Pages

الاثنين، 28 أبريل 2014

وجوب الاهتمام بالتوحيد والنهي عن ضده


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه .أما بعد:
فقد قال الله جل وعلا ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية:
أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { إِلا لِيَعْبُدُونِ } أي: إلا ليقروا بعبادتي طوعا أو كرها  وهذا اختيار ابن جرير.ا.ه
وفي هذه الآية حصر للغاية التي خلق العبادة من أجلها في أمر واحد وهي تحقيق عبودية الله وحده وترك عبادة ما سواه ، وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله، ومعناها الذي يجب اعتقاده بالقلب وتحقيقه بالعمل هو لا معبود يستحق العبادة حقا إلا الله سبحانه ، وكل ما عبد من دونه فما عبد إلا بالظلم والعدوان.
والتوحيد هو معنى هذه الكلمة التي بها يدخل العبد الإسلام ويتميز عن أهل الكفر ، وبعدها يصير مطالبا ببقية الأعمال ليتم توحيده .
والتوحيد هو أول ما أمر به أنبياء الله فقال سبحانه : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾
وقال سبحانه:﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾
وقال أيضا:﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ 
يقول الطبري رحمه الله في تفسير الآية :
يقول تعالى ذكره: ولقد بعثنا أيها الناس في كلّ أمة سلفت قبلكم رسولا كما بعثنا فيكم بأن اعبدوا الله وحده لا شريك له ، وأفردوا له الطاعة ، وأخلصوا له العبادة( وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) يقول: وابعدوا من الشيطان، واحذروا أن يغويكم ، ويصدْكم عن سبيل الله ، فتضلوا ا.ا.ه
وقال القرطبي في تفسيرها:
قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أي بأن اعبدوا الله ووحدوه. {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} أي اتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم، وكل من دعا إلى الضلال .ا.ه
وما من نبي أرسله الله إلا كان أول وأكثر ما يدعوا أمته  إليه توحيد رب العالمين ، فقد قص الله علينا قصص الأنبياء في القرآن لنتأسى بهم في دعوتهم ولنعتبر بذلك  وبما عانوه في سبيل نشر التوحيد لا لمجرد القصص فقط.
وكان آخر الأنبياء نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فقد قام بالدعوة لذلك أحسن مقام وأعلاه صلى الله عليه وسلم، وصبر لأجل ذلك وأوذي ، ولم يثنه ذلك عن الدعوة للتوحيد ، فبقي في مكة عشر سنين داعيا لتوحيد الله وإفراده بالعبادة ونبذ الشرك قالت عائشة رضي الله عنها:
والتوحيد حق الله على العبيد لقول النبي عليه السلام لمعاذ في الصحيحين(حق الله على العباد :  أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا) الحديث.
وبه تكون النجاة من النار لمن تمسك به ونبذ الشرك بالله لقوله صلى الله عليه وسلم: (من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة) الحديث.
وبدون التوحيد لا قيمة لأعمال العباد ولو كثرت ،وبه يرفع العبد  ولو قلت أعماله قال الله تعالى في الحديث القدسي :(يا ابن آدم لو اتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه أحمد والترمذي بألفاظ متفاوتة  .
وأمر النبي عليه السلام معاذا لما أرسله إلى اليمن أن يبدأ دعوته إليهم بالتوحيد فإن قبلوه دعاهم لشرائع الإسلام كالصلاة والزكاة حيث قال صلى الله عليه وسلم : (يا معاذ إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ماتدعوهم إليهم شهادة أن لا إله إلا الله (وفي رواية إلى أن يوحدوا الله) فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) الحديث.
والتوحيد معناه أن يفرد الله وحده لا شريك الله بالتعبد فلا يصرف من العبادات شيئا لغير الله لا لملك مقرق ولا لنبي مرسل فضلا عن غيرهما ، والعبادات هي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة ، فلا يصرف لغير الله ذبح ولا نذر ولا خوف ولا صلاة ولا غيرها من العبادات وإن دقت ، فصرف أقل شيء منها لغير الله مضاد للتوحيد وناقض له.
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين(3/443):
قلت التوحيد أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله تعالى قال تعالى (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره) وقال هود لقومه (اعبدوا الله مالكم من إله غيره) وقال صالح لقومه( اعبدوا الله مالكم من إله غيره) وقال شعيب لقومه (اعبدوا الله مالكم من إله غيره )وقال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )
 فالتوحيد مفتاح دعوة الرسل ولهذا قال النبي لرسوله معاذ ابن جبل رضي الله عنه وقد بعثه إلى اليمن إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله وحده فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة وذكر الحديث .
وقال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله لا النظر ولا القصد إلى النظر ولا الشك كما هي أقوال لأرباب الكلام المذموم
 فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا كما قال النبي (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) فهو أول واجب وآخر واجب فالتوحيد أول الأمر وآخره. ا.ه
وبالتوحيد يتحقق الأمن والاهتداء كل بحسب توحيده قال تعالى : )الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)
والأمن والاهتداء عامين للدنيا والآخرة فالموحد لا خوف عليه في الدارين ، ففي الحياة الدنيا يعيش راضيا بمقادير  ربه عليه فيعيش آمنا في نفسه ، وفي الآخرة يكون من أهل الجنة فينال الأمن التام.
وقال المجدد رحمه الله:
الواجب عليك أن تعرف إرسال الرسل، ومراد الله في ذلك، وهو مذكور في قوله عز وجل : ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) إلى قوله : ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )[ النساء 163-165] .
إذا عرفت ذلك، فاعرف : أن حقنا منهم خاتمهم، وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم وذلك مذكور في قوله : ( إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً )[ المزمل 15] فإذا عرفت هذا، فالعلم الذي أرسله الله به إليك، وأهم ذلك، وأوجبه : أن تعرف أول ما فرضه الله عليك، وذلك في أول ما أنزل الله على رسوله ( يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر )[المدثر 1-3] فأول ما فرض الله عليك وأول ما فرض على نبيه، أن ينذر عنه : الإشراك بالله .
وأول ما فرض عليك توحيده، فأما الإشراك ففي قوله : ( والرجز فاهجر )، وأما التوحيد ففي قوله : ( وربك فكبر ) إذا عرفت أن هذا رأس أول الفرائض : فاحرص على معرفة التوحيد، لعلك تؤدى أعظم ما فرض الله عليك واحرص على معرفة الإشراك بالله لعلك أن تعرف أعظم ما حرم الله عليك، الذي قال الله فيه : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )[ النساء 48] و ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار )[ المائدة 72 ] فتجتنبه، والله أعلم.اهـ
وقال رحمه الله:
المسألة الرابعة : معرفة أن محمداً صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن الله، أن أفضل الخلق من الملائكة والأنبياء، لو يجري منه الشرك من غير اعتقاد : أنه ممن حبط عمله، وحرمت عليه الجنة ؛ فكيف بغير الأنبياء والملائكة ؟! فهذه المسألة الرابعة، إن عرفتها في أربع سنين فنعماً لك ؛ لكن تعرف : أن المتوضىء ينتقض وضوءه بقطرة بول، مثل رأس الذباب من غير قصد ولكن قل من يعرفها .ا.هـ
وقال رحمه الله:
اعلم رحمك الله: أن فرض معرفة، شهادة أن لا إله إلا الله، قبل فرض الصلاة، والصوم؛ فيجب على العبد: أن يبحث عن معنى ذلك، أعظم من وجوب بحثه، عن الصلاة، والصوم؛ وتحريم الشرك، والإيمان بالطاغوت: أعظم من تحريم نكاح الأمهات، والعمات؛ فأعظم مراتب الإيمان بالله: شهادة أن لا إله إلا الله.
ومعنى ذلك، أن يشهد العبد: أن الإلهية كلها لله، ليس منها شيء لنبي، ولا لملك، ولا لولي، بل هي حق الله على عبادة، والألوهية، هي التي تسمى في زماننا: السر؛ والإله في كلام العرب، هو الذي يسمى في زماننا: الشيخ، والسيد، الذي يدعى به، ويستغاث به؛ فإذا عرف الإنسان: أن هذا الذي يعتقده كثيرون، في شمسان، وأمثاله، أو قبر بعض الصحابة، هو: العبادة التي لا تصلح إلا لله، وأن من اعتقد في نبي من الأنبياء، فقد كفر، وجعله مع الله إلها آخر، فهذا لم يكن قد شهد أن لا إله إلا الله.
ومعنى الكفر بالطاغوت: أن تبرأ من كل مايعتقد فيه غير الله، من جنى، أو أنسى، أو شجر، أو حجر، أو غير ذلك؛ وتشهد عليه بالكفر، والضلال، وتبغضه، ولو كان أنه أبوك أو أخوك؛ فأما من قال أنا لا أعبد إلا الله، وأنا لا أتعرض السادة، والقباب على القبور، وأمثال ذلك، فهذا كاذب في قول لا إله إلا الله، ولم يؤمن بالله، ولم يكفر بالطاغوت.
وهذا: كلام يسير، يحتاج إلى بحث طويل، واجتهاد في معرفة دين الإسلام، ومعرفة ما أرسل الله به رسوله صلى الله صلى الله عليه وسلم والبحث عما قال العلماء، في قوله: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) [البقرة: 256] ويجتهد في تعلم ماعلمه الله رسوله، وما علمه الرسول أمته، من التوحيد؛ ومن أعرض عن هذا، فطبع الله على قلبه، وآثر الدنيا على الدين، لم يعذره الله بالجهالة، والله أعلم.ا.ه
ولأجل عظمة التوحيد وأهميته للعباد أنزل الله لكتب وأرسل الرسل لبيانه للناس ، وبيان خطر الوقوع في ضده ألا وهو الشرك ، فمن عرف التوحيد وعرف أهميته حري به أن يخالف على نفسه سلب النعمة بالوقوع في ضد ذلك وهو الشرك بالله ، ولعظم خطر الشرك حذر الله عباده منه  فقال سبحانه ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)
فالمشرك بالله لا طمع له في رحمة الله ؛ لأنه خالف العقل والفطرة وسوى المخلوق الضعيف بالخالق القادر جل جلاله، وهذا من أظلم الظلم واقبح القبح .
وصرف محض حق الله لغيره لهذا كان الشرك من أظلم الظلم.
وحذر الله أنبياءه منه بقوله سبحانه( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخسرين).
فإذا كان أنبياء الله هذا حالهم لو اشركوا فما ظنك بمن هو دونهم ، والأنبياء يستحيل عليهم الشرك برب العالمين لعصمتهم منه.
وقال جل وعلا أيضا بعد أن ذكر بعض الرسل :( ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
فمن أشرك فقد حبط عمله وهو من الخاسرين ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم.
وقال سبحانه في التحذير منه (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق)
قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية:
قول تعالى ذكره: اجتنبوا أيها الناس عبادة الأوثان، وقول الشرك، مستقيمين لله على إخلاص التوحيد له، وإفراد الطاعة والعبادة له خالصا دون الأوثان والأصنام، غير مشركين به شيئا من دونه، فإنه من يُشرك بالله شيئا من دونه، فمثله في بعده من الهدى وإصابة الحقّ وهلاكه وذهابه عن ربه، مَثل من خرّ من السماء فتخطفه الطير فهلك، أو هوت به الريح في مكان سحيق، يعني من بعيد.ا.ه
ولأجل خطورة الشرك خافه إبراهيم على نفسه فقال (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام)
فهذا خليل الرحمن وإمام الحنفاء يخاف على نفسه الوقوع في الشرك وعبادة الأصنام ، فمن هو دونه أحرى أن يكون أخوف لذلك ، قال ابراهيم التيمي رحمه الله : ومن يأمن البلاء بعدك يا إبراهيم.
ولما قل العلم بأهمية التوحيد قل الخوف من ضده ، فوقع الشرك في الأمة كما أخبر بذلك الصادق المصدوق، وانتشرت الأوثان في ديار المسلمين وتقربوا إليها بالقربات والنذور واستغاثوا بها راجين النفع الضر منها ، فعم البلاء وانتشر ، وقل من تنبه لخطورة الأمر ممن يزعم الإصلاح ، بل حتى بعض منتسبي السنة غفلوا عن هذا الأصل الأصيل في دين الإسلام وانشغلوا بما هو أقل شأنا من هذا ، فتكلموا في أخلاق الناس، وفي المعاصي حتى عظمها البعض على الشرك ، وما هذا إلا من نقص العلم بخطورة الشرك وعظمة قبحه ، فتراهم يحصرون مشاكل المسلمين في أخلاقهم ، وفي تبرج نسائهم وخروجهن للعمل متبرجات في أماكن الاختلاط ، ونسوا أن المرأة لو عصت وهي على التوحيد لرجي لها الخير ومغفرة الذنوب ، والمرأة القارة في بيتها لو أشركت لكانت من حطب النار، فالعاقل الحصيف يسعى في فكاك نفسه أولا من النار بتوحيد رب العالمين علما وتعلما ودعوة ، ثم من كان تحت يده إلى أقرب الناس إليه فإن ثبتت قدمهم على التوحيد ابتعدوا عن المعاصي بشتى أنواعها ، فمن قل علمه بربه قل خوفه منه ، فركب المعاصي وانتهك الحرمات ، ومن عرف ربه ووحده عظمه في قلبه فلزم حدوده وابتعد عن محارمه .
وإنه لمن دواعي الحسرة أن ترى الناس يـتأوهون لانتشار الفواحش والزنا وغيرها ، ولا تتحرك قلوبهم لرؤية مظاهر الشرك بين الناس ، فالعاصي لو مات موحدا كان من أهل الجنة ولو بعد حين ، أما المشرك فالجنة عليه حرام بنص القرآن حيث قال جل وعلا (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)
وقال  سبحانه ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)
والمعاصي كلها مرجوة الغفران بمشيئة الله .
وإنما كان هلاك الأمم كلها بسبب الشرك بالله أو استحلال معاصي الله ، فلم ينفعهم ما كانوا يشركون وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ، وما هوان الأمة في هذا العصر إلا بسبب انتشار الشرك بأنواعه وذرائعه .
ولأجل خطورته على الأفراد والأمم كان النبي عليه السلام لا يريحه بقاء الشرك ومواضعه فعَنْ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ )وَكَانَ بَيْتًا فِيهِ خَثْعَمُ يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةِ فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي فَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا فَأَرْسَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُهُ فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ فَبَارَكَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ.
وفهل مثل هذا الأمر يريح المسلم الصادق ويغفل عنه وقد أقض مضجع رسول الله عليه السلام ؟
واعلم أخي المسلم أنه لا يصح التوحيد إلا بخلع الأنداد واعتقاد بطلان عبادة ما سوى الله ،وهو ما نازع فيه كفار قريش رسول الله عليه السلام، فلم ينازعوه في استحقاق الله للعباد ،بل في خلع أندادهم ق، ولهذا قال النبي عليه السلام ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله)
قال المجدد رحمه الله:
ومنها : قوله صلى الله عليه وسلم : « من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله ، حرم ماله ودمه ، وحسابه على الله » .
وهذا من أعظم ما يُبَيِّن معنى " لا إله إلا الله " فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال ، بل ولا معرفة معناها مع لفظها ، بل ولا الإقرار بذلك ، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له ، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يُضِيفَ إلى ذلك الكفر بما يُعْبَد من دون الله . فإن شك ؛ أو توقف ؛ لم يحرم ماله ودمه .
فيا لها من مسألة ما أعظمها وأجلها ! ويا له من بيان ما أوضحه ! وحجة ما أقطعها للمنازع! .ا0ه
وما قلة استقباح الشرك إلا نتيجة الجهل بعظمة الله وقلة تعظيم حقه جل جلاله.
ومن عرف قبح الشرك وفظاعته وجب عليه أن ينجو بنفسه من شركه وذلك بمعرفة مظاهر الشرك وذرائعه حتى يبتعد عنها ويبعد من أمكنه كذلك عنها.
فإنه من الخيانة للناس أن تدعوهم لشرائع الإسلام وتلزمهم أوامر الله وتغفل عن تصحيح توحيدهم الذي به تصح عباداتهم ، ومن فقده كانت عبادته وأخلاقه لا معنى لها إلا في الدنيا ، وحال من يغفل عن بيان التوحيد ويشتغل بغير كحال من يرفع بنيانا عاليا بلا أساس متين ، فيوشك أن يقع فيهلك من تحته .
وحري بمن عرف التوحيد وفضائله الكثيرة ، وعرف الشرك وما يترتب عيه ألا يترك فرصة إلا اغتنمها لإنقاذ من يمكنه إنقاذه من هذا الخطر العظيم ، وأن يجعل التوحيد أولا وبعده الرائض ، وينهى عن الشرك ابتداء ثم بقية المحرمات ، فالزنا واللواط والربا كلها اقل خطرا من الشرك بالله رغم أنها من كبائر الذنوب ، فكيف بصغائره التي يعظمها بعض من قل فقهه ، ويجعلها محور حديثه ودعوته ,يوليها من وقته الكثير وهذا من تلبيس الشيطان على العبد ، فعري النساء وخروجهن للعمل لن يصل في القبح قدر الشرك بالله ، فكيف يشتغل بالمهم ويترك الأهم ؟ وهذا لا يفعله من شم ريح الفقه في دين الله .
ومن عظم المعاصي على الشرك فعليه أن يتعلم التوحيد من أوله ولا يغالط نفسه بمبررات واهية من صنع الشيطان، ولست أقول أن يسكت على المنكرات والبدع كلا ، لكن لا تعطى أكبر من حجمها في شريعة رب العالمين.
فالمتتبع لما يدور في الساحة وفي المنتديات خاصة يرى انشغالا كبيرا بغير التوحيد وبيان ضده ، فترى مواضيع العلم والتوحيد أقل مشاهدة من مواضيع المشاكل الاجتماعية والبحث عن حلولها ، وليت من يريد حل المشكلة يملك حقا الأدوات إذا لهان الأمر ولقلنا تخفيف للشر ، ولكنه خوض من غلمان جهال في أمور حقيق بمن يعترضه أن يطرحها على أهل العلم لا أهل الجهل والآراء النفسية .
قال الشيخ المجدد رحمه الله:
ينبغي للمعلم : أن يعلم الإنسان على قدر فهمه، فإن كان ممن يقرأ القرآن، أو عرف أنه ذكي، فيعلم أصل الدين، وأدلته، والشرك وأدلته، ويقرأ عليه القرآن، ويجتهد  أنه يفهم القرآن فهم قلب، وإن كان رجلاً متوسطاً ،ذكر له بعض هذا، وإن كان مثل غالب الناس ضعيف الفهم، فيصرح له بحق الله على العبيد، مثل ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ.ا.ه
وفي الأخير أنصح نفسي وإخواني جميعا بالاهتمام بهذا الأمر العظيم تعلما وتعليما ، وإعطاءه الأهمية القصوى في حيز الدعوة، ولا يشغلنا الشيطان بغيره مما هو أقل شأنا منه ،ومشاكل الناس منشؤها في الجملة ضعف العلم بالله ، فترى من ضعف توحيده حائرا في أول اختبار لا يدري أي وجهة يأخذ ولا أي طريق يسلك ، ولو عرف ربه بتوحيده لهدي إلى الحق لقوله تعالى (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)
فمن حقق التوحيد هدي للحق وهدي لما فيه مصلحته ، ومن خالف هذا عوقب بضد ذلك ، فيلجأ لطرح مشاكله على الخلق والشفاء بين يديه وهو غافل عنه، حتى إذا نصحه البعض زاد في مرضه وبلاءه.
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



0 التعليقات:

إرسال تعليق