه الحجة
الجواب :
أولا : لا بد أن ننبه على أن بعضهم يتناقض في هذه المسألة وذلك حين يقول في
استدلاله:" فمن بلغه القرآن ووقع في الشرك فإنه مشرك"، ونسي أنه قرر قبل
ذلك أن وصف الشرك يثبت عنده مع الجهل قبل قيام الحجة التي هي عنده سماع القرآن ،
وهذا مما يبين تهافتهم وعدم التأصيل العلمي لهذه المسألة عندهم.
والجواب عليه:
المشهور عند أئمة الدعوة وقبلهم ابن القيم أن اسم الشرك يثبت بمجرد الوقوع
في الشرك ولا يحتاج فيه لإقامة الحجة من عدمها ، فاسم الشرك يثبت لمرتكبه كما يقال
عن فاعل الزنا زان وآكل الربا مرابي.
وبيان أدلة هذا الأصل مبسوط في مواضعه في كتب أئمة الدعوة ومرادي هنا
التنبيه فقط.
أما بلوغ الحجة فهو في العذاب الأخروي لا في الحكم الدنيوي فلا داعي
للتخليط، وإن تناقض كاتب في مسألة فلا يلزم منه تناقض التأصيل ولا بطلان المسألة .
وقال أيضا:
وكذلك يتناقض من يقول إن وصف الشرك يثبت قبل قيام الحجة ،
ثم لا يرضى بأن يحتج عليه بنحو قول الشيخ سليمان بن سحمان في الضياء الشارق (93)
:« وأما التوسل على عرف غلاة عباد القبور واصطلاحهم الحادث ، فهم (أي الوهابية)
ينهون عنه ويكفرون من دعا القبور واستغاث بهم والتجأ إليهم بعد قيام الحجة عليهم
».
وجوابا عليه يقال:
ليس في كلام الشيخ أي مخالفة لتقرير المسألة ، فكلامه في التكفير المستلزم
للتعذيب ، وليس في الحكم بالشرك في الدنيا.
ثم كلام الشيخ نقلته بتصرف ولم
تذكر ذلك وهذا تدليس مشين وها هو كلامه كاملا:
وقوله: السابع النهي
عن التوسل إلى الله تعالى بالرسول، وبغيره من الأولياء والصالحين.
فأقول: نعم، كانوا ينهون
عن التوسل بالرسول، وبغيره من الأولياء والصالحين بعد مماتهم، وفي حال غيبتهم، إذا
كان التوسل على ما يعرف في لغة الصحابة والتابعين والأئمة المهتدين. وأما في حال حياتهم
بهذا العرف فلا ينهون عنه ولا ينكرونه. وأما على عرف غلاة عباد القبور واصطلاحهم الحادث
فهم ينهون عنه ويكفرون من دعا أهل القبور، واستغاث بهم والتجأ إليهم بعد قيام الحجة
.عليهم. ا.هـ
ثم قال:
ويقول إنما يقصد بقيام الحجة سماع القرآن (أو بعثة النبي صلى الله عليه
وسلم !!!). فيقال له : ما شأنك وتفسير كلام ابن سحمان وأنت تكفر من يستغيث بغير
الله قبل سماع القرآن وقيام الحجة.
والجواب أن يقال:
كلامك دليل على أنك لم تفهم المسألة أصلا بل تخلط فقط، فالحكم بالتكفير
الذي يترتب عليه العذاب لابد فيه من إقامة الحجة ، أما الحكم الدنيوي فهو ظاهر ولا
يشترط فيه ذلك ، وبالتالي فلا تعلق لك بما نقلت عن الشيخ ابن سحمان.
وقال أيضا:
ثم ندعو هذا القائل إلى تأمل قول
ابن سحمان في كتابه منهاج أهل الحق والاتباع (85):" وأما قول السائل : هل
كلٌّ تقوم به الحجة أم لا بد من إنسان يحسن إقامتها على من أقامها ؟ فالذي يظهر لي
- والله أعلم-أنها لا تقوم الحجة إلا بمن يحسن إقامتها ، وأما من لا يحسن إقامتها
كالجاهل الذي لا يعرف أحكام دينه ، ولا ما ذكره العلماء في ذلك ، فإنه لا تقوم به
الحجة فيما أعلم".
وعند هؤلاء يكفي من يقيم الحجة أن يحسن تلاوة القرآن .
والجواب عليه أن يقال:
ما نقله الشيخ سليمان قبل هذا الكلام ينقض تأصيلك ، فم أعرضت عنه ؟
حيث نقل الشيخ عن الشيخين حسين وعبد الله ابنا محمد بن عبد الوهاب قولهما:
أن من مات من أهل الشرك،
قبل بلوغ هذه الدعوة، فالذي يحكم عليه أنه إذا كان معروفًا بفعل الشرك، ويدين به، ومات
على ذلك فهذا ظاهره أنه مات على الكفر،
فلا يدعى له، ولا يضحى له، ولا يتصدق عليه.
وأما حقيقة أمره فإلى
الله تعالى، فإن كان قد قامت عليه الحجة في حياته، وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن،
وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله تعالى.
وأما سبه ولعنه فلا يجوز،
بل لا يجوز سبُّ الأموات مطلقًا، كما في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا»،
إلاَّ إن كان أحد من أئمة الكفر وقد اغتر الناس به فلا بأس بسبه إذا كان فيه مصلحة
دينية، والله أعلم.ا.ه
إما كلامك أن البعض يرى أن تلاوة القرآن كافية في إقامة الحجة ، فذلك في
المسائل الظاهرة ، فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة ، كما قرره الإمام المجدد
رحمه الله بقوله كما في الدرر السنية (10/94):
وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه، فإن حجة الله هو القرآن،
فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة؛ ولكن أصل الإشكال، أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة،
وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين، لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما
قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ
إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}...
وقال الشيخ سليمان بن
سحمان - رحمه الله تعالى في كشف الشبهتين:
فمن بلغته رسالة محمد
- صلى الله عليه وسلم - ، وبلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، قال الله تعالى: {لأُنذِرَكُم
بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19].
وقال تعالى: {لِئَلاَّ
يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165].
فلا يعذر أحد في عدم
الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل، وقد
أخبر الله سبحانه بجهل كثير من الكفار مع تصريحه بكفرهم، ووصف النصارى بالجهل مع أنه
لا يشك مسلم في كفرهم، ونقطع أن أكثر اليهود والنصارى اليوم جهَّال مقلَّدون، ونعتقد
كفرهم وكفر من شك في كفرهم.ا.ه
فهل ترى الشيخ ابن سحمان متناقضا يا جويهل؟ أم أنك أنت الجاهل المتناقض.
وقال مخلطا:
ثانيا : وأما من جعل إقامة هذه الحجة الموصوفة للأحكام المذكورة أعلاه بعد
ثبوت وصف الشرك والكفر عنده، فيقال لهم إن ظاهر الأدلة كقوله تعالى : : (وَمَا
كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)[الإسراء15]نفي العذاب الدنيوي
والأخروي، فما دليلكم على التفريق الذي أتيتم به، فإن حمل العذاب المنفي على
العذاب الأخروي دون الدنيوي تحكم، وكذلك من حمل العذاب المنفي على العذاب الأخروي
والدنيوي، ثم أثبت جميع أحكام الكفر الدنيوية من تفريق بين الأزواج وعدم توريث
وعدم الدفن في مقابر المسلمين وتحريم الاستغفار إلا القتل؛ فقد أوغل في التحكم
والتناقض .
والجواب أن يقال:
سبق البيان أن المنفي هنا هو العذاب الدنيوي العام وإليك ما قاله العلامة الشنقيطي
نقلا عن غيره حول الآية:
وأجاب أهل هذا القول عن قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ
رَسُولاً} [17/15]، من أربعة أوجه:
الأول: أن التعذيب المنفى في قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ…} الآية، وأمثالها
من الآيات: إنما هو التعذيب الدنيوي؛ كما وقع في الدنيا من العذاب بقوم نوح، وقوم هود،
وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب، وقوم موسى وأمثالهم. وإذاً فلا ينافي ذلك التعذيب
في الآخرة.
ونسب هذا القول القرطبي، وأبو حيان، والشوكاني وغيرهم في تفاسيرهم إلى الجمهور
.ا.ه
معاملة المشرك بمقتضى فعله ليست داخلة في العذاب المنفي هنا كما ذكر
الجمهور ، فالمنفي هو العقاب العام لا العقوبات الخاصة فلا تخلط واقرأ قبل أن
تكتب.
وقال أيضا:
ثالثا : ويقال بعد ذلك إن المقصود من إرسال الرسل توضيح طريق الهداية للناس
وبيان التوحيد والتحذير من الشرك، وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يرسل الرسل بألسنة
أقوامهم لهم ليحصل البيان قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا
بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي
مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [إبراهيم:4] ومقتضى هذا أن الحجة تقوم
على من بُيِّنت له وفهمها ، لا على من تليت عليه الآيات وهو لا يفهمها ، ومنه فلا
يجوز أن يقاس الأعاجم والمنتسبون إلى الشعوب العربية من أهل عصرنا على كفار العرب،
أهل الفصاحة والبيان الذين خوطبوا بالقرآن.
والجواب أن يقال:
سبق بيان أن التوحيد معروف حسنه بالعقل ومدرك بالفطرة، والوحي جاء لبيان ما
لا يدرك بالعقل ، وبيان العقاب يكون بالوحي كما هو معتقد أهل السنة.
ولو سلمنا قولك بأن بعض العرب بمنزلة العجم فيمكن طرد قولك في الزنا والقتل
فيعتذر لفاعلهم بالجهل لأنهم بمنزلة العجم في فهم النصوص، فإن قلت هذا أمر معلوم
بين العامة ، قلنا وكذلك التوحيد معلوم وإن أنكره عباد القبور بدفاع أمثالك عنهم
بجهل .
يقول ابن تيمية رحمه الله في الجواب الصحيح:
فهو كما قال تعالى وقوم محمد هم قريش وبلسانهم أرسل وهو سبحانه لم يقل وما أرسلنا
من رسول إلا إلى قومه بل الرسول يبعثه الله إلى قومه وغير قومه كما تقول النصارى أنه
بعث المسيح عليه السلام والحواريين إلى غير بني إسرائيل وليسوا من قومه فكذلك بعث محمدا
إلى قومه وغير قومه ولكن إنما يبعث بلسان قومه ليبين لهم ثم يحصل البيان لغيرهم بتوسط
البيان لهم اما بلغتهم ولسانهم وإما بالترجمة لهم ولو لم يتبين لقومه أولا لم يحصل
مقصود الرسالة لا لهم ولا لغيرهم وإذا تبين لقومه أولا حصل البيان لهم ولغيرهم بتوسطهم
وقومه إليهم بعث أولا ولهم دعا أولا وأنذر أولا وليس في هذا أنه لم يرسل إلى غيرهم
لكن إذا تبين لقومه لكونه بلسانهم أمكن بعد هذا أن يعرفه غير قومه إما بتعلمه بلسانهم
وإما بتعريف بلسان يفهم به.ا.ه
فهل اشترط شيخ الإسلام فهم الحجة على ما قررت أم تكلم على فهم اللسان؟
وقال أيضا:
رابعا : من يقول: سماع القرآن أو بلوغ القرآن تقوم به الحجة، ويطلق الأمر
كما هو موجود في كثير من الفتاوى والكتابات، يلزمه أن يعمم ذلك في الأعاجم الذين
لا يفهمون العربية إطلاقا، فإن قال لا بل هؤلاء لا بد أن تترجم لهم معانيه، قلنا:
كذلك غيرهم من المنتسبين إلى الأمم العربية لا بد أن تشرح لهم معانيه اللغوية
والشرعية التي خفيت عليهم.
من سبقك لهذا القول من علماء السلف ومن المعاصرين غير الألباني وعصابة
الإرجاء؟ مع وجود من لا يتقن العربية جيدا في عصور سابقة.
ثم أمور التوحيد ليست بالصعوبة التي يعسر فهمها على من ألهم الرشد وطلب
الحق ، ثم حضور الناس الجمع وسماع الدروس تبين لهم جزء من ذلك، فأنى لهم العذر ،
بل هم معرضون وراضون بما هم عليه من الشرك الأكبر ، ومن عذرهم وقع في هوة سحيقة من
الضلال.
يتبع...
0 التعليقات:
إرسال تعليق