بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله وحده
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وبعد:
فقد كتب أحد أذناب
ربيع المسمى بالزهراني مقالا يرد فيه على الأخ بدر الدين ، وزعم فيه مزاعم باطلة
اراد بها التلبيس على الدهماء فلما قرأتها لفت نظري كثرة جهل الرجل وتخليطه الكبير
فكتبت وقفات مع وقفته الثانية فإليكموها
قال هذا الجاني:
أولاً: العلماء من المتقدمين والمتأخرين منهم من يعذر بالجهل ومنهم من لا
يعذر، لا خصومة بينهم؛ لأن لكل طرف أدلته وبراهينه، بل ما بينهم إلا التواد
والتراحم والتعاون على البر والتقوى ورفع رآية السنة فأئمة الدعوة النجدية منهم من
يعذر ومنهم من لا يعذر وكذلك الشيخ بن باز وابن عثيمين والنجمي والشيخ زيد – رحمهم الله- والشيخ ربيع
والفوزان – حفظهما الله- وليس بينهم إلا ما أشرت إليه فليمت هذا الدعي
الأفاك وغيره بغيظهم ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
هل مثل هذا الكلام يعجز عنه أجهل الخلق ؟ أين الخلاف أم هي دعوى
عريضة تكررها تبعا لشيخك في الإرجاء ربيع؟
دعك من الاجترار وهات البيان فبه يتميز أهل العلم عن غيرهم.
وقال:
ثانياً: العلماء من يعذر بالحهل ومن لا يعذر بالجهل متفقون على أن من وقع
في الشرك ممن يدعي الإسلام فأقيمت عليه الحجة فلم يرتدع عن هذا الشرك لا يختلف
الطرفان في تكفيره ووجوب قتله قتل المرتدين، وأنه لا يرث ولا يورث، ولا يصلى عليه،
ولا يدفن في مقابر المسلمين
.ليس هذا محل خلاف
فإيراده هنا حمق وجهالة ، يتنزه عنها عقلاء الناس الذين تخلوا عن التقليد الأعمى .
ثم قال
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (12/500):
وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَتَكْفِيرُ الْمُعَيَّنِ مِنْ هَؤُلَاءِ
الْجُهَّالِ وَأَمْثَالِهِمْ -بِحَيْثُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ
الْكُفَّارِ- لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَقُومَ عَلَى
أَحَدِهِمْ الْحُجَّةُ الرسالية الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ
لِلرُّسُلِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ لَا رَيْبَ أَنَّهَا كُفْرٌ.
وَهَكَذَا الْكَلَامُ فِي تَكْفِيرِ جَمِيعِ الْمُعَيَّنِينَ، مَعَ أَنَّ بَعْضَ
هَذِهِ الْبِدْعَةِ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ وَبَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ يَكُونُ فِيهِ
مِنْ الْإِيمَانِ مَا لَيْسَ فِي بَعْضٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُكَفِّرَ أَحَدًا
مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ
وَتُبَيَّنَ لَهُ الْمَحَجَّةُ، وَمَنْ ثَبَتَ إيمَانُهُ بِيَقِينِ لَمْ يَزُلْ
ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ؛ بَلْ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ
وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ".اﻫ
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (1/372-373) عمن يبوس
الأرض دائما هل يأثم؟
وعمن يفعل ذلك لسبب أخذ رزق وهو مكره كذلك؟
فأجاب:
أما تقبيل الأرض ورفع الرأس ونحو ذلك مما فيه السجود مما يفعل قدام بعض
الشيوخ وبعض الملوك فلا يجوز؛ بل لا يجوز الانحناء كالركوع أيضا كما قالوا للنبي ﷺ: الرجل منا يلقى أخاه
أينحني له؟ قال : «لا» ولما رجع معاذ من الشام سجد للنبي ﷺ، فقال: «ما هذا يا معاذ؟» قال: يا رسول الله، رأيتهم
في الشام يسجدون لأساقفتهم ويذكرون ذلك عن أنبيائهم. فقال : «كذبوا عليهم، لو كنت آمرا
أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من أجل حقه عليها يا معاذ إنه لا
ينبغي السجود إلا لله».
وأما فعل ذلك تدينا وتقربا فهذا من أعظم المنكرات ومن اعتقد مثل هذا
قربة وتدينا فهو ضال مفتر، بل يبين له أن هذا ليس بدين ولا قربة فإن أصر على ذلك
استتيب؛ فإن تاب وإلا قتل.
وأقول:
1-
انظر إلى قول شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله- : "أما تقبيل الأرض ورفع الرأس ونحو ذلك مما فيه
السجود... " ترَ تمهله في الحكم بالشرك وإن كان العمل شركًا حتى تقام على
الفاعلين الحجة.
فأين ما
يدعيه هذا الأفاك التكفيري من الإجماع ؟
لو كان يعذره حقا كما تزعم فلا يحق له وصفه
بالمفتري والضال فالمعذور لا يحكم عليه بشيء كما هو معروف. أما وقد حكم عليه بذلك
فدل على أنه لا يعذره فلا تكذب.
والبيان اشترطه شيخ الإسلام للقتل لا للحكم
فدعك من المجادلة عن الباطل واكفف قلمك كيلا يفتضح جهلك .
2- وانظر إلى أنواع الإكراه التي اعتبرها عذرًا لمن يرتكبها بما في ذلك
السجود إذا كان قلب الساجد مطمئنًا بالإيمان.
وأن أكثر العلماء يعذرون بذلك.
وأن هذا هو المشهور عن الإمام أحمد.
خلافنا في الجاهل لا في المكره يا أحمق ، فذاك مستثنى بنص القرآن
ثالثاً: هذه نبذة من أقوال أهل العلم ترد على هذا الدعي الأفاك صاحب الحمامات
فيما افتراه :
1- قال الإمام الشافعي – رحمه الله - :
لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد
كفر وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل )) ا.هـ[1]
كلام الشافعي ليس عاما بل في بعض الأسماء
والصفات ، بدليل قوله لله أسماء ، ولو أراد العموم لقال أسماء الله وصفاته لا يسع
أحد ردها.
فهو عربي قرشي لا يعجز عن التعبير بذلك ،
لكنه لجأ لنكتة ، وهي أن هناك أسماء وصفات لا يعذر أحد بالجهل فيها.
وعلى فرض صحة فهمك فأين هذا من الشرك الذي
بينه الله في كتابه أتم بيان.
وأين أنت من كلامه الواضح في الرسالة ص357
تحقيق أحمد شاكر ط دار الكتب العلمية:
فقال لي قائل ما العلم وما يجب على الناس
في العلم فقلت له العلم علمان علم عامة لا يسع بالغا غير مغلوب على عقله جهله قال
ومثل ماذا قلت مثل الصلوات الخمس وأن لله
على الناس صوم شهر رمضان وحج البيت غذا استطاعوه وزكاة في أموالهم وأنه حرم عليهم
الزنا والقتل والسرقة والخمر وما كان في معنى هذا مما كلف العباد أن يعقلوه
ويعملوه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم وأن يكفوا عنه ما حرم عليه منه وهذا الصنف كله من العلم موجودا نصا في كتاب
الله وموجودا عاما عند أهل الاسلام ينقله عوامهم عن من مضى من عوامهم يحكونه عن
رسول الله ولا يتنازعون في حكايته ولا وجود به عليهم وهذا العلم العام الذي لا
يمكن فيه الغلط من الخبر ولا التأويل ولا يجوز فيه التنازع.ا.ه المراد
فهل التوحيد من هذا الضرب من العلم أم هو
من علم الخاصة؟ وقد قامت عليه أدلة العقل والفطرة ؟
2- قال أبو عمر ابن عبد البر- رحمه الله- في التمهيد( 17/21):
فالقرآن والسنة ينهيان عن تفسيق المسلم وتكفيره ببيان لا إشكال فيه ومن
جهة النظر الصحيح الذي لا مدفع له أن كل من ثبت له عقد الإسلام في وقت بإجماع من
المسلمين ثم أذنب ذنبا أو تأول تأويلا فاختلفوا بعد في خروجه من الإسلام لم يكن
لاختلافهم بعد إجماعهم معنى يوجب حجة ولا يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق
آخر أو سنة ثابتة لا معارض لها وقد اتفق أهل السنة والجماعة وهم أهل الفقه والأثر
على أن أحدا لا يخرجه ذنبه وإن عظم من الإسلام وخالفهم أهل البدع فالواجب في النظر
أن لا يكفر إلا ن اتفق الجميع على تكفيره أوقام على تكفيره دليل لا مدفع له من
كتاب أوسنة ))
هذا عين الإرجاء ،لكنك أوتيت من جهلك وإيغالك في الجهل، فمن اشترط
للحكم على مرتكب الكفر الإجماع؟ أليس هذا هو ما طلبه الحلبي في التبديع فأقمتم
الدنيا ولم تقعدوها ؟ والآن تأتي بمثله بكل وقاحة؟
فمن أين أخذ ابن عبد البر هذا الشرط الباطل للحكم بالكفر على
العبد؟ هذا إن أحسنا الظن به ، وإلا فهذا إرجاء بين لا غبار عليه.
فلم نعلم أحدا من السلف اشترط لتكفير الكافر إجماع المسلمين ، وإن
عندك فبينه.
ثم إليك هذا الكلام له في التمهيد(5/129):
وفيه أن من لم يعلم بتحريم الشيء فلا حرج عليه حتى يعلم إذا كان
الشيء مما يعذر الإنسان بجهله من علم الخاصة قال عز وجل: {وَمَا كُنَّا
مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: من الآية15.
فدل بمفهومه أن علم العامة لا يعذر فيه أحد ، فما قولك في كلامه
هذا؟
3- ـ قال الإمام ابن قدامة المقدسي-رحمه الله -في المغني (19 / 464):
(وَكَذَلِكَ كُلُّ جَاهِلٍ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ أَنْ يَجْهَلَهُ ، لَا
يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَتَّى يُعَرَّفَ ذَلِكَ ، وَتَزُولَ عَنْهُ الشُّبْهَةُ ،
وَيَسْتَحِلَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ .).
ترى لم قيد ابن قدامة كلامه بما يمكن جهله؟ ألعي فيه أم نك لا تفهم
مقاصد الكلام فتطوح بعيدا عن الصواب؟
فهل تقصد أن كل جاهل معذور أم لا؟
فإن قلت الأول كذبت فليس جاحد الصلاة وهو بين المسلمين بمعذور عندكم ، وهذا يجعل
كلام ابن قدامة خاصا لا عاما.
وإن قلت ليس عاما انتقض كلامك ووجب عليك التقييد.
على أن أول كلام ابن قدامة يفسد ما ذهبت إليه حيث قال :
فَصْلٌ : وَمَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ شَيْءٍ أُجْمِعَ عَلَى
تَحْرِيمِهِ ، وَظَهَرَ حُكْمُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَزَالَتْ الشُّبْهَةُ
فِيهِ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ ، كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ ، وَالزِّنَى ،
وَأَشْبَاهِ هَذَا ، مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ ، كُفِّرَ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي
تَارِكِ الصَّلَاةِ .
فهل تقول أن تحريم الشرك أخفى من هذه الأمور؟
إن قلت نعم كذبتك النصوص وكلام العلماء ، وإن قلت لا لزمك عدم
العذر بالجهل في الشرك.
4- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الرد على البكري: (
2/492-494):
"فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون مَنْ خالفهم؛ وإنْ كان ذلك
المخالف يكفرهم، لأنَّ الكفر حكم شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله، كمن كذب عليك
وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه و تزني بأهله؛ لأنَّ الكذب والزنا حرام لحق الله
تعالى، وكذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا مَنْ كفره الله ورسوله.
وأيضًا فإنَّ تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة
النبوية التي يكفر مَنْ خالفها، وإلا فليس كل من جهل شيئًا من الدين يكفر!، ولهذا لما استحل طائفة من
الصحابة والتابعين كقدامة بن مظعون وأصحابه شرب الخمر وظنوا أنها تباح لمن عمل
صالحًا على ما فهموه من آية المائدة؛ اتفق علماء الصحابة كعمر وعلي وغيرهما على
أنهم يستتابون، فإنْ أصروا على الاستحلال كفروا، وإنْ أقروا به جلدوا، فلم يكفروهم
بالاستحلال ابتداء لأجل الشبهة التي عرضت لهم!، حتى يتبين لهم الحق فإذا أصروا على
الجحود كفروا. وقد ثبت في الصحيحين حديث "الذي قال لأهله: إذا أنا مت فأسحقوني
ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا من
العالمين، فأمر الله البر فرد ما أخذ منه وأمر البحر فرد ما أخذ منه وقال: ما حملك على ما فعلت؟ قال:
خشيتك يا رب فغفر له"، فهذا اعتقد أنه إذا فعل ذلك لا يقدر الله على إعادته
وأنه لا يعيده أو جوز ذلك؛ وكلاهما كفر، لكن كان جاهلًا لم يتبين له الحق بيانًا
يكفر بمخالفته فغفر الله له، ولهذا كنتُ أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين
نفوا أنَّ الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنتُ كافرًا لأني
أعلم أنَّ قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال!؛ وكان هذا خطابًا لعلمائهم
وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم!!، وأصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور من
معرفة المنقول الصحيح والمعقول الصريح الموافق له)).
وقال رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (12/466) :
وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة
وتبين له المحجة ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد
إقامة الحجة وإزالة الشبهة.
كلام شيخ الإسلام كفانا أئمة الدعوة مؤنة توضيحه حيث قال الإمام
المجدد رحمه الله حيث قال في مفيد المستفيد:
وقال أبو العباس رحمه الله تعالى في كتاب ( إقتضاء الصراط المستقيم
) في الكلام على قوله تعالى : ( وما أهل به لغير الله ) ظاهره أن ما ذبح لغير الله
سواء لفظ به أو لم يلفظ ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه النصراني للحم وقال
فيه باسم المسيح ونحوه ، كما أن ما ذبحناه نحن متقربين به إلى الله سبحانه كان
أزكى مما ذبحناه للحم وقلنا عليه باسم الله ، فإن عبادة الله سبحانه بالصلاة
والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور ، والعبادة لغير الله أعظم
كفراً من الاستعانة بغير الله فلو ذبح لغير الله متقربا به إليه لحرم وإن قال فيه
باسم الله ، كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة ، وإن كان هؤلاء مرتدين لا
تباح ذبائحهم بحال ، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان ، وهذا ما يفعل بمكة وغيرها من
الذبح للجن . انتهى كلام الشيخ وهو الذي ينسب إليه بعض أعداء الدين أنه لا يكفر
المعين ، فانظر أرشدك الله إلى تكفيره من ذبح لغير الله من هذه الأمة ، وتصريحه أن
المنافق يصير مرتداً بذلك ، وهذا في المعين إذ لا يتصور أن تحرم إلا ذبيحة معين .ا.ه
فهذا فهم العلماء لكلامه لا فهم الأغرار والمتعالمين من أمثالك يا
زهراني.
وقال أيضا ص8:
وأنا أذكر لفظه الذي احتجوا به على زيغهم قال رحمه الله تعالى :
أنا من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير ، أو تبديع ، أو تفسيق ، أو
معصية ، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً
تارة ، وفاسقاً أخرى ، وعاصياً أخرى . انتهى كلامه .
وهذا صفة كلامه في المسألة في كل موضع وقفنا عليه من كلامه لا يذكر
عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الإشكال أن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن
تبلغه الحجة ، وأما إذا بلغته حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير ، أو
تفسيق ، أو معصية .
وصرح رضي الله عنه أن كلامه في غير المسائل الظاهرة ، فقال في الرد
على المتكلمين لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منه الردة عن الإسلام كثيرا قال : وهذا
إن كان في المقالات الخفية فقد يقال أنه فيها مخطئ ضال تقم عليه الحجة التي يكفر
تاركها ، لكن هذا يصدر عنهم في أمور يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - بعث بها ، وكفر من خالفها ، مثل أمره بعبادة الله وحده لا
شريك له ، ونهيه عن عبادة أحد سواه من الملائكة والنبيين وغيرهم ، فإن هذا أظهر
شعائر الإسلام ، ومثل إيجاب الصلوات الخمس وتعظيم شأنها ، ومثل تحريم الفواحش
والربا والخمر والميسر ، ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا فيها فكانوا مرتدين .
وهاك الكلام القاطع من الإمام المجدد لعلك تفيق ومن معك من لوثة
الإرجاء:
على أن الذي نعتقده وندين لله به ونرجو أن يثبتناً عليه أنه لو غلط
هو أو أجلَّ منه في هذه المسألة وهي مسألة المسلم إذا أشرك بالله بعد بلوغ الحجة ،
أو المسلم الذي يفضل هذا على الموحدين ، أو يزعم أنه على حق ، أو غير ذلك من الكفر
الصريح الظاهر الذي بينه الله ورسوله وبينه علماء الأمة ، أنا نؤمن بما جاءنا عن
الله وعن رسوله من تكفيره ولو غلط من غلط .
فكيف والحمد لله ونحن لا نعلم عن واحد من العلماء خلافا في هذه
المسألة ، وإنما يلجأ من شاق فيها إلى حجة فرعون : ( فما بال القرون الأولى ) أو
حجة قريش : ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ) .ا.ه
وإليك قوله هذا وهو واضح جدا لكن من تأثر بالإرجاء صعب عليه الخروج
منه حيث يقول في رده على الأخنائي(1/60):
وأهل البدع والجهل يفعلون ما هو من جنس
الأذى لله ورسوله، ويدعون ما أمر الله به من حقوقه وهم يظنّون أنهم يعظّمونه؛ كما
تفعل النصارى بالمسيح، فيضلهم الشيطان كما أضل النصارى، وهم يحسبون أنهم يحسنون
صنعا. والذين يزورون قبور الأنبياء والصالحين ويحجّون إليها ليدعوهم ويسألوهم، أو
ليعبدوهم ويدعوهم من دون الله؛ هم مشركون.ا.ه
فانظر إليه كيف سماهم أهل بدع وجهل ثم حكم عليهم بالشرك.
وأخيرا قال الشيخ أبو بطين كما في الدرر(10/373) وهو يتكلم عن شيخ
الإسلام:
ولا يكفر بالأمور الخفية جهلا، كالجهل ببعض الصفات، فلا يكفر
الجاهل بها مطلقا، وإن كان داعية، كقوله للجهمية: أنتم عندي لا تكفرون، لأنكم
جهال; وقوله عندي يبين أن عدم تكفيرهم، ليس أمرا مجمعا عليه، لكنه اختياره؛ وقوله
في هذه المسألة خلاف المشهور في المذهب، فإن الصحيح من المذهب تكفير المجتهد
الداعي إلى القول بخلق القرآن، أو نفي الرؤية، أو الرفض ونحو ذلك، وتفسيق المقلد.
5- قال ابن القيم رحمه الله في طريق الهجرتين (1/611):
"الأصل الثاني: أن العذاب يستحق بسببين:
أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها.
الثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها.
فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد، وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة
وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل.
والأصل الثالث: أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة
والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية دون
أخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون،
وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له، فهذا بمنزلة الأصم
الذي لا يسمع شيئا ولا يتمكن من الفهم، وهو أحد الأربعة الذين يدلون على الله
بالحجة يوم القيامة".اﻫ
وهو أيضا القائل في نفس الكتاب:
وأما من لم تبلغه الدعوة فليس بمكلف في تلك الحال هو بمنزلة
الأطفال والمجانين وقد تقدم الكلام عليهم والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا
شريك له والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به فما لم يأت العبد بهذا فليس
بمسلم وإن لم يكن كافرا معاندا فهو كافر جاهل فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير
معاندين وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفارا فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب
رسوله إما عنادا أو جهلا وتقليدا لأهل العناد فهذا وإن كان غايته أنه غير معاند
فهو متبع لأهل العناد وقد أخبر الله في القرآن في غير موضع بعذاب المقلدين
لأسلافهم من الكفار وأن الأتباع مع متبوعيهم وأنهم يتحاجون في النار..ا.ه المراد
فحكم عليه بالكفر مع الجهل ، فلم لم يعذرهم؟
إن قلت هذا في الكفار الأصليين كما اعتدتم اجتراره فهذا جواب
المجدد كما رسائله الشخصية (1/146):
إذا ثبت هذا فتكفير هؤلاء المرتدين انظروا في كتاب الله من أوله
إلى آخره والمرجع في ذلك إلى ما قاله المفسرون والأئمة، فإن جادل منافق بكون الآية
نزلت في الكفار فقولوا له هل قال أحد من أهل العلم أولهم وآخرهم إن هذه الآيات لا
تعم من عمل بها من المسلمين من قال هذا قبلك ؟ وأيضاً فقولوا له هذا رد على إجماع
الأمة فإن استدلالهم بالآيات النازلة في الكفار على من عمل بها ممن انتسب إلى
الإسلام أكثر من أن تذكر..ا.ه المراد
وقال الشيخ أبا بطين كما في الدرر السنية (10/154):
وأما قول من يقول: إن الآيات التي نزلت بحكم المشركين الأولين، فلا
تتناول من فعل فعلهم، فهذا كفر عظيم، مع أن هذا قول، ما يقوله إلا "ثور"
مرتكس في الجهل، فهل يقول: إن الحدود المذكورة في القرآن والسنة، لأناس كانوا
وانقرضوا؟ فلا يحد الزاني اليوم، ولا تقطع يد السارق، ونحو ذلك، مع أن هذا قول
يستحيا من ذكره; أفيقول هذا: إن المخاطبين بالصلاة والزكاة، وسائر شرائع الإسلام،
انقرضوا، وبطل حكم القرآن؟!ا.ه
6- وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله- كما في الدرر السنية
(1/102) -في بيان الكذب عليه أنه يكفر بالعموم-:
" وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على
قبر أحمد البدوي وأمثالهما؛ لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك
بالله؟! إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ
عَظِيْمٌ﴾".
قال الشيخ محمد حامد الفقي : ( في هذه العبارة نقص أو تحريف، لا بد
. فإن مؤداها خطأ واضح ينافي نصوص القرآن و السنة، و إذا لم يكفر من يعبد الصنم
فمن يكفر غيره ؟ . و هذا بلا شك خلاف دعوة الإسلام و دعوة الشيخ محمد بن عبد
الوهاب المعروفة من كتاب التوحيد و كشف الشبهات و الثلاثة الأصول و غيرها من كتبه
الصريحة في أنه : لا يصح إسلام أحد إلا إذا عرف ما هي الطواغيت و كفر بها و عاداها
و عادى عابديها كما قرر إبراهيم -عليه السلام- في قوله لقومه : ( أفرأيتم ما كنتم
تعبدون أنتم و آباؤكم الأولون، فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ) الآيات . و هذا
أوضح في القرآن و السنة و كلام أهل العلم و الدين من أن ينبه عليه .
و الداعي إلى الله و إلى إخلاص العبادة له، لا يضيره أبدا أن يرمى
من أعداء الله بأنه ( يكفر الناس و يسميهم مشركين )، فإن ذلك من لازم دعوته إلى
توحيد الله و الإيمان به، إذ لا يمكن الدعوة إلى الإيمان إلا ببيان الكفر و
الكافرين، و الشرك و المشركين، بل إن منطوق كلمة ( لا إله إلا الله ) مستلزم
ذلك....
من تعليقه على مصباح الظلام ص : 28
وقال المجدد كما في الدرر(10/93):
وبعد: ما ذكرتم من قول الشيخ: كل من جحد كذا وكذا، وقامت عليه
الحجة، وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم، هل قامت عليهم الحجة؟ فهذا من
العجب، كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مرارا؟! فإن الذي لم تقم عليه الحجة، هو
الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل
الصرف والعطف، فلا يكفر حتى يعرف.
وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه، فإن حجة الله
هو القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة؛ ولكن أصل الإشكال، أنكم لم تفرقوا
بين قيام الحجة، وبين فهم الحجة.ا.ه المراد
وقال في الدرر(8/118):
والذي يبين ذلك من قصة الردة، أن المرتدين افترقوا في ردتهم: فمنهم
من كذب النبي صلى الله عليه وسلم ورجعوا إلى عبادة الأوثان، وقالوا: لو كان نبياً
ما مات; ومنهم من ثبت على الشهادتين، ولكن أقر بنبوة مسيلمة، ظناً أن النبي صلى
الله عليه وسلم أشركه في النبوة، لأن مسيلمة أقام شهود زور شهدوا له بذلك، فصدقهم
كثير من الناس; ومع هذا، أجمع العلماء أنهم مرتدون ولو جهلوا ذلك، ومن شك في ردتهم
فهو كافر.اه المراد
هذا فيمن اعتقد نبوة غير محمد فكيف بمن اعتقد ألوهية غير الله؟ أم
عندكم النبوة أعظم من استحقاق الله الألوهية؟
ونقل عبد الله ابن المجدد
عن شيخ الإسلام قوله كما في الدرر(10/249):
قال الشيخ رحمه الله: وأما من جاوز ذلك، كمن زعم أن الصحابة ارتدوا
بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا يسيرا قليلا، لا يبلغون بضعة عشر،
أو أنهم فسقوا، فلا ريب أيضا في كفر قائل ذلك؛ بل من شك في كفره فهو كافر، انتهى.
فهذا حكم من كفر الصحابة فالشيخ يكفر من لم يكفره فكيف بمن صرف محض
حق الله لغيره؟
وتتميما للفائدة فهذا رد مفحم منه لأمثالك من المرجئة حيث قال بعد كلامه السابق:
وأما قول من يقول: إن من تكلم بالشهادتين ما يجوز تكفيره، وقائل
هذا القول لا بد أن يتناقض، ولا يمكنه طرد قوله، في مثل من أنكر البعث، أو شك فيه،
مع إتيانه بالشهادتين، أو أنكر نبوة أحد من الأنبياء الذين سماهم الله في كتابه،
أو قال الزنى حلال، أو نحو ذلك، فلا أظن يتوقف في كفر هؤلاء وأمثالهم، إلا من يكابر
ويعاند.
فإن كابر وعاند، وقال: لا يضر شيء من ذلك، ولا يكفر به من أتى
بالشهادتين، فلا شك في كفره، ولا كفر من شك في كفره، لأنه بقوله هذا مكذب لله
ولرسوله، ولإجماع المسلمين؛ والأدلة على ذلك ظاهرة بالكتاب والسنة والإجماع.
فمن قال: إن التلفظ بالشهادتين لا يضر معهما شيء، أو قال: من أتى
بالشهادتين وصلى وصام لا يجوز تكفيره، وإن عبد غير الله فهو كافر، ومن شك في كفره
فهو كافر، لأن قائل هذا القول مكذب لله ورسوله، وإجماع المسلمين كما قدمنا، ونصوص
الكتاب والسنة في ذلك كثيرة، مع الإجماع القطعي، الذي لا يستريب فيه من له أدنى
نظر في كلام العلماء، لكن التقليد والهوى يعمي ويصم {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ
لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}.ا.ه
7- وقال العلامة عبد الرحمن بن حسن –رحمه الله – كما في الدرر السنية»
(11/317):
"وقال شيخنا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- :
سألني الشريف عما نقاتل عليه، وما نكفر به؟ -فقال في الجواب-: إنا لا
نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم وهو الشهادتان بعد التعريف إذا عرف ثم
أنكر".
يالك من جاهل أخرق!!!
الشيخ يتحدث عن
القتال وليس هو محل الخلاف بل الخلاف في إطلاق اسم الشرك على فاعله ، فالقتال شيء
غير الحكم وإطلاق الاسم فلا تخلط علينا بجهل فلسنا مغفلين كحال من يتبعكم من
المرجئة.
قال ابنُ قدامة رحمه
الله في المغني(10/385):(أما قوله من أهل الكتاب و المجوس لا يدعون قبل القتال فهو
على عمومه؛ لأنَّ الدعوةَ قد انتشرت و عمّت، فلم يبق منهم مَن لم تبلغه الدعوةُ
إلاّ نادر بعيد وأمّا قوله يدعى عبدة الأوثان قبل أن يحاربوا فليس بعام، فإنّ من بلغته
الدعوة منهم لا يدعون وإن وجد منهم من لم تبلغه الدعوة دعي قبل القتال، وكذلك إن
وجد من أهل الكتاب من لم تبلغه الدعوة دعوا قبل القتال. قال أحمد:إنَّ الدعوة قد
بلغت وانتشرت ولكن إن جاز أن يكون قوم خلف الروم وخلف الترك على هذه الصفة لم يجز
قتالهم قبل الدعوة……
قال أحمد:كان النبي
صلى الله عليه وسلم يدعو الى الإسلام قبل أن يحارب حتى أظهر الله الدين و علا
الإسلام، ولا أعرف اليوم أحد يدعى قد بلغت الدعوة كل أحد؛ فالروم قد بلغتهم الدعوة
و علموا ما يراد منهم و إنما كانت الدعوة قبل الإسلام فمن دعا فلا بأس.)
فتلك مسألة غير ما
نحن بصدده فافهم قبل أن تتلكم.
رابعاً : الإجماع إنما يتم في حق الكفار والمشركين الأصليين كالمشركين من العرب
والمجوس واليهود والنصارى وفيمن قامت عليه الحجة.
وأما من آمن بالله وبرسوله وبكتابه ورضي بالله ربا وبالإسلام دينًا،
ووقع في الشرك من حيث لا يدري أنه شرك لجهله، فهذا الراجح إعذاره ، والله عز و جل
يحب العذر
إذا كنت لا عبا بشيء فلا تلعبن بدينك.
وأراك تلعب بدينك يا زهراني، فالإمام المجدد وضح كلامه بما لا يدع
مجالا لمبطل مثلك حيث قال في مفيد المستفيد:
على أن الذي نعتقده وندين لله به ونرجو أن يثبتناً عليه أنه لو غلط
هو أو أجلَّ منه في هذه المسألة وهي مسألة المسلم إذا أشرك بالله بعد بلوغ الحجة ،
أو المسلم الذي يفضل هذا على الموحدين ، أو يزعم أنه على حق ، أو غير ذلك من الكفر
الصريح الظاهر الذي بينه الله ورسوله وبينه علماء الأمة ، أنا نؤمن بما جاءنا عن
الله وعن رسوله من تكفيره ولو غلط من غلط .
فكيف والحمد لله ونحن لا نعلم عن واحد من العلماء خلافا في هذه
المسألة ، وإنما يلجأ من شاق فيها إلى حجة فرعون : ( فما بال القرون الأولى ) أو
حجة قريش : ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ) .ا.ه
فتأمل قوله المسلم إذا أشرك فليس كلامه فيمن هو كافر ابتداء ، ومع
هذا قال لا نعلم خلافا فيها.
فإن قلت هو قيد كلامه ببلوغ الحجة قلت لك انظر معنى بلوغ الحجة
عنده في قوله المنقول سلفا وفيه:
وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه، فإن حجة الله
هو القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة؛ ولكن أصل الإشكال، أنكم لم تفرقوا
بين قيام الحجة، وبين فهم الحجة.
وقد غفر الله عزوجل لمن شك في قدرته قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَعْمَلُ
بِالْمَعَاصِي فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِأَهْلِهِ إِذَا أَنَا مُتُّ
فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الْبَحْرِ فِي يَوْمِ رِيحٍ
عَاصِفٍ قَالَ فَلَمَّا مَاتَ فَعَلُوا قَالَ فَجَمَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
فِي يَدِهِ قَالَ لَهُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ خَوْفُكَ قَالَ
فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكَ".
في الحديث كلام طويل ليتك أتعبت نفسك بالبحث لتفهم حقيقة الحديث،
وعلى كل يمكن أن يقال أن هذا حكمه في الآخرة وحديثنا في أحكام الدنيا فلا تلازم
بينهما .
فالحديث تكلم عن حكم الآخرة وليس بحثنا فيه فلا يعترض به على إطلاق
اسم المشرك على مرتكب الشرك.
قال الشيخ عبدالله أبوبطين
رحمه الله:
وبالجملة: فيجب على من نصح نفسه، ألا يتكلم في هذه المسألة إلا بعلم وبرهان من
الله؛ وليحذر من إخراج رجل من الإسلام بمجرد فهمه واستحسان عقله، فإن إخراج رجل من
الإسلام أو إدخاله فيه، أعظم أمور الدين; وقد
كفينا بيان هذه المسألة كغيرها، بل حكمها في الجملة أظهر أحكام الدين؛
فالواجب علينا: الاتباع وترك الابتداع، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه:
"اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم".
وأيضا: فما تنازع العلماء في كونه كفرا، فالاحتياط للدين التوقف وعدم الإقدام،
ما لم يكن في المسألة نص صريح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة، فقصر بطائفة فحكموا
بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره، وتعدى بآخرين فكفروا من حكم
الكتاب والسنة مع الإجماع بأنه مسلم.
ومن العجب: أن أحد هؤلاء لو سئل عن مسألة في الطهارة، أو البيع
ونحوهما، لم يفت بمجرد فهمه واستحسان عقله، بل يبحث عن كلام العلماء، ويفتي بما
قالوه؛ فكيف يعتمد في هذا الأمر العظيم، الذي هو أعظم أمور الدين وأشد خطرا، على
مجرد فهمه واستحسانه؟ فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطائفتين ومحنته من تينك
البليتين!!
ونسألك اللهم أن تهدينا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير
المغضوب عليهم ولا الضالين، وصلى الله على محمد.[2]
لا أدري هل قرأت كتابه كله أم نقلت عن ناقل آخر بلا تتبع ولا تحقيق
وهذا هو الظن بمن هم مثلك من الأغرار.
فكلام الشيخ في جوابه ذلك فيه رد عليك وعلى شيخك في التجهم حيث
يقول:
وقد أخبر الله سبحانه بجهل كثير من الكفار، مع تصريحه بكفرهم، ووصف
النصارى بالجهل، مع أنه لا يشك مسلم في كفرهم; ونقطع أن أكثر اليهود والنصارى
اليوم جهال مقلدون، فنعتقد كفرهم، وكفر من شك في كفرهم.
وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر؛
والشك
هو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا كذبه، ولا
يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه، ونحو ذلك، كالذي لا يعتقد وجوب الصلاة ولا عدم
وجوبها، أو لا يعتقد تحريم الزنى ولا عدم تحريمه؛ وهذا كفر بإجماع العلماء، ولا
عذر لمن كان حاله هكذا، بكونه لم يفهم حجج الله وبيناته، لأنه لا عذر له بعد
بلوغها، وإن لم يفهمها.
وقال أيضا في نفس الفتوى:
وأما الأمور التي هي مناقضة للتوحيد، والإيمان بالرسالة، فقد صرح
رحمه الله في مواضع كثيرة بكفر أصحابها، وقتلهم بعد الاستتابة، ولم يعذرهم بالجهل،
مع أنا نتحقق أن سبب وقوعهم في تلك الأمور، إنما هو الجهل بحقيقتها؛ فلو علموا
أنها كفر تخرج من الإسلام، لم يفعلوها.
وقال نقلا عن شيخ الإسلام:
وقال: من سب الصحابة أو أحدا منهم، أو اقترن بسبه دعوى أن عليا
إله، أو نبي، أو أن جبرائيل غلط، فلا شك في كفر هذا؛ بل لا شك في كفر من توقف في
تكفيره.
وقال أيضا: من زعم أن الصحابة ارتدوا، بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلا نفرا قليلا، لا يبلغون بضعة عشر، أو أنهم فسقوا، فلا ريب في كفر قائل
ذلك؛ بل من شك في كفره، فهو كافر، انتهى;
فانظر كيف كفر الشاك، والشاك جاهل؛ فلم ير الجهل عذرا في مثل هذه
الأمور .ا.ه
وللشيخ أبي بطين رسالة في تكفير المعين فيها تقرير لهذا القول ورد
على من عذرهم فراجعه لعل الله يهديك للحق قبل الموت
وما سبق ذكره فيه رد على هذا الخارجي الأفاك .
وأنا أقول وما سبق ذكره رد على هذا الجهمي
الأفاك .
لتعلم أن الرمي بالألقاب ليس من تحقيق المسائل في شيء.
0 التعليقات:
إرسال تعليق